برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    الملك يعين عددا من السفراء الجدد    الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    مشكل انقطاع الكهرباء: إسبانيا تشكر المغرب    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    رئيس الحكومة الإسباني.. استعدنا التيار الكهربائي بفضل المغرب وفرنسا    وزير العدل يعلن نهاية الجلسات العامة في قضايا الأسرة وتحويلها إلى اجتماعات سرية    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    مهنيو الصحة بأكادير يطالبون بحماية دولية للطواقم الطبية في غزة    وزير الأوقاف: "دعاية فاسدة من منتسبين إلى الدين تؤدي إلى التطرف"    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    قضايا الإرهاب .. 364 نزيلا يستفيدون من برنامج "مصالحة"    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    توقف حركة القطارات في جميع أنحاء إسبانيا    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس الجغرافيا و رهان "الملاءمة"
نشر في تطوان بلوس يوم 02 - 12 - 2019

'' تشكل مادة الجغرافيا ركنا أساسيا في التكوين الفكري والمدني والاجتماعي للناشئة، لتكون على بينة من ميكانيزمات المجال الجغرافي، ودور الإنسان كفاعل فيه، ولتتحقق لديها تربية مجالية مسؤولة "، ويرمي منهاجها إلى " تنمية خبرات المتعلم(ة) عن طريق إثرائه بنتاج تكويني ذي أبعاد فكرية ووظيفية/ منهجية/ مهارية وقيمية، وفق طموحات منظومتنا التعليمية أولا وحاجيات مجتمعنا ثانيا"، في إطار رؤية ثلاثية الأبعاد تتأسس على مستويات "معرفية" (اكتساب رصيد مفاهيمي ومعرفي حول القضايا المجالية المحلية والوطنية والعالمية) و"منهجية"/"مهارية" (تقوية القدرات المنهجية والتعبيرية الخاصة بالجغرافيا، تمكن المتعلم(ة) من توظيف مكتسباته في معالجة مكونات المجال الجغرافي، واستيعاب إشكالياته والانخراط في اقتراح الحلول المناسبة)، وكدا "مستوى الاتجاهات" (اكتساب تربية مجالية تمكنه، من الاندماج وتبني مواقف وسلوكات إيجابية، اتجاه محيطه الجغرافي بمختلف أبعاده ) (التوجيهات التربوية وبرامج تدريس التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي)، ولن نتوقف من خلال هذا المقال، عند "المرجعية الديدكتيكية" للمادة وما تتأسس عليه من "مقومات مهيكلة" متعددة المستويات، ولن ننبش في حفريات الكفايات/ القدرات التي تحضر على مستوى كل سلك من أسلاك المرحلة الثانوية التأهيلية، سنوجه البوصلة، بشكل خاص، نحو بعض الوحدات الدراسية/الدروس، ذات الصلة بقضايا التنمية وإعداد التراب الوطني، قياسا لما عرفه ويعرفه المغرب من دينامية إصلاحية متعددة الزوايا، لنبسط من خلالها سؤالا عريضا مفاده : إلى أي حد وإلى أي مدى يواكب برنامج الجغرافيا في شموليته، متغيرات الوضع الداخلي؟؟ وعليه، سنقارب الموضوع من خلال تشخيص واقع الحال(أولا) ورصد مظاهر تجاوز "البرنامج"(ثانيا)، واستعراض بعض الإجراءات والتدابير التي من شأنها كسب "رهان الملاءمة"(ثالثا).
* أولا : واقع الحال :
استقراء لبرنامج الجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، يمكن التوقف عند عدد من الوحدات الدراسية/ الدروس، التي تلامس قضايا التنمية بالمغرب، وما يرتبط بها من تحديات ورهانات (الموارد البشرية، إعداد التراب الوطني، التهيئة الحضرية، التهيئة الريفية)، يمكن رصد عناوينها العريضة على النحو التالي :
- بالنسبة لبرنامج السنة الأولى بكالوريا (مسالك: العلوم التجريبية، العلوم الرياضية، العلوم الاقتصادية والتدبير، التعليم الأصيل، العلوم الشرعية) تحضر ثلاثة دروس ضمن المجزوءة الأولى (المغرب وخصائص إعداد التراب الوطني)، ويتعلق الأمر على التوالي ب : "المجال المغربي : الموارد الطبيعية والبشرية" (الوحدة2)، "الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني" (الوحدة3)، "التهيئة الحضرية والريفية : أزمة المدينة والريف وأشكال التدخل" (الوحدة4).
