بكثيرمن الحساسية يطرح موضوع المقاطعة الانتخابية نفسه في المشهد السياسي، ويعيد إلى الأذهان مقولات شديدة الصلة بفكر طالما تبنى المقاطعة منهجا لا يحيد عنه أبدا مهما تغيرت الظروف والأحوال، ومهما تنازل الحلفاء أو تراجع الأظناء. وربنا يكون هذا الاختيار محكوما بمنطلقات وخلفيات تقويه وتسنده من الناحية الذاتية والموضوعية، ولهذا نجده اختيارا ثابتا وحازما، غير أنه في نفس الوقت يبقى موقفا منغلقا على نفسه وغير قادر على الحراك والانفتاح، ولا يقبل النقد والجدل، يظل حبيس سياج دوغمائي بناه سلفا على الماضي وربما يوجد في الحاضر ما يدعمه إلى هذا الحد أو ذاك. وهذه ميزة في كل الأحوال تعبر عن الثبات على العقيدة وعدم الانحياز للتيار الغالب والنهر الجارف. لكنه أيضا يحمل في ثناياه كثيرا من الغموض والالتباس من حيث عدم القدرة على تجديد الخطاب والممارسة والتمدد والتجذر في المجتمع السياسي والمدني على السواء. وهنا يبقى هذا الفكر وهذا الاختيار ساكنا في الاوراق والاذهان ولا يجد له صدى في الواقع والبنيانإلا يشكل محتشم قد تساهم الدولة نفسها في التعريف به والاشارة إليه بهذا السلوك أو ذاك. وبكثيرمن الغيرة على هذا الفكر وحقه في الوجود والتعبير، وإن كان موضوع خلاف، فاختيار المقاطعة الانتخابية لا يقدم نفسه بديلا عن موقف المشاركة، لا من حيث التأثير والاستقطاب والتجذر، ولا من حيث الإجابة عن الأسئلة المجتمعية وانتظارات المواطنين، فئات وطبقات شعبية ومتوسطة. والحاصلأن مقاطعة الانتخابات هو موقف سياسي، ونقطة نظام في المشهد عموما، لا تقدم ولا تأخر من حيث النتائج إلا من حيث أنها بالفعل حرية فكرية وسياسية دون أي مزايدة. لكنها حرية تحدق في الفراغ ولا تنظر إلى الواقع الذي فيه يجب أن تتجسد الحرية وتتبوأ المكانة اللائقة بها. وربما يكون التهميش والإقصاء والحساسية المفرطة تجاه هذا الفكر عاملا من العوامل في عدم قدرته على تجاوز ذاته إلى موضوعه، وليس بالضرورة بدعوته إلى المشاركة المباشرة الآنية لكن بتجلية أسباب المشاركة ومبرراتها وغاياتها ومرميها الواقعية والموضوعية، دون وصاية أو وكالة، لكن رغبة في تجديل الفكر والممارسة حيث يكمن البناء والتغيير في وطن يتسع للجميع دون تغليط أو تضليل.