سوف تعرف تطوان يوم الجمعة 22 دجنبر الجاري افتتاح مسجد جديد المتواجد بحي المصلى الذي تم بناؤه مؤخرا في فضاء المصلى العيدين. وستكون أول خطبة به ان شاء الله الجمعة القادم . وقد خلف بناء هذا المسجد ارتياحا كبيرا لذا الساكنة المجاورة الت كانت من قبل تعاني من توافد ليلا عدة المدمين على الخمر والمخدرات واحداثهم لضجيج يزعج راحتهم. وللاشارة تعرف المدينة مؤخرا بناء هذه مساجد سيتم اعطاء انطلاق الصلاة بعد اتمام من لمسات الاخيرة. وقد كانت عناية ملوك العلوين واهتمامهم بمساجد تطوان منذ عهد قديمة . وقد ذكر الاستاذ الراحل اسماعيل الخطيب هذا الموضوع في مجلة دعوة الحق عدد 308 شوال 1415/ مارس 1995هذا نصه مرت مدينة تطوان بمرحلتين: الأولى: خلال عهد الأدارسة (أوائل القرن الثالث الهجري) والموحدين، والمرينيين، والوطاسيين، حيث عرفت عدة تقلبات، فبنيت وهدمت، وكان للأيادي الأجنبية دور في تخريبها حين أغار أسطول قشتالة سنة ثلاث وثمانمائة (الموافق 1400) فخربها وبقيت خربة نحو تسعين سنة. وقد تسبب هذا الاعتداء في ضياع جل المعالم التاريخية، ومنها المساجد التي بنيت خلال القرن الثالث وبعده، بل إننا اليوم لا نعرف إلا القليل عن أسماء تلك المساجد ومواقعها. الثانية: وهي التي تمتد من أواخر القرن التاسع الهجري (سنة 888) أي في عهد السلطان محمد الشيخ الوطاسي حيث جدد بناءها المهاجرون من مسلمي الأندلس - إلى اليوم. وتاريخ هذه المرحلة مدون محفوظ، وقد اعتنى كل من عبد السلام بن أحمد السكيرج (توفي 1250) وأحمد بن محمد الرهوني ( توفي 1373 – 1953) ومحمد داود (توفي 1404) – بكتابة تاريخ تطوان، والحديث عن معالمها ومآثرها، وفي مقدمتها المساجد، كما تحدثوا عن رجالها ومدارسها، والحركة العلمية بها، مما يعطي القارئ صورة واضحة لما كانت عليه تطوان العتيقة المحاطة بالأسوار من حياة جهادية وعلمية وصناعية. وقد عرفت مدينة تطوان في القديم والحديث بكثرة المساجد، فلا يخلو حي أو شارع، من مسجد للصلوات الخمس أو جامع، بل إنها تقترب من بعضها بشكل ملحوظ، ورغم أن تطوان القديمة من المدن المتوسطة فقد اشتملت على ما يزيد عن خمسين مسجدا، وكان للمساجد الكبرى – التي سنذكرها في هذه العجالة – دور ملحوظ في الحركة العلمية، التي عرفت ازدهارا ابتداء من القرن الهجري الحادي عشر: 1 – جامع القصبة: وهو العتيق، فقد بناه القائد أبو الحسن علي المنظري – رئيس الأندلسيين الذين بنوا تطوان الحديثة – وقد بناه في القصبة التي أقامها داخل المدينة وجعلها مقرا له ومركزا للحكم، "ولا يعلم جامع بني قبله في هذا البناء الأخير، الواقع عام 888، أما قبله، فقد انهدم الجميع ولم يبق مسجد ولا جامع، وهو جامع صغير ...". 2 – جامع السويقة: ويعرف بجامع (للافريجة) بناه الشيخ عبد القادر التبين سنة 542 – فهو من مساجد المرحلة الأولى – وقد هدم فيما هدم من معالم المدينة وبني المسجد الحالي بموضعه، وقد جدد أخيرا وغيرت معالمه القديمة. 