- بالنسبة لبرنامج السنة الأولى بكالوريا (مسالك : الآداب والعلوم الإنسانية، مسلك التعليم الأصيل، اللغة العربية)، تكاد تحضر نفس الدروس، وإن اختلفت عناوينها ومضامينها وما يرتبط بها من دعامات ديدكتيكية، وهي تنتمي إلى المجزوءة الأولى ( المغرب: خصائص المجال وإعداد التراب الوطني ) بمحوريها الأول (المظاهر العامة للتباينات المجالية بالمغرب) والثاني (إعداد التراب ) ويتعلق الأمر على التوالي ب : "المجال المغربي : الموارد الطبيعية : التشخيص ومستوى التنمية البشرية" (الوحدة3)، "الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني" (الوحدة5)، "التهيئة الحضرية : أزمة المدينة وأشكال التدخل" (الوحدة6)، "التهيئة الريفية: أزمة الريف وأشكال التدخل" (الوحدة7).
وهي وحدات دراسية حافظت على موضع قدم ضمن "البرنامج" لسنوات طوال تجاوزت العقد من الزمن، تحكمت في انتقائها وبرمجتها، أهدافا بيداغوجية متعددة الأبعاد، تتقاطع في شموليتها، في وضع "المتعلم(ة)" في صلب قضايا التنمية البشرية والتهيئة الحضرية والريفية وإعداد التراب، وما يعتريها من مشكلات وتحديات، وما يبذل في إطارها، من إجراءات وتدابير رسمية، ترمي إلى الارتقاء بمستوى التنمية البشرية وإعداد أنجع للمجال، بشكل يقطع مع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، ويسمح بكسب رهانات التنمية المندمجة.
لكن، واستثمارا لما يتيحه واقع الممارسة من معطيات، واستحضارا لدينامية الإصلاح التي انخرط فيها المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة، وما واكبها ويواكبها من متغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وحقوقية ومؤسساتية وتشريعية وتنموية وتعليمية (الرؤية الاستراتيجية، القانون الإطار)، نستطيع المجازفة في القول أن "برنامج الجغرافيا" بالسلك التأهيلي، أو على الأقل بعضا من وحداته الدراسية، أصبح "متجاوزا"، قياسا لما شهدته وتشهده البلاد من دينامية متعددة المستويات، وعلى رأسها الإعلان عن بلورة "نموذج تنموي جديد"، يعول عليه من أجل الارتقاء بمستوى التنمية، والتقليص من حجم الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وهو إعلان، وضع "برنامج الجغرافيا" أمام رهان "الملاءمة" وتحدي "التغيير"، وتوضيحا للرؤية، يمكن رصد مظاهر تجاوز البرنامج، على النحو التالي:
* ثانيا: مظاهر التجاوز :
مظاهر برنامج "الجغرافيا" كثيرة ومتعددة المستويات، يتقاطع فيها السياسي بالاقتصادي، والاجتماعي بالتنموي، والتشريعي بالتربوي، ويمكن استعراض بعضها على النحو التالي:
-الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، شكل الإطار المرجعي للنموذج التنموي المرتقب، الذي سيكون المدخل الأساس لمرحلة جديدة قوامها "المسؤولية" و"الإقلاع الشامل"، وحدد شأنه في ذلك شأن خطاب الذكرى 66 لثورة الملك والشعب، المعالم الكبرى للمرحلة القادمة، وخصوصيات "اللجنة" التي ستتحمل مسؤولية بلورة هذا النموذج التنموي، من حيث "تركيبتها" وحدود ومجالات تدخلها وتصرفها.

