قال تقرير حديث لصحيفة “فيلت” الألمانية إنه عندما يبلغ الرجال 50 سنة، غالبا ما يصابون باضطراب نفسي ويعانون خمولا، كما تطغى الأفكار السلبية على مجمل حياتهم، وقد يتطور ذلك عند بعض الرجال، لتظهر عليهم أعراض الاكتئاب، مبينا أن غالبية الدراسات العلمية الحديثة أكدت أن هذا الأمر لا يعد ظاهرة عالمية وإنما هو أمر شخصي يحدث لبعض الرجال دون البعض الآخر. وكشفت دراسة أجرتها جامعة زيورخ أن 92 بالمئة من السويسريين يعتقدون أن هناك ما يسمى بأزمة منتصف العمر، بينما أكد 71 بالمئة أنهم بالفعل مروا بأزمة منتصف العمر. وأشار التقرير إلى أن المحلل النفسي الكندي إليوت جاك رأى أن أغلب معارفه الذين كانوا مبدعين في مرحلة الثلاثين والأربعين أصيبوا بالإحباط بعد الخمسين، وذلك لشعورهم بأن نصف عمرهم قد مضى، وأنهم اقتربوا من الموت. وفي الأثناء يدخلون مرحلة التأمل في ما قدموه في حياتهم، وما وصلوا إليه. وفي تلك اللحظة يشعرون بأنهم مثقلون بالهموم، لتظهر الأزمة الحقيقية. وفي سنة 1965، نشر جاك دراسته عن تلك الأعراض، وأطلق عليها مصطلح “أزمة منتصف العمر”، ليصبح هذا المصطلح متداولاً حتى وقتنا الحالي. وبعد دراسة جاك بعشر سنوات، أكد العالم النفسي الأميركي دانيال جاي ليفينسون أن سن البلوغ ينقسم إلى مراحل عمرية مختلفة، وغالبا ما تكون المرحلة الانتقالية الحقيقية بين سن 40 و45، وفي هذه المرحلة يشرع أغلب الأشخاص في التفكير في ماضيهم، ويعد ذلك تحدياً حقيقياً. وأوضح ليفينسون أن التأمل في الماضي سيكون مؤلماً، فبعض الأشخاص سيرون أنهم لم يحققوا أهدافهم في الحياة، إلا أن الخبراء يرون أن نظريتَيْ جاك وليفينسون ليستا واقعيتين، فكلتاهما كانت مبنية على مقابلات مع بعض المعارف، ولم ترتكز على حقائق علمية. ونبه التقرير إلى أنه في مقابل ذلك، أجرى فريق بحثي برئاسة الأستاذة الأكاديمية في علم النفس نانسي غالامبوس، من جامعة ألبرتا، دراسة مطولة على قرابة 800 مواطن كندي، وتابعهم في مراحل عمرية مختلفة بداية من سن ال18، وقد بدأت متابعة هؤلاء الأشخاص منذ سنة 1985. وفي الورقة البحثية ذكر الفريق العلمي أن المشاركين في الدراسة كانوا سعداء عندما اقتربوا من سن الخمسين، وبهذا لا يوجد علميا ما يسمى أزمة منتصف العمر. كما أكدت دراسة غالامبوس أن أغلب الرجال الذين خضعوا للدراسة لم يكونوا قلقين إزاء مستقبلهم الوظيفي، ولا بشأن عائلاتهم، كما أنهم لم يكونوا خائفين من الموت أو من تقدم العمر، مع العلم أن الشعور باللامبالاة لم يتملك إلا عددا محدودا منهم. نقص هرمون التستوستيرون ليس مسؤولا عن رغبة الرجل في بدء حياته من جديد والعثور على شريكة أخرى وأكد التقرير أنه من الناحية البيولوجية لا توجد أزمة منتصف العمر، نظرا إلى أن التغيرات البيولوجية التي تحدث للإنسان مع تقدمه في العمر يمكنه التغلب عليها، خاصة المرأة، مشيرا إلى أنه في سنة 2015 أجرت أستاذة العلاج النفسي ومعالجة الأمراض النفسية الجسدية في درسدن، كريستين فايدنر، استطلاع