الجمع بين الأضداد لا يقبله عقل و لا يستسيغه منطق،فهو فوق العادة و تحت الصفر في ميزان العرف، و هو أمر يبدو ملتبسا عنيدا و عصيا عن الفهم و الإدراك المستريح لليقينيات و للجاهز و للمكتمل، المصدق للمعطى الذي يصبح دليلا هكذا خوفا من الاستشكال و عجزا أمام الأسئلة التي تحفر مجراها عكس التوقعات و المسلمات و البديهيات و السابق الإيمان به.. من هنا كان الاعتقاد - و لا يزال - عند الكثيرين أن الجذرية نقيض الإصلاح و انزياح عنه، و أنها الدرجة الرفيعة التي يبدو معها الإصلاح و كأنه نقيصة من النقائص. .أو من النواقض و المغسدات أو من مسببات النكوص و الخذلان . و الحاصل أن العقل الخطابي غالبا ما ينتصر أمام توالي الهزائم و الخيبات مما يدفع إلى الغلو في التبرير أكثر، تبرير الفشل بفشل أعمق و تعطيل العقل الإشكالي الذي لا يستريح للمعطى و إنما للدليل. و من هنا استمر لفترة مهمة القول إن التجذر غاية و ضرورة و الإصلاح هدف و وسيلة يعجب بها ضعاف النظر الذين لا يعولون على النظر البعيد النافذ و العميق، و هو حكم تؤطره إطلاقية حصرية تجعل النسبية عدوا و ترى فى المفهوم مدلولا واحدا و نهائيا، لا غير. و الحاصل أيضا أن الإصلاحيين الذين تلتصق بهم هذه الصفة ظلوا بعيدين عن تنشيط الصفة و المفهوم ليأخذ طابع النظرية المطبقة التي تظهر في المواقف و المحطات ، و سرعان ما انسلوا ابعد ما يكون عما بدأوه في السابق و ما حققوه من تراكم فأصبح الإصلاح مع الوقت معاديا للتجذر، و هذا دفع الآخر إلى التمادي و الغلو دون احتساب الوقت الذي قضي في تحقيق المكتسبات و تحصين الحقوق، فزادت المسافة بين اليقين و الشك و الإصلاح و التجذر، و زاد الطين بلة إلتباس المفهومين مما أدى إلى سقوطهما على صخرة الواقع الممتنع عن الانصلاح و الانقلاب، و هو الأمر الذي يستدعي طرح الموضوع من جديد بكثير من النسبية و الواقعية و بكثير من الانفتاح القائم على السؤال بدل التبرير و العلمية بدل الخطابة.