- التفكير في تنزيل "نموذج تنموي جديد"، تحكم فيه هاجس الرغبة في تصحيح مسارات التنمية، وما اعترى النموذج التنموي القائم منذ سنوات، من أعطاب تنموية متعددة المستويات، كرست عبر السنوات فوارق اجتماعية وتفاوتات مجالية صارخة، جعلت "الهشاشة" وأخواتها، تتسيد عددا من المجالات الحضرية والريفية عبر التراب الوطني .
- اعتراف أعلى سلطة في البلد، بفشل أو قصور النهج التنموي القائم منذ سنوات، سائل ويسائل مختلف البرامج التنمية والمخططات التنموية، التي اعتمدت منذ سنوات، وكرست كل مشاهد الفقر والهشاشة والإقصاء، بشكل عمق الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية.
الدينامية التشريعية التي مست مجموعة من المجالات، خاصة تلك التي ارتبطت بتفعيل وتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة على أرض الواقع، وأحدثت نقلة نوعية في سياسة إعداد التراب في بعديها الوطني والجهوي، ونخص بالذكر القوانين التالية:
- ظهير شريف رقم 83-15-1 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، حيث خص "المشرع" الجهات ومجالسها باختصاصات جديدة من ضمنها "إعداد التراب الوطني" ، وفي هذا الصدد، نصت المادة 88 على ما يلي : "يضع مجلس الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، التصميم الجهوي لإعداد التراب، وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في إطار توجهات السياسة العامة لإعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية الأخرى والإدارات والمؤسسات العمومية، وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة".
- المرسوم رقم 583-17-2 (صادر في 7 محرم 1439 (28 سبتمبر 2017) بتحديد "مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه" (ج ر عدد : 6618- 13 صفر 1439 (2 نونبر 2017))، حيث تم منح الولاة اختصاصات واسعة فيما يتعلق بمصاحبة ومواكبة رؤساء الجهات في إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب (المادة 4) في إطار "لجنة استشارية لإعداد التراب"، تعد إطارا للتشاور وإبداء الرأي حول "مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب"، تضم عددا من الفاعلين منهم والي الجهة(رئيسا) ورئيس مجلس الجهة، وعمال العمالات والأقاليم الواقعة داخل النفوذ التراب للجهة، ورؤساء مجالس الجماعات الواقعة داخل النفوذ الترابي للجهة ... (المادة 5).
- إصدار والشروع في تنزيل مقتضيات "الميثاق الوطني لللاتمركز الإداري" موضوع المرسوم 618-17-2 (الصادر بالجريدة الرسمية عدد: 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018)، الذي يعول عليه لتحقيق عدد من الأهداف، منها "التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخد الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها" و "مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته" (المادة 7).
وتزداد هوة "التجاوز" تعمقا، في ظل الوثائق التربوية المؤطرة للمناهج والبرامج الدراسية، وخاصة فيما يتعلق بمادتي التاريخ والجغرافيا ( الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الوثيقة الإطار، التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، الأطر المرجعية لامتحانات البكالوريا.. )، و كلها وثائق متقادمة يتجاوز بعضها العقدين من الزمن، ومع ذلك، لازالت حاضرة ومؤثرة في تدريس المادة، في ظل المتغيرات المفصلية، التي شهدتها منظومة التربية والتكوين ذات الصلة بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح، والقانون الإطار، وما يرتبط بهما من مشاريع إصلاحية متعددة الأبعاد، ونفس التقادم، يطال، عددا من "الكتب المدرسية" الخاصة بتدريس المادة، رغم ما يتخلل بعض طبعاتها الجديدة من تعديلات وتنقيحات، لم تقو على زحزحة قارات المضامين (كتاب: مورد التاريخ والجغرافيا للسنة الأولى بكالوريا علوم، تعود طبعته الأولى إلى سنة 2006 على سبيل المثال لا الحصر).
