يضطلع التاريخ والجغرافيا بوظائف متعددة المستويات ترتبط بخصوصيات ومرجعيات كل مادة ، يتم تصريفها وفق كفايات نوعية وقدرات تنزل على أرضية الكتب المدرسية من خلال أهداف التعلم ذات الصلة بكل وحدة دراسية (درس) ، وباستقراء برنامج التاريخ والجغرافيا بالثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي ، يمكن تسجيل عدة ملاحظات بشأن جملة من الوحدات الدراسية / الدروس ،منها ما يرتبط بطبيعة المعلومة المقدمة للمتعلم (ة) ومنها ما يلامس الجانب المنهجي ، من خلال عدم احترام عناصر النهج الخاص بالمادة سواء التاريخي أو الجغرافي ، ومنها ما يخص دروسا بأكملها أضحت متجاوزة بفعل المتغيرات سواء الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي تفرض إقصاء دروس وإدراج دروس أخرى بديلة ، وعليه سوف نركز -على سبيل المثال لا الحصر- على بعض الوحدات الدراسية التي يبقى بعضها في حاجة إلى الحذف وبعضها الآخر في حاجة إلى إعادة النظر تنقيحا وتصويبا ، حتى يتسنى تمكين المتعلم (ة) من وحدات دراسية فاعلة ومحفزة . -مثال1 : درس " القضية الفلسطينية : والصراع العربي الإسرائيلي " (الوحدة7): برنامج التاريخ بالسنة الثانية باكالوريا (مسلك الآداب والعلوم الإنسانية ، مسلك التعليم الأصيل ) تمت برمجة وحدتين دراسيتين (درسان) ترتبطان بالقضية الفلسطينية ، تتعلق الأولى (الوحدة 9) ب"القضية الفلسطينية : جدور القضية وأشكال التمركز الصهيوني" ( المجزوءة الأولى / المحور الثاني) ، أما الثانية (الوحدة 7) فتلقي الضوء على "القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي " (المجزوءة الثانية / المحور الثاني ) ، ورغم أهمية هاتين الوحدتين الدراسيتين في التعريف بالقضية الفلسطينية لا من حيث رصد جذورها التاريخية ولا من حيث إلقاء الضوء على مسارات الصراع العربي الإسرائيلي ومسلسل السلام الذي تمخض عنها ، فإن المستجدات الأخيرة التي عرفتها هذه القضية تسائل وبقوة الدرسين معا وخاصة الدرس الثاني ( القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ) الذي أضحت عملية تدريسه متجاوزة بالنظر إلى قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" القاضي بالاعتراف بمدينة القدس "عاصمة " لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها ، وما أعقب ذلك من قرارات من ضمنها قرار مجلس الأمن الدولي ضد القرار "الترامبي/الأمريكي" ( لقي دعم أربعة عشر عضوا من أعضاء المجلس الخمسة عشر مقابل معارضة الولايات المتحدةالأمريكية التي أشهرت سلاح حق النقض "الفيتو" ) ورغم التهديدات "الترامبية / الأمريكية" فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا مماثلا بالإجماع (21/12/2017) أكد أن أي قرارات أو إجراءات ترمي إلى تغير طابع مدينة القدس أو ووضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أي أثر قانوني وتعد لاغية وباطلة وينبغي إلغاؤها انسجاما مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة (القرار أيدته 128 دولة وعارضته 9 دول وامتنعت 35 دولة عن التصويت) ، وفي نفس السياق كشف"ترامب/أمريكا" عن أنيابه ، من خلال اتخاذ قرار يقضي بتقليص حجم المساعدات المالية الأمريكية الممنوحة لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بالشرق الأوسط (الأونروا) ، وهو قرار انتقامي من شأنه حرمان مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ومن ضمنهم أطفال من التعليم والغداء والصحة وغيرها . إذن واعتبارا لهذه المتغيرات التي شكلت نسفا لعملية السلام الراكد منذ سنوات وضربا لحقوق الشعب الفلسطيني المحتل ، واستهتارا بمشاعر ما يزيد عن المليار مسلم عبر