يعد معبر طاراخال، الفاصل بين مدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية، من جهة، والنفوذ الترابي لإقليم تطوان، من جهة ثانية، أحد أكبر المعابر العالمية، بسبب ارتفاع أعداد مرتاديه، يكون غالبيتهم من ممتهني ما يسمى "التهريب المعاشي". وتقدر الإحصاءات الرسمية عدد مرتادي هذا المعبر، ما بين 20 و25 ألف عابر يوميا، جلهم من فئة المهربين الصغار، العاملين في نقل البضائع من المدينةالمحتلة في اتجاه المدن المغربية المختلفة. رحلة خطرة منذ ساعات الصباح الأولى، تبدأ عشرات الحافلات وسيارات الأجرة في الوصول إلى المنطقة، لتتشكل حشود المواطنين، نساء ورجالا، وقاصرين وقاصرات أيضا، لا يتعدى سن بعضهم 10 سنوات؛ بل حتى بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، يصطفون في الطوابير، لإيجاد مكان لهم ضمن المهربين، لإعالة أنفسهم وذويهم. من سبتة تبدأ مغامرة تهريب السلع بمختلف أشكالها، حيث يبحث "المهربون"، الذين يبحثون عن مورد رزق بعد انسداد الأمل في وجوههم؛ منهم حاملو شهادات عليا، ونساء لا مورد لهن، فضّلن كسب قوتهن من عرق جبينهن؛ في حين يعيش آخرون من المقابل المادي الذي يحصلون لقاء خدماتهم، مثل حمل السلع بين النقطتين الحدوديتين. ويعتبر "الحمالون" معادلة مهمة في سلسلة التهريب الذي تقوم به الشبكات المنظمة، فيما الآلاف من ممتهني التهريب يمارسون تهريبا بسيطا، من خلال استقدام سلع تتراوح قيمتها بين 500 درهم و1000 درهم، تحقق ربحا لا يتجاوز مائة درهم في أحسن الأحوال، إذا لم تصادر السلع، وهو أمر قد يحدث سواء عند باب سبتة أو مليلية المحتلتين، أو بأي نقطة جمركية، حتى ولو كانت على مشارف الرباط.. في مقابل ذلك، يعتمد بعض "المستثمرين الكبار" في مجال التهريب على ممتهني التهريب البسيط، إذ يشترون كميات كبيرة من السلع المهربة، تقدر بالملايين، بالاعتماد على "الحمالة"، الذين يخرجونها بالتقسيط طول اليوم، وحتى لا تنشب خلافات بين شبكات المهربين الكبار، فإن كلا منها تتخصص في نوع من التجارة. أرباح وخسائر وتفيد مصادر مختلفة أن عدد العاملين في مجال التهريب في مدينة سبتة لا يقل عن 20 ألف عابر يوميا، في حين أنهم في باب مليلية لا يقلون كثيرا عن هذا العدد، كما أن مدينتي الفنيدق وبني أنصار، يعتبران بدورهما من أكبر أسواق السلع المهربة في المغرب. وبينما تستفيد إسبانيا من مداخيل مهمة من التهريب، يتكبد المغرب خسائر تقدر بملايير السنتيمات، إذ أن معدل دخل الثغرين، الوارد من التهريب، يعادل ما يزيد عن 1.000 مليون أورو في السنة، أي ما يعادل 11.000 مليون درهم مغربي"، وفق مستشار الشؤون الاقتصادية بسبتة. ومقابل ذلك، قال مصدر مغربي مسؤول بوزارة المالية إن "معدل دخل المدينتين السليبتين يتجاوز 1.500 ألف أورو، وهو رقم ارتفع أكثر في السنتين الأخيرتين، بنسبة زيادة قد تصل إلى 10 في المائة"، فيما يؤكد المغرب أن تجارة التهريب التي تنشط على الحدود بين سبتة ومليلية، وعلى الحدود مع الجزائر في الشرق، تكلفه خسائر تقدر بنحو 1.75 مليار درهم . وتقول تقارير رسمية مغربية إن تجارة التهريب عبر سبتة ومليلية تعرف نموا كبيرا يضاهي نمو التجارة القانونية بين إسبانيا والمغرب، معزية هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، أهمها الموقع الإستراتيجي للمدينتين السليبتين داخل التراب المغربي، إضافة إلى العلاقات التاريخية والسياسية الوطيدة بين البلدين، التي تفسر النمو المتزايد للمبادلات التجارية، وإن كانت بطرق غير شرعية. وتستفيد مدينة سبتة من وضعها كمنطقة تجارية حرة معفاة من الضرائب، تعيش بالأساس من عائدات التهريب، فيما تباينت مواقف سكان سبتة من هذا القرار، وفق استطلاع للرأي، حيث يرى البعض أن فرض الحدود الجمركية على المدينتين المحتلتين سيثير مشاكل لاقتصادهما. وذهب البعض الآخر إلى ضرورة حفاظ المدينتين على صبغة أوروبية وإسبانية محضة؛ وهو ما جعل المغرب يبحث عن حلول، وفق ما كشفته مصادر حكومية في اجتماعات شهدتها المنطقة غير ما مرة، من خلال برامج تنموية قد تدفع البعض إلى التخلي عن التهريب.