ما تمت الإشارة إليه من متغيرات، لم يكرس فقط، دروسا جغرافية متجاوزة، بل أسس لمادة أضحت مقرونة بتدريس "الفشل" وما يرتبط به من رتابة وملل وركود، بشكل يجعل "المتعلم(ة)" بعيدا كل البعد، عما تعرفه الساحة الوطنية، من متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية وتشريعية وغيرها، وفي هذا الصدد، قد يقول قائل، أن المدرس(ة) يجب عليه أن يبدل جهدا، بشكل يسمح بإحاطة المادة بما يكفي من الحيوية والجاذبية والتشويق، بما في ذلك الحرص على "تحيين المعطيات" مراعاة لخصوصيات المادة، ونرى في هذا الاتجاه، أن المدرس(ة) لا يمكن البتة، تحميله ما لا طاقة له به، في ظل ما يؤطر تدريس المادة من وثائق تربوية، تقيد، أكثر ما تطلق العنان للخلق والابتكار والتجديد، ومن ضعف ومحدودية في وسائل العمل..
* ثالثا : رهان الملاءمة:
في ظل حضور مفردات "التجاوز" المتعدد المستويات، لا مناص من الرهان على "الملاءمة"، لإزالة الحرج عن المادة، وانتشالها من أوحال التجاوز والرتابة والركود، وجعلها مادة "مرنة" قادرة على التجديد والتجدد المستدام، وتجاوز الأزمة، يمر حتما عبر اتخاد عدد من التدابير والإجراءات منها :
- استحضار الخطب الملكية الأخيرة (خطاب العرش، خطاب ثورة الملك والشعب، خطاب افتتاح دورة البرلمان) التي شكلت أطرا مرجعية للنموذج التنموي المرتقب، وما سيحمله من جيل جديد من البرامج والمخططات التنموية، وإدراك الاعتراف الرسمي، بفشل وقصور "النهج" التنموي القائم منذ سنوات.
- مراعاة المستجدات التشريعية، خاصة تلك التي كانت لها تداعيات وتأثيرات مباشرة على قضايا التنمية والجهوية وإعداد التراب (قانون الجهات، ميثاق اللاتركيز الإداري ..).

- إعادة النظر في الوثائق التربوية التي تؤطر تدريس المادة. (التوجيهات التربوية وبرامج تدريس التاريخ والجغرافيا، الأطر المرجعية لامتحانات البكالوريا، منظومة التقويم ...).
- إعادة النظر في الكتب المدرسية، التي تجاوز الكثير منها العقدين من الزمن، بشكل يسمح باستيعاب المتغيرات الجديدة.
- دعوة الجهات الرسمية المعنية بصياغة المناهج والبرامج الدراسية والتأليف، إلى استحضار "الجدار الفاصل" الذي يربط بين "المضامين الحالية" و"الواقع"، وذلك بالتعجيل، بمعالجة ما يعتري خاصة دروس التنمية وإعداد التراب والتهيئة الحضرية والريفية، من مظاهر التجاوز، في انتظار تنزيل تغيير شامل وجذري يطال المادة بمكونيها (التاريخ والجغرافيا)، بشكل يقطع مع الكم المفضي للرتابة والملل.
- التجاوز في برنامج التاريخ والجغرافيا، لا يطال فقط، دروس التنمية وإعداد المجال والتهيئة، بل هو تجاوز يكتسح المادة ككل، في ظل حضور مجموعة من الدروس في الجغرافيا كما في التاريخ، تجاوزتها المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، ومع ذلك لازالت حاضرة منذ سنوات، كما يسجل حضور دروسا عقيمة مثيرة للرتابة والملل، لا تقدم ولا تؤخر، وهذا يفرض التفكير في هندسة جديدة للمادة، تقصي دروسا متجاوزة أو عقيمة، وتنفتح على دروس أخرى تكتسي طابع الراهنية (الاتحاد الإفريقي، المغرب وإفريقيا، التكتلات الإقليمية الإفريقية، الانفتاح على نماذج تنموية جديدة، تعزيز الاهتمام بالتاريخ الوطني المعاصر بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية والقانونية والدستورية والإعلامية ...إلخ).