3 – جامع العيون: ويسمى أيضا – مختلف المراجع – جامع الجعيدي نسبة إلى بانيه الشيخ علي بن مسعود الجعيدي الذي أتم بناءه سنة 1030 وهو كما يقول داود (من أعظم مساجد تطوان) وقد زيد فيه من جهة يمين القبلة، ثم أضيف الصحن، وقبل عشرة أعوام أعيد بناؤه وزيد فيه. 4 – جامع الباشا: يقع بداخل المشور، بناه الباشا أحمد بن علي الريفي في حدود عام 1150، وهو المسجد الذي كان حكام البلد يؤدون فيه صلاة الجمعة في احتفال رسمي ويمتاز ببنائه الخاص المختلف عن بناء باقي مساجد تطوان حيث سقف بقباب صغيرة، كما أن مئذنته مثمنة الأضلاع، وقد جدد أخيرا مع المحافظة على شكله. 5 – جامع لوقش: من بناء القائد محمد بن الفقيه الحاج عمر لوقش أيام ولايته بين عام 1164 و1171، وهو مسجد كبير له ثلاثة أبواب: اثنان منها في زنقة المقدم، وواحد متصل بالمدرسة من جهة الغرسة الكبيرة، ويعتبر من أهم مساجد تطوان وأكثرها عمارة. 6 – الجامع الكبير: أوالجامع الأعظم – بناه السلطان المولى سليمان، وفرغ من بنائه عام 1223 – كما هو مكتوب على بابه – وقد بني في الموضع الذي كان فيه المسجد الأعظم القديم، وكانت بجواره مدرسة لسكنى الطلبة ومرافق أخرى، أدخلت كلها في الجامع الذي يشتمل على صحن واسع تقام فيه صلاة المغرب والعشاء خلال موسم الصيف. ونقل الأستاذ محمد داود أن السلطان المولى سليمان لما قرر أن يقوم بأعمال مهمة تبقى خالدة في بلاد المغرب على مر السنين كان في مقدمة تلك الأعمال بناء مساجد كبرى في أهم مدن المغرب، ومنها تطوان، وكان المسجد الأعظم هو الذي تقرر هدم بنائه القديم وتوسعته وبناؤه من جديد. 7 – جامع السوق الفوقي: بناه الغرناطيون الذين هاجروا إلى تطوان وسكنوا سفح الجبل من باب المقابر إلى باب النوادر، وقد جدده السلطان المولى عبد الرحمان: ولما وصل لتطوان عام 1241 صلى فيه إماما وقرأ الحزب مع الحزابة فيه، وكان جلوسه في محرابه مستقبلا للقبلة ودائرة الحزابة وراءه". تلك هي المساجد الكبرى التي ما زالت قائمة في تطوان العتيقة، وهناك مساجد أخرى نذكر منها: جامع المصمدي، جامع الرابطة، جامع الجديدة، جامع غرسية، جامع السويقة، وغيرها. عناية ملوك الدولة العلوية بمساجد تطوان: سبقت الإشارة إلى أن المولى سليمان بنى الجامع الكبير، وأن المولى عبد الرحمان جدد جامع السوق الفوقي، وأن الدارس لتاريخ مساجد تطوان يلمس أن عناية ملوك الدولة العلوية لم يقتصر عل جانب البناء فقط بل شملت الجوانب الأخرى، خاصة الجانب العلمي. فهذا السلطان سيدي محمد بن عبد الله يأمر في سنة 1175 " بتحبيس الكتب الإسماعيلية (أي كتب السلطان المولى إسماعيل) التي كانت بدويرة الكتب بمكناسة وعددها اثنا عشر ألف مجلد وزيادة، حبسها على مساجد المغرب كله". وقد كان لجامع الأعظم التطواني حظ من الكتب التي حبسها السلطان المذكور، وقد وقف الأستاذ داود على عدد منها وعليها رسم التحبيس، منها كتاب "الجامع الصغير" وكتاب "البيان" لابن رشد. ولإنعاش الحركة العلمية بعث السلطان المولى سليمان – بطلب من أهل تطوان – أحد علماء فاس ليعمر الجامع الكبير بالدروس العلمية، هو الشيخ محمد الحراق، " وكان في تلك الفترة فقيها عالما لا ينتسب لا للتصوف ولا للمشيخة" ، كما عينه خطيبا وإماما بجامع العيون. وقد جاء في رسالة السلطان المذكور لقاضي تطوان: "وها نحن ولينا مكانه السيد محمد الحراق الشريف، لأنه طالب علم وله مروءة يؤم فيه ويخطب ويدرس من العلم ما يعرفه مما أرجو له النفع به". وقد ظلت عناية السلطان المولى سليمان مستمرة بالجامع الكبير، الذي أصبح له ناظر خاص به، وقد بعث