العالم . و أبانت عن الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية حيال إسرائيل ، واعتبارا أيضا لمواقف مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي جاءت مغايرة ومنددة بالقرار "الترامبي" الأمريكي ، مما جعل "أمريكا" تفقد صفة الدولة "راعية السلام" ، لا مفر من التأكيد أن هذه المتغيرات شكلت تحولا مفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية ، لذلك فقد آن الأوان لإعادة النظر في الوحدتين الدراسيتين السابقتين ، وفق رؤية جديدة تستحضر المتغيرات الجديدة التي بعثرت كل الأوراق و جعلت هذه القضية مفتوحة على كل الاحتمالات ، في ظل واقع جديد انهارت فيه مقولات السلام ، قوامه فرض سياسة الأمر الواقع من قبل كيان إسرائيلي مدعوم علنا بسياسة أمريكية أصرت وتصر أن تقف إلى جانب إسرائيل ضد المنتظم الدولي ودون اعتبار للقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي . -مثال 2: درس الولايات المتحدةالأمريكية : قوة اقتصادية عظمى(الوحدة 8) : درس مبرمج على التوالي في إطار برنامج الجغرافيا للسنة الثانية باكالوريا (مسلك الآداب والعلوم الإنسانية ...) ( المجزوءة الثانية) وبرنامج السنة الأولى باكالوريا (مسلك العلوم الشرعية بالتعليم الأصيل، مسالك العلوم التجريبية،مسلك العلوم الرياضية ، مسلك العلوم الاقتصادية والتدبير ) (المجزوءة الثانية) كما أنه مبرمج في إطار برنامج الاجتماعيات (الجغرافيا) بالسنة الثالثة ثانوي إعدادي (المحورالثاني) تحت عنوان "الولايات المتحدةالأمريكية : قوة عالمية " . وأول ملاحظة تثير الانتباه هي الاختلاف المفاهيمي بين برنامج السنة "الثالثة" إعدادي وبرنامج السنتين "الأولى" و"الثانية" تأهيلي فيما يتعلق بالعنوان المقترح لهذا الدرس ، ففي البرنامج الأول تبرز الولايات المتحدةالأمريكية ك"قوة عالمية" وفي البرنامج الثاني ك" قوة اقتصادية عظمى" ، بمعنى بين السلك الإعدادي والسلك التأهيلي تتغير وضعية الولايات المتحدة الأمركية من القوة العالمية التي تقف على قدم المساواة مع قوى عالمية أخرى كالاتحاد الأوربي واليابان كقوى مهيمنة على المجال العالمي ، إلى "القوة الاقتصادية العظمى" التي تتربع وحدها على عرش الاقتصاد العالمي ، وهذا الاختلاف المفاهيمي من شأنه إرباك المتعلم (ة) الذي يجد نفسه أمام درس واحد مؤطر بمفهومين مختلفين (القوة العالمية والقوة العظمى) ، لذلك آن الأوان للحسم في العنوان الأنسب لهذا الدرس ، فهل يمكن تبني المفهوم المعتمد في السلك الإعدادي(القوة العالمية) أم لا مناص من احتضان المفهوم المعتمد بالتأهيلي (القوة الاقتصادية العظمى) ، وفضلا عن الإشكال الذي يثيره العنوان ، فإن هذا الدرس لا بد وأن يوضع تحت المجهر ، بالنظر إلى التغيرات التي طالت السياسة الأمريكية في عهد "دونالد ترامب" الذي اتخد عدة قرارات ضربت مكانة الولايات المتحدةالأمريكية في الصميم وعمقت عزلتها في العالم ، ويمكن أن نسوق بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر منها : -قراره القاضي ببناء جدار فاصل على الحدود الأمريكيةالمكسيكية تحت ذريعة إيقاف تدفقات المهاجرين السريين المكسيكيين على التراب الأمريكي ، دون الاكتراث بوضع المكسيك كدولة عضو في "اتفاق التبادل الحر الأمريكي الشمالي" الذي يضم كندا فضلا عن الولايات المتحدةالأمريكية. - إعطاؤه لأمر تنسحب بموجبه الولايات المتحدةالأمريكية من "اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي" . -قرار الانسحاب من ميثاق الأممالمتحدة العالمي للهجرة الذي أقرته المنظمة الدولية السنة الماضية (2016) تحت اسم "إعلان نيويورك" بهدف تحسين ظروف اللاجئين والمهاجرين