رأي طال 1400 امرأة، ممن بدا عليهن بلوغ سن اليأس، وقد سُئِلن عن مشاكلهن النفسية والجسدية، على غرار الاكتئاب والخوف والإحباط. وأفادت نتائج الاستطلاع بأن أغلب الإجابات كانت متشابهة، على الرغم من أن النساء كن في مراحل عمرية مختلفة، فضلا عن أن بعضهن لم يكن قد بلغن سن اليأس بعد، إذ تبين أن أغلب المشاكل ليست لها علاقة بسن اليأس. وأوضح المختصون أن مستوى هرمون التستوستيرون ينخفض عند الرجال مع الدخول في مرحلة منتصف العمر، ولكنه لا يتسبب في أزمات نفسية، حيث تنخفض نسبة الهرمون بشكل ضئيل وببطء شديد. ومن جانبه أفاد عالم الغدد الصماء كريستوف بامبرغر بأنه لا يوجد أي دليل هرموني عند الرجل يؤكد أنه يمر بأزمة منتصف العمر، مبينا أنه بين 10 و15 بالمئة من الرجال يتعرضون لنقص حاد في هرمون التستوستيرون في منتصف العمر، وينتج عن ذلك عزوف جزئي عن ممارسة الجنس، وتعب عام في الجسم، ويمكن تدارك هذا النقص بالأدوية. وأضاف موضحا “بالطبع، نقص هرمون التستوستيرون ليس مسؤولا عن رغبة الرجل في بدء حياته من جديد والعثور على شريكة حياة أخرى”، مشيرا إلى أن الكثير من مرضاه كانوا في منتصف العمر ولم يعانوا من أزمة، ولم يشعروا بأن حياتهم انتهت، حتى فيما يتعلق بالأمور الجنسية. ووفقا لأستاذة علم النفس التنموي في جامعة زيورخ ألكساندرا فرويند لا يمكن إنكار وجود أزمة منتصف العمر، ويرجع ذلك إلى أن كل شخص يصادف في محيطه أناسا يعانون من أزمة في منتصف عمرهم، حيث تتمحور مشاكلهم حول التفكير الدائم في تقدمهم في العمر، أو الحصول على سيارة رياضية، أو الاقتران بشريك حياة صغير السن، ولكن ذلك يظل مقتصرا على حالات فردية. ونبه المختصون إلى أن التفكير الدائم في الأزمات يتسبب في حدوثها بالفعل. لذلك قد يكون منتصف العمر وقتا مناسبا للتفكير في الماضي وما حققناه. وغالبا ما يجتاز العديد منا تلك المرحلة بنجاح دون مواجهة أزمة. ومن جهة أخرى أكد ألان باسي أستاذ علم الذكورة في جامعة شيفيلد البريطانية أن الرجال الذين يخشون المرور بمرحلة سن اليأس يمكن أن يتعرضوا لمشاكل في حياتهم العاطفية. ويبدو أن الرجال في منتصف العمر، الذين يعتقدون أن انخفاض هرمون التستوستيرون سيؤثر على رغبتهم الجنسية، يمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا أقل اهتماما بالجنس. وأشار إلى أنه يمكن أن يعاني هؤلاء الرجال من الضعف الجنسي، كاستجابة نفسية بشأن سن اليأس لديهم، موضحا أن علامات سن اليأس تخلق توقعات لدى الذكور بأن كل رجل سيمر بمرحلة سن اليأس. وترتبط بعض الأعراض بالهرمونات، ولكن بعضها الآخر يرتبط بالجانب النفسي. وأضاف خبير الخصوبة “هناك سؤال شائع أتعرض له ويتعلق بسن اليأس لدى الرجال، واسمحوا لي أن أكون واضحا تماما، إن مرحلة سن اليأس غير موجودة”، مستخدما شارلي شابلن، الذي أنجب ابنه الأصغر في سن 73 عاما، دليلا على أن سن اليأس لدى الذكور عبارة عن أسطورة، مشيرا إلى أن الرجال “يتشبثون بالاعتقاد في ذلك لأنهم يتقدمون في السن”.