في سنة 2008 أنجزت تحقيقا صحفيا مهنيا تحت عنوان " القنب الهندي: من يحاربها ومن يشجع زراعتها"، تحت إشراف الدكتور عبد الوهاب رامي استاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، استندت فيه إلى مراجع أكاديمية علمية وتقارير منظمات وطنية ودولية وحكومية وغير حكومية وأخرى أممية، ولم أقحم فيه الذاتية بالبث والمطلق، ومن أهم ما خلص إليه التحقيق، في حينه، إلى التنبؤ باستنفاذ الفرشات المائية واندثار الوديان والانهار وأن مناطق عديدة بقبيلة بني زروال ستشهد أزمات خطيرة على مستوى الماء الصالح للشرب بصفة خاصة وأزمة الماء بصفة عامة.. ومن ضمن أهم الفقرات التي وردت في خلاصات تحقيق 2008، أذكر" .... رغم أن مكونات مجتمع بني زروال بدائرة غفساي( سلطة ومنتخبين ومواطنين..الخ) واعية تمام الوعي بأن التعاطي لزراعة القنب الهندي يجلب وسيجلب للمنطقة ولأهاليها كوارث خطيرة جدا من أهمها تقييد حرية المواطنين وجعلهم في أي وقت عرضة للمساومة والابتزاز والمتابعات القضائية وإفراغ مجتمع القبيلة من القيم الأخلاقية وقيم التضامن والتآزر فضلا عن كونها ستسبب لهم دمارا شاملا لبيئتهم من خلال القضاء على ما تبقى من غطائها الغابوي وبروز كوارث إنسانية فيما يخص الماء الصالح للشرب في غضون السنوات القليلة المقبلة، وعلى السلطات المحلية والاقليمية والمجالس المنتخبة أن تتخذ تدابير عملية عاجلة استباقية قبل حلول هذه الكوارث ، أما الساكنة التي تتعاطى لزراعة القنب الهندي لا خيار ولا بديل لها، لأن الجهل فعل فعله في جزء منهم، زد على ذلك أنهم ملوا من الانتظارية القاتلة ولم تقدم لهم أي بدائل تذكر...". ومن أجل الخوض في مسألة أزمة الماء الصالح للشرب التي حلت بالعشرات من الدواوير والمداشير بجماعات بني زروال الخاضعة ترابيا لنفوذ دائرة غفساي، أرى أنه من الضروري اعتبار الخلاصة أعلاه، منطلقا أساسيا لهذا التحقيق ومدخلا محوريا يمكن لنا السفر عبر دروبه التي قد تقودنا إلى إبراز علل هذه الكارثة وكيف يتم التعاطي معها من طرف أهل المنطقة وكيف يحاول البعض استثمارها بطرق قذرة لعله يجني من ورائها بعض الاصوات الانتخابية... منطقة بني زروال ظلت على الدوام معروفة بوفرة المياه وبعذوبة أنهارها وفرشاتها المائية الوفيرة، ولم يخطر ببال أي أحد أن هذه المنطقة ستصبح في يوم ما على ماهي عليه الآن...فحتى في سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال سنوات الثمانينات والتي ألمت كثيرا بأهالي قبيلة شراكة وأولاد الجامع والحياينة وغيرها ،وتسببت لهم في نزوح جماعي نحو المدن خاصة مدينة فاس، غير أن قبيلة بني زروال لم تتضرر بآثار تلك السنوات العجاف...بل ظل وديانها وأنهارها وعيونها وآبارها فيّاضة بوفرة المياه ولم تتضرر إلا قليلا على مستوى بعض المداشر بأولاد الصالح، وهو ما ساهم في الابقاء على أهلها متمسكين بها ... في مطلع التسعينات شرع سكان بعض الجماعات الترابية بدائرة غفساي في التعاطي لزراعة القنب الهندي لأول مرة بعد ظهور اسم إقليمتاونات ضمن الأقاليم التي تتعاطى لزراعة القنب الهندي في وثائق الاتحاد الاوربي، وهو ما يعني أن هذا الاقليم كان يأخذ نصيبه من دعم الاتحاد الاوربي والهبات التي كانت تقدم لأقاليم الشمال مقابل محاربة القنب الهندي وبناء مشاريع بديلة لفائدة أهالي المناطق التي تتعاطي لزراعة هذه النبتة الخبيثة... أمام تنامي التعاطي لهذه الزراعة، قامت السلطات الاقليمية والمحلية المختصة بلعب لعبة ازدواجية، فهي من جهة كانت تحرك أدواتها لتشجيع السكان على التعاطي لهذه الزراعة، وفي نفس الوقت كانت تشن حملات اعتقالات وملاحقات وفرض الاتاوات على المزارعين وإتلاف محاصيل من لا يدفع.. من دون أن يتم تعويض المزارعين عن محاصيلهم التي تم اتلافها ومن دون تقديم أي حلول بديلة. وسنة بعد أخرى بدأ النطاق الجغرافي لهذه النبتة يتوسع ويتمدد ليشمل عدة جماعات قروية، في الوقت الذي حافظت السلطات المختصة على سلوكها الازدواجي في التعاطي مع المزارعين ...