وضمان حصولهم على التعلم والوظائف . -قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ التي تم التوقيع عليها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما . -قرار الانسحاب من المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) . -تحدي القرار الترامبي / الأمريكي من طرف المنتظم الدولي على خلفية قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، سواء من طرف مجلس الأمن أو من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة ، رغم التهديدات الأمريكية التي سبقت عملية التصويت . وهذه القرارات وغيرها ، عمقت من عزلة الولايات المتحدةالأمريكية في العالم ، وأزاحتها من موقع "الدولة العظمى" المؤثرة إيجابا في العلاقات الدولية ، إلى دولة فاقدة للبوصلة لا تجد حرجا في تبني لغة التهديد والوعيد لإخضاع الأصوات وتركيع المواقف المضادة ، بشكل يخدم شعار "أمريكا أولا" ، وبالتالي وفي ظل الزحف الكبير للعملاق الصيني على الاقتصاد العالمي ، والحضور الفاعل لليابان والتأثير القوي للاتحاد الأوربي والنجاحات المتواصلة للقوى الصناعية الصاعدة (كوريا الجنوبية ، هونغ كونغ ، تايوان ..) والطموح المشروع لبعض القوى المنتمية لدول الجنوب (الهند ، البرازيل ) ، وفي ظل كذلك الدور البارز والحضور القوي لروسيا في الشرق الأوسط وتحديدا بالمسرح السوري ، إلى جانب تنامي الدور التركي والإيراني ، مع استحضار الطموح النووي الكوري الشمالي ، يمكن التساؤل عن الوضعية الحقيقية للولايات المتحدةالأمريكية ، واستحضارا للمتغيرات التي تمت الإشارة إلى بعضها سلفا ، يمكن القول أن الولايات المتحدةالأمريكية فقدت بريقها وإشعاعها كقوة عظمى ، ولم تعد تحضى بالثقة والاحترام خصوصا من جانب العالم العربي والإسلامي ، لذلك فالمفهوم الذي يبدو أقرب إلى الواقع هو "الولايات المتحدةالأمريكية : قوة عالمية " وهو المفهوم المعتمد في السنة الثالثة إعدادي ، أما شمس "العظمة" فلا شك أنها أضحت آيلة للغروب ، وعموما فقد أصبحت الحاجة ماسة لإعادة النظر في هذا الدرس -أولا- من خلال تجاوز بعض الاختلالات المنهجية التي طالته في بعض الكتب المدرسية خاصة تلك التي لا تحترم نهج المادة (الوصف، التفسير، التعميم) ( كتاب مورد التاريخ والجغرافيا نموذجا ...) ، و-ثانيا- تنزيل العنوان الذي يتناسب وحجم الولايات المتحدةالأمريكية الجانحة نحو العزلة ، التي ستترتب عنها ولا شك في ذلك ، تداعيات مختلفة المستويات على الاقتصاد الأمريكي . -مثال 3: درس "الاتحاد الأوربي : نحو اندماج شامل " (الوحدة 5 ): الدرس مبرمج في إطار برنامج مادة الجغرافيا بالسنة الثانية باكالوريا (مسلك الآداب والعلوم الإنسانية ... ) المجزوءة الأولى ، ونفس الوحدة الدراسية مبرمجة في إطار برنامج التاريخ والجغرافيا للسنة الأولى باكالوريا مسلك العلوم الرياضية ، التجريبية ...) المجزوءة الثانية (الوحدة 2) ، كما أن نفس الدرس مبرمج في السنة الثالثة من السلك الثانوي الإعدادي بعنوان مختلف : " الاتحاد الأوربي : إمكانياته ومكانته الاقتصادية في العالم "(الدرس الرابع) المحور الأول (التكتلات الاقتصادية في زمن العولمة) ، وهذا الاختلاف الذي طال العنوان يسمح بطرح التساؤلات التالية : -ماهي المرجعيات التي تحكمت في اختيار عنوان " الاتحاد الأوربي : إمكانياته ومكانته الاقتصادية في العالم " في السنة الثالثة إعدادي ؟. -لماذا تم تجاوز العنوان الأول ، وتم تبني عنوان " الاتحاد الأوربي : نحو اندماج شامل " في السلك التأهيلي ؟. -لماذا لم يتم اعتماد العنوان الأول في السلك التأهيلي ؟. -لماذا لم يتم اعتماد مفهوم "الاندماج الشامل" في المرحلة الإعدادية ؟. -هل هذا الاختلاف أملته الرغبة في تمييز الدرس خاصة وأنه مبرمج في المرحلة التأهيلية ؟ عموما يمكن القول أن هذا الاختلاف ، ليس له أي مبرر لا معرفي ولا منهجي ، ومن شأن ذلك أن يشتت فكر المتعلم (ة) الذي يجد نفسه أمام درس واحد بعنوانين مختلفين ، لذلك من الضروري الحسم في عنوان هذا الدرس ، علما أن "الاندماج الشامل" أضحى موضوع نقاش ، بالنظر إلى قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ، وهي ضربة لمفهوم "الاندماج الشامل" في الصميم . -مثال 4: درس : "رهانات التكثلات الإقليمية : التكثل الإقليمي كخيار استراتيجي : نموذجا اتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي" . هذا الدرس مبرمج في إطار برنامج الجغرافيا بالسنة الأولى آداب وعلوم إنسانية ( المجزوءة الثانية :العالم العربي : التحولات والرهانات ) المحور الثاني ( رهانات التكامل الإقليمي) ، وباستقراء برنامج السلك الإعدادي وتحديدا السنة الثالثة إعدادي ، نجد درسا يلقي الضوء على اتحاد المغرب العربي تحت عنوان " المغرب العربي : عناصر الوحدة والتنوع " (الدرس الأول) المحور الأول (التكثلات الجهوية في زمن العولمة ) ، وهذين الدرسين أصبحا في حاجة ماسة لإعادة النظر والتغيير لعدة اعتبارات : -اتحاد المغرب العربي ليس له أي إشعاع إقليمي أو دولي . -توقف سكة الاتحاد منذ سنوات بسبب إغلاق الحدود المغربية الجزائرية وطبيعة السياسات الجزائرية في المنطقة المعادية في مجملها لوحدة المغرب وسيادته ومصالحه . -تداعيات ما سمي ب"الربيع العربي" على منطقة شمال إفريقيا عموما والمغرب العربي خصوصا (تونس ، ليبيا ). -انغلاق السياسة الجزائرية وركود الاقتصاد الجزائري أمام تراجع اسعار النفط في السوق العالمية. -محدودية موريتانيا اقتصاديا وسياسيا وتنمويا. في ظل هذه الأوضاع ، واقتناعا منه من عدم جدوى الاتحاد المغاربي ، راهن المغرب على عمقه الإفريقي من خلال العودة مجددا إلى الاتحاد الإفريقي بعد سنوات من تبني سياسة المقعد الشاغر، والحضور القوي للعاهل المغربي في إفريقيا الذي عزز العلاقات المغربية بعدد من البلدان الإفريقية بترسانة من الاتفاقيات التجارية ، في طليعتها اتفاق نقل الغاز من نجيريا إلى المغرب عبر عدد من البلدان الإفريقية الغربية ، وإرادة المغرب في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ( CEDEAO ) ، فضلا عن نقل التجارب والخبرات المغربية إلى إفريقيا في إطار مبدأ "رابح رابح" ، وهذا الحضور المتعدد المستويات للمغرب في إفريقيا ، شكل الضربة القاضية لاتحاد المغرب العربي الذي لم يحقق ما رسم إليه من أهداف منذ تأسيسه ، لذلك ، أصبح من الضروري تغيير هذين الدرسين ، واقتراح درس أو درسين بديلين ينسجمان مع خصوصيات المرحلة الراهنة ذات الصلة بحضور المغرب في إفريقيا (الاتحاد الإفريقي، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ...). -درس التهيئة الحضرية والريفية : أزمة المدينة والريف وأشكال التدخل(الوحدة 4) الدرس مبرمج في إطار برنامج الجغرافيا للسنة الأولى باكالوريا علوم (المجزوءة الأولى / المحور الثاني) ، وقد تم تنزيل هذا الدرس في برنامج السنة الأولى باكالوريا آداب وعلوم إنسانية عبر درسين ، الأول منهما تحت عنوان "التهيئة الحضرية : أزمة المدينة وأشكال التدخل" (الوحدة 6 ) والثاني تحت عنوان "التهيئة الريفية : أزمة الريف وأشكال التدخل" (الوحدة7) ، وإذا كانت أهمية هذه الدروس تكمن في وضع المتعلم (ة) في صلب الأزمات التي تعرفها المدن والأرياف المغربية والتدابير المبذولة من طرف الدولة لمواجهتها سواء تعلق الأمر بالمستوى القطاعي (اجتماعيا، اقتصاديا،تجهيزيا، عمرانيا) أو