رسالة مؤرخة بسادس ربيع الأول 1235 لقائد تطوان، يقول فيها: "نأمر خديمنا القائد عبد الرحمن عشعاش أن يؤخر محمد بن عبد السلام الحصار عن نظارة المسجد الأعظم، وأن يخلي سبيله لعجزه عن القيام بذلك، واختر رجلا حازما ضابطا ذا يسارة وديانة وقوة وأمانة، ووله النظر مكانه ولابد، والسلام". وإذا كانت العادة أن ناظر الأحباس هو المكلف بترشيح إمام التراويح خلال شهر رمضان، فإن المولى سليمان – بصفة استثنائية – عين إماما للتراويح بالجامع الكبير، وأصدر بذلك ظهيرا نصه: الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم. سليمان بن محمد بن عبد الله غفر الله له وتولاه. يعلم من كتابنا هذا أعلى الله أمره، وأشرق في سماء السعادة شمسه المنيرة وبدره، أنا أمرنا الفقيه الأستاذ السيد الطاهر الحساني ووليناه صلاة التراويح بالجامع الكبير من مدينة تطوان حرسها الله، وذلك بعد السحور إلى أن يصلي الفجر في كل رمضان، وأمرنا كذلك ناظر الأحباس المذكور أن يكون يدفع له ثلاثين ريالا عن كل شهر رمضان. بهذا صدر أمرنا الشريف وكل من وقف عليه من النظار والعمال يعمل بمقتضاه، والسلام" في 17 جب الفرد عام 1229. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن مساجد تطوان عرفت نكسة كبرى عند الاحتلال الاسباني لتطوان في حرب الستين (1276 ه/1860 م) حيث هدمت عدة مساجد وغيرت معالم بعضها، فمسجد السوق الفوقي حول إلى مستشفى وفرض على أهل تطوان تزويده بالأفرشة وغيرها، وجامع القصبة حول إلى مخزن للحبوب، وجامع الباشا بالمشور حول نصفه الأمامي إلى مطبعة ( وهي أول مطبعة أدخلت إلى تطوان)، والنصف الآخر إلى مخزن للحبوب، أما جامع الحدادين (الزاوية الفاسية) فقد حول إلى حانة لبيع الخمور. وبعد جلاء الاسبان عنها، عمل أهل تطوان على بناء وترميم مختلف المساجد والأملاك المحبسة عليها، غير أن أوقاف تطوان عجزت عن ذلك، فأذن السلطان محمد بن عبد الرحمان بتجديد بنائها من بيت المال برسالة لقائد تطوان، نصها: "وبعد، فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه أن ثلاثة مساجد عندكم تهدمت هي وأحباسها، وتعطلت معالم الدين بها وطلبت اغتنام أجر بنائها لكونها جاءت في محل العمارة، فها نحن أمرنا الأمناء ببنائها، والسلام. في 11 من ربيع الأول 1280". وقد قام قائد تطوان وأمناؤها بتنفيذ هذا الأمر واستمرت عملية البناء والترميم من عام 1280 إلى عام 1287. وقد تولى الأمين محمد بن عبد الكريم اللبادي الإشراف على عملية الإصلاح، وهكذا شملت عملية الترميم والبناء المساجد الآتية أسماؤها: الأعظم، الرابطة، غيلان، الساقية الفوقية، العيون، سيدي علي بركة. إلى جانب الزاوية الناصرية، والزاوية الفاسية، كما شملت عملية الإصلاح الأبراج وأحباسها، خاصة برج مرتيل وبرج أمسا، مع عدة دكاكين في مختلف الأحياء. والخلاصة – كما يقول مؤرخ تطوان محمد داود -: "هي أن مساجد تطوان التي لحقها الضرر أثناء تلك الحرب، وكذلك الأملاك الحبسية التي أصابها الخراب في عهد الاحتلال الأجنبي، قد وقع إصلاحها من مداخيل الأعشار (الجمرك) بديوانة تطوان، وهكذا عادت تلك الأملاك لدر المدخول العادي الذي منه يصرف على بيوت الله وعلى القائمين بها، وجزى الله المصلحين الذين يهتمون بشؤون دينهم خير الجزاء.