* التفكير الآني، في إيجاد "مخرج" للبرامج التنموية التي تقدم للمتعلم(ة) (في إطار دروس التنمية والتهيئة وإعداد التراب) كتدابير وإجراءات لتجاوز مظاهر الأزمة، والحال، أن هذه البرامج، هي جزء لا يتجزأ من النهج التنموي الذي أقر ملك البلاد بفشله وقصوره، وهذا المخرج يبقى أمرا استعجاليا، حتى لا نكرس "تدريس الفشل" في زمن الإصلاح.
* آن الأوان لتوجيه البوصلة نحو برامج تنموية أخرى منسية أو غير حاضرة في المضامين، من قبيل : مخطط المغرب الأخضر، مخطط المغرب الأزرق، المغرب الرقمي، الإدارة الالكترونية، مخطط الإقلاع الصناعي، النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الجهوية المتقدمة، ميثاق اللاتركيز الإداري، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في صيغتها الثالثة، برنامج التغطية الصحية راميد، برنامج "تيسير"، مشروع السجل الاجتماعي الموحد، التربية الدامجة، برنامج محو الأمية بالمساجد، التعليم الأولي، المشاريع الطرقية والسككية، مشاريع الطاقة المتجددة، مشروع ربط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار ..



* خصوصيات مادة الجغرافيا، لا تستدعي فقط الارتقاء بها لتكون منسجمة مع المتغيرات الوطنية، خاصة تلك التي سترتبط بالنموذج التنموي المرتقب، ولكن يقتضي أيضا، تنزيل "عدة بيداغوجية"، أو بنك معلومات رقمي (منصة رقمية)، يتيح لأساتذة المادة، أرقاما ومعطيات إحصائية محينة، وموارد رقمية (أشرطة، خرائط، صور، دروس )، بشكل يسمح بالمواكبة وتفادي التضارب في الأرقام والمعطيات بين الكتب المدرسية في ظل اختلاف الطبعات، وتجاوز بعض المستجدات الطارئة التي تفرض توحيد الرؤية بين الأساتذة (مثلا : قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في انتظار الانسحاب الرسمي من التكتل الأوربي، وهو مستجد يسائل درس "الاتحاد الأوربي: نحو اندماج شامل"، ويسائل ما يعتري دعاماته الديدكتيكية من أرقام ومعطيات إحصائية، في ظل غموض الوضع البريطاني الحالي، وحتى إذا ما تأكد لاحقا، الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد، سيكون المدرس(ة) والمتعلم(ة) على حد سواء، أمام درس بأرقام ومعطيات ودعامات "متجاوزة" بحكم الواق، إذا لم يتم تدارك الأمر في حينه.).
نختم بالقول، أن ما قيل عن دروس الجغرافيا، ما هو إلا مرآة عاكسة، للمادة بمكونيها الاثنين (التاريخ والجغرافيا)، والتي تعاني من ورم "التجاوز" على مستوى الوثائق والدلائل التربوية، وطرائق التدريس وأساليب التقويم وضعف ومحدودية الانفتاح على الجوانب الرقمية، وفي ظل ما شهدته الدولة وتشهده من دينامية إصلاحية متعددة الزوايا، لامناص اليوم من كسب رهان "الملاءمة" على مستوى المناهج والبرامج والطرائق والوسائل، من أجل مادة" جذابة" تساير زمن التغير وتنسجم وإيقاعات التحول والإصلاح، بعيدا كل البعد، عن واقع إنتاج "الفشل" و صناعة "الرتابة" المكرسة للملل والتمرد الناعم والعنف والانحراف ...مع الإشارة، إلى أنه، إذا كانت "دروس التاريخ" يطبعها نوع من الاستقرار والثبات في الزمن، فإن "دروس الجغرافيا" متحركة ومتغيرة، في ظل التفاعلات المستمرة بين الإنسان والمجال، وهذا يفرض إخضاعها للملاءمة المستدامة، وسنرى كممارسين، كيف سيتم التعامل مع المتغيرات والمستجدات التي شهدتها أو ستشهدها الساحة الوطنية، وعلى رأسها "النموذج التنموي المرتقب"، الذي نعول عليه، لتنمية المادة بمكونيها (التاريخ والجغرافيا) وتجويد مضامينها وطرائق تدريسها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.