على صعيد التهيئة الحضرية أو التهيئة الريفية أو فيما يتعلق بالتدخلات المعتمدة في إطار سياسة إعداد التراب الوطني ، فإنه وبناء على واقع الممارسة ، يلاحظ أن هذه الدروس تبقى غارقة في أوحال الجانب النظري ، شأنها في ذلك شأن درس "الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني " (السنة الأولى باكالوريا علوم /آداب وعلوم إنسانية ...) ، مما يجعل المتعلم (ة) محاصرا بين كتب مدرسية غارقة في النظري وواقع متباين تماما كله أزمات وأعطاب ومشكلات متعددة المستويات ، وفي هذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فقد تبنت الدولة جملة من البرامج من أجل تجاوز أزمات الأرياف منها ما هو استعجالي ( "برنامج التنمية المندمجة للمجال الريفي(1994)" ، "برنامج التنمية البشرية المستديمة ومكافحة الفقر" ، "برنامج تزويد العالم القروي بالماء الشروب (1995)" و "برنامج الكهربة في العالم القروي" ...) ، ومنها ما يرتبط بالتهيئة الريفية ( " مشروع التنمية الاقتصادية القروية للريف الغربي (1964) " ، "مشروع حوض سبو (1968) " و "استراتيجية 2020 للتنمبة القروية بالمغرب (1999) ، مشروع إنعاش وتنمية أقاليم الشمال اقتصاديا واجتماعيا(1994) ... إلخ ، ومنها ما يلامس مجالات تدخلات سياسة إعداد التراب في المجال الريفي ومن بينها " تدارك تأخر الأرياف في المجال الاجتماعي، التجهيزات ، المرافق العمومية ..." ، وهذه البرامج وغيرها، تسمح بإبداء الملاحظات التالية : - أن كل البرامج التي استهدفت التنمية الحضرية والريفية ترجع إلى القرن الماضي ومعظمها اعتمد خلال فترة التسعينيات ، وبعضها يعود إلى فترة الستينيات (مشروع حوض سبو نموذجا) . -أن بعض البرامج انتهى الإطار الزمني المخصص لها ،كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج " مدن بلا صفيح "(2010-2004) أو على وشك انتهاء الفترة المرسومة لها (استراتيجية 2020 للتنمية القروية). -أن البرامج المذكورة وغيرها تم اعتمادها خلال القرن الماضي ، وقد تحكمت في بلورتها وتنزيلها عدة ظروف وأهداف وهواجس مرتبطة بالأساس بخصوصيات وطبيعة المرحلة . -أن المتعلم (ة) يجد نفسه من جهة أمام مجموعة من البرامج التنموية يكون مجبرا على ضبطها ، ومن جهة ثانية أمام واقع حضري وريفي يعيش على وقع العديد من المشكلات والأزمات . -أن ما حدث مؤخرا في إقليم جرادة وقبله ما حدث في إقليمالصويرة ، يعكس بوضوح عمق الأزمة التي تعاني منها الكثير من الأرياف والمدن المغربية ، وهذا يسائل البرامج التنموية الموجهة نحو المجال الريفي والتي لم تنجح في مواجهة واقع الفقر القاتل والعزلة المميتة . -أن البرامج المذكورة يكتنفها الغموض والإبهام ، لا من حيث الأغلفة المالية المخصصة لها ، ولا من حيث سيرورتها واستمراريتها حسب الحكومات المتعاقبة ، ولا من حيث تقديم حصيلتها على مستوى الأهداف المسطرة لها (النجاحات الإخفاقات ) ، وبالتالي فالمعرفة الملقنة للمتعلم (ة) لا تخرج عن نطاق التعرف على أسماء البرامج التنموية وأهدافها المرسومة ، دون أن تمنح له فرصة التشريح والنقد . إذن وبناءا على ما سلف ، آن الأوان لإعادة النظر في كل البرامج التنموية السابقة التي أبان الواقع عن قصورها ومحدوديتها ، وفتح نقاش وطني حول "نموذج مغربي جديد للتنمية " يستحضر كل التحولات التي شهدها ويشهدها المغرب خاصة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين في المجالات الاقتصادية والقانونية والسياسية والمؤسساتية ... إلخ ، واستحضار أيضا انفتاح المغرب على عمقه الإفريقي خاصة في الشق الاقتصادي ، ووضع برامج تنموية بديلة قادرة على احتواء مظاهر الفقر والهشاشة وتحقيق التنمية