بعد أعمال الاصلاح و التجديد الذي عرفه المسجد العتيق و المعلمة الدينية و العلمية و التاريخية بقرية الشرفات بفضل الأمر الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس من اجل تجديد بنيته و مرافقه الى جانب المسجد الاعظم بمدينة شفشاون بمناسبة زيارته التاريخية للمدينة سنة 2006 . و هي التفاتة مولوية كريمة و مبادرة من جلالته على سنة أسلافه الميامين في تكريم مسجد الشرافات و تخصيصه بالاعتبار الذي يستحقه ، قد خلفت على نطاق واسع الكثير من البشارة و المشاعر الايجابية عند ساكنة القرية و الشرفاء و رجال العلم و الدين و كافة المواطنين بالجهة الشمالية من المملكة .. بعد كل ذلك ، يفاجئ الكثير من المهتمين بشأن المسجد و خدامه من ابناء الشرفات بأن عيوبا قد شابت أعمال الاصلاح و التجديد و أخلت بمستوى الجودة المطلوبة ، و ليت الامر توقف عند هذا الحد بل الذي صدم الجميع و أثار الكثير من الاستياء هو حالة التهميش و الاقصاء المتعمد التي عملت مندوبية الاوقاف و الشؤون الاسلامية بمدينة شفشاون على فرضها على المسجد بعد اصلاحه ، الشيء الذي كرس اتجاها منافيا للإرادة الملكية ، و ألحق الكثير من الضرر بموقع المسجد التاريخي و كذا بمهامه على مستوى نشاطه العلمي و الاشعاعي الموروث الذي عرف به المسجد عبر مسيرته الطويلة على امتداد اربعة عشر قرنا ، علما بأن المسجد المذكور يعد من بين المساجد التاريخية القليلة التي يعود بناؤها الى فترة الفتوحات الاسلامية بشمال افريقيا مثل مسجد زجل بقبيلة بني زجل و الجامع البيضاء ببني حسان ، و مسجد دار أسقفان بالقرب من سبتة ، و هي مساجد عتيقة جدا و ضاربة في تاريخ دخول الاسلام الى المغرب قد انقرضت لظروف تعود في الغالب الى عدم الاستقرار ، و بالتالي فمسجد الشرفات الذي بناه القائد البربري طارق بن زياد كما يشير الى ذلك صاحب دوحة الناشر ابن عسكر (ت986 ه) يمثل معلمة روحية و علمية أصبحت اليوم تكتسي صبغة التراث الانساني الذي يتعين تثمينه و حمايته بمقتضى المواثيق الدولية و نشير في هذا الخصوص تحديدا الى الاتفاقية الدولية لعام 1972 الصادرة عن اليونسكو لحماية الآثار العتيقة . غير أن الذي يصدم المشاعر الوطنية في العمق هو تصرف مندوبية الأوقاف بمدينة شفشاون حيث عمدت في بادرة غير مسبوقة الى قطع كل مخصصات الاحباس الموجهة للإنفاق على مسجد الشرافات كمؤسسة للتعليم العتيق بهدف إفراغه من رواده من طلبة العلوم الشرعية و بالتالي طمس دوره على مستوى الاشعاع العلمي و الروحي في نشر مذهب المغاربة في العقيدة و الفقه و السلوك و محاربة التطرف . و هو ما فتئ المسجد تاريخيا يحافظ على استمراريته منذ أن تأسس زمن الفتح الاسلامي على يد بانيه حوالي سنة 80 هجرية . و نظرا لكون هذا التصرف من مندوبية الاوقاف يعتبر انتهاكا للحقوق التاريخية و العلمية لإحدى مؤسسات التعليم العتيق من حجم جامع الشرافات ببلادنا التي كان من واجب المندوبية المعنية حمايتها طبقا للسياسة الرشيدة و التعليمات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في شأن الصيانة و المحافظة على الموروث التاريخي و حماية الخصوصية المغربية خاصة حماية كل ما يتعلق بمؤسسات الدينية العتيقة التي تنشر الاعتدال و الوسطية و قيم العقيدة السمحة المتمثلة في الفقه المالكي و عقيدة الاشعري و التصوف السني للإمام الجنيد السالك . فقد بادرت ساكنة قرية الشرافات في خطوة عاجلة بتقديم رسالة الى السيد وزير الاوقاف تلتمس تدخله العاجل من أجل حماية الحقوق العلمية و التاريخية للمسجد المعلمة بعد ان أحاطت سيادته علما بما آل إليه الوضع العلمي الحالي من التفريط و الاقصاء المتعمد لإحدى المؤسسات الروحية و العلمية التي ظلت منذ زمن بعيد تعد معلمة مضيئة في تاريخ المغرب و شمال افريقيا قاطبة ، كما انها كانت على مر العصور محل تقدير و عناية من ملوك الدولة العلوية الشريفة سواء في الماضي أو الحاضر ، و ذلك لقيمته التاريخية و الروحية و العلمية على أرض المملكة .. و في انتظار الاجراءات التي يمكن ان تتخذها وزارة الأوقاف بعد الرسالة التي تم رفعها الى السيد الوزير ، فإن سكان قرية الشرافات اليوم يتطلعون باهتمام كبير الى تدخل حازم من قبل الجهة المعنية لحماية الحقوق العلمية " للمسجد التاريخي " الواقع بتراب قريتهم ، و الذي أصبح اليوم يجسد تراثا انسانيا و مكسبا روحيا و علميا لكل المغاربة . ذ/ ابو محمد أنور السعيد