الشاملة ، لذلك فقد أضحت الحاجة ملحة لنفض الغبار عن درسي " الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني " و " التهيئة الحضرية والريفية: أزمة المدينة والريف وأشكال المعالجة" ،وفق رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار : تقادم البرامج التنموية التي تلقن للمتعلم (ة) وانتهاء صلاحيات بعضها، اعتماد الجهوية المتقدمة ، اعتماد نموذج جديد للتنمية بالصحراء ، مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب ، استقطاب المغرب لعدد من الاستثمارات الدولية خاصة في مجال صناعة السيارات والطيران ، برنامج المغرب الأخضر ،مشروع نور بورززات ...إلخ ، لإضفاء المزيد من الدينامية والواقعية على هذين الدرسين ، حتى تقدم للمتعلم (ة) معلومة جديدة تجمع بين النظرية والتطبيق . عموما وتأسيسا على ما سبق ،فالأمثلة المشار إليها سلفا لم ترد إلا على سبيل المثال لا الحصر ، وهي تسائل برنامج التاريخ والجغرافيا ككل بالتعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي ، من خلال مجموعة من الوحدات الدراسية التي عمرت طويلا شكلا ومضمونا ، وأصبح الكثير منها متجاوزا بالنظر إلى المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية ، وما قيل عن الوحدات الدراسية التي أصابتها الشيخوخة ، ينطبق أيضا على طريقة صياغة الامتحان الوطني لنيل شهادة الباكالوريا والامتحان الجهوي للسنة الأولى باكالوريا ، والتي تنزل بناء على أطر مرجعية تقليدية ونمطية ، تقتل في المتعلم (ة) البعد النقدي والمنهجي سواء على مستوى "الاشتغال على الوثائق" التي تربط المتعلم (ة) بشكل آلي بالوثائق ، حيث لا يتطلب منه سوى قراءة الوثيقة المعنية واستخراج الجواب المطلوب دون عناء ، أو من حيث "الموضوع المقالي" الذي يقدم "التصميم" بشكل "جاهز " لمتعلم (ة) ما عليه إلا أن يكون متسلحا بالقدر الكافي من المعرفة ، وهذا التوجه المنهجي العقيم ينتج متعلم (ة) فقير على المستوى النقدي والمنهجي ، أما بالنسبة للمدرس(ة) ، فالأطر المرجعية تجعل منه مدرسا "نمطيا" و"مكبلا" ليس أمامه أي هامش للخلق والإبداع والاجتهاد . وعليه ، لا يمكن تجويد منظومة التربية والتكوين ، إلا بنفض غبار العقم الذي تعاني منه مجموعة من المواد ، ومن ضمنها مادتي التاريخ والجغرافيا ، وهاتين المادتين لا يمكن الارتقاء بهما ، إلا وفق رؤية متبصرة وجريئة قادرة على الاجتهاد معرفيا وديدكتيكيا وبيداغوجيا ، وإزالة هالة "القدسية" التي تحيط خاصة بالشق الديدكتيكي الذي لا بد من إخضاعه إلى منطق "النقد"البناء ، بهدف تطويره وتجديده بما ينسجم وطبيعة الواقع المدرسي وخصوصيات المتعلم(ة) المغربي ، مع التفكير في التقليص من كم البرامج ، تفاديا للرتابة التي أضحت سمة لصيقة بالمادتين ، دون إغفال الانفتاح على تكنولوجيا الإعلام والاتصال ،وجعلها منسجمة ومتناغمة مع المرجعية الديدكتيكية التي لا زالت علاقتها محتشمة بهذه التكنولوجيا ولا تتجاوز حدود تقديم مورد رقمي (نص ، خريطة ، مقطع فيديو ...) ، في الوقت الذي تقتضي فيه خصوصيات المادتين ، تبني البعد التكنولوجي بشكل كلي ، يسمح بإعداد وتقديم دروس عبر "الدتاشاو" ، والانفلات من مخالب السبورة السوداء التي لا زالت مصرة على التواجد منذ سنوات خلت ، وقبل هذا وذاك لابد من الإيمان بفلسفة التغيير ، وهذا لن يتأتى إلا بعقليات متفتحة لها من الجرأة ما يجعلها قادرة على إحداث "ثورة ناعمة" من شأنها أن تغير من ملامح "مادة / شعبة " أصبحت في الوسط المدرسي مقرونة ب"الرتابة" و"الروتين" . *أستاذ التاريخ و الجغرافيا بالثانوي التأهيلي ، باحث في القانون الخاص ، ضابط شرطة قضائية سابقا. [email protected]