(محاربة انتقائية، جمع أتاوات، ابتزاز ....الخ). بالتوازي مع التوسع المجالي لمناطق الزراعة، انفتحت شهية المزارعين لاقتحام المجالات الغابوية والقضاء عليها، حيث تم القضاء على معظم الغابات التابعة لجماعة الرتبة وجماعة ودكة وتحويلها إلى أراض لزراعة القنب الهندي بإيعاز من مصالح المياء والغابات والسلطات المحلية التي استعملتها كوسيلة أخرى للمزيد من الابتزاز وتحصيل الاتاوات. وقد تسببت عملية القضاء على الغطاء الغابوي بالمنطقة في اختلالات بيئية وإيكولوجية بالمنطقة الشيء الذي ساهم في التأثير بشكل سلبي على النظامين البيئي والايكولوجي وتجفيف الوديان والانهار والبرك المائية والعيون من مخزونها المائي بغية استعماله في ري وسقي الكيف...وتكرير هذا السلوك بشكل يومي لمدة أربعة أشهر كل سنة أنهك الفرشات المائية وأنهك العيون والأنهار والوديان..الأمر الذي أدى بالمزارعين إلى حفر المئات من الآبار التي ساهمت بدورها في استنزاف الفرشات المائية... وعلى إثر ذلك، كان من السهل جدا التنبؤ بالوضع الذي آلت اليه المنطقة، غير أن الجهات المختصة ( سلطات محلية وإقليمية ومجالس منتخبة) لم تتخذ أي اجراءات استباقية لحماية الناس وتأمين مستقبلهم ومستقبل الاجيال الصاعدة والمتصاعدة. في هذا الاطار كشف مسؤول إقليمي أن عمالة إقليمتاونات تتوصل سنويا بالملايين من الدراهم مخصصة تحديدا لبناء مشاريع تنموية بديلة لزراعة القنب الهندي لفائدة المزارعين..لكن مصير تلك الاموال يطرح أكثر من تساؤل وعلامة استفهام بحسب ذات المسؤول. هذا الأمر دفع العشرات من الفاعلين الجمعويين إلى التساؤل حول مصير الاغلفة المالية الضخمة المخصصة لتنمية المناطق المتعاطية لزراعة القنب الهندي ومن المسؤول عن اختفائها ومن استفاد منها ولماذا سكتت الاحزاب السياسية عن هذه الجريمة؟ أما التساؤل الثاني يدور حول أسباب تعثر مشروع ربط الدواوير والمداشر المعانية من شح الماء بقنوات الماء انطلاقا من سد المجعرة ومصير غلاقه المالي. في ظل هذا الوضع المزري وأمام سياسة التهميش والإقصاء التي لازمت المنطقة لعقود طويلة والتي استهدفت أهاليها بشكل مقصود ومتعمد بسبب مواقفهم التاريخية والبطولية تجاه المستعمر الغاشم، وجد السكان أنفسهم أمام ثلاث خيارات لا رابع لهم: إما الانتحار الجماعي بسبب الجوع والذل والظلم وقساوة طبيعة جغرافيتهم الوعرة، وإما الهجرة الجماعية نحو هوامش الحواضر، وإما التعاطي لزراعة القنب الهندي بالرغم من أن هذا الخيار الأخير يكلفهم ثمنا غاليا ويرهنهم لسلوك الابتزاز والمساومة والتسلط والملاحقات من قبل المتسلطين والحاقدين والسلطة القضائية، غير أنه (أي هذا الخيار) على الأقل، في نظرهم ، يجعل أهالي المنطقة يشعرون إلى حد ما بالاطمئنان عن مصدر خبزهم وقوتهم اليومي. ومن ضمن الأثمنة الباهضة التي يدفعونها نتيجة خيارهم هذا هي تحويل منطقة بني زروال من منطقة غابوية ومائية إلى منطقة قاحلة لا أخضر ولا ماء فيها...وبالتالي كان من المتوقع أن تحل كوارث الماء وندرته بهذه المناطق الجبلية كما حدث هذه السنة...مما أدى إلى احتجاجات واسعة وبروز ولأول مرة حركة عطشانين التي دقت وتدق ناقوس الخطر. وعن نشأة حركة عطشانين قال أحد نشطائها الحقوقي خالد التيسير المنتمي لمنطقة بني زروال أن الحركة انطلقت شرارتها الأولى انطلاقا من مداشر جماعة اجبابرة على خلفية ظروف ساهمت في اختمارها وتوسيع نطاقها الجغرافي لتشمل جميع المناطق التي ألمت بها أزمة الماء، مبرزا أنه منذ الشهور الأولى من السنة الجارية بدأت بوادر الجفاف وشح المياه تلوح في الافق في بعض مناطق شراكة وتحديدا بمداشر جبابرة، مرجحا ذلك إلى شح تساقط الأمطار . وأضاف السيد خالد التيسير أنه مباشرة بعد شهر مارس الماضي تفاقمت أزمة الماء مما حذا بساكنة مجموعة من المداشر إلى دق ناقوس الخطر وتنظيم العديد من الاشكال الاحتجاجية للفت انتباه السلطات المختصة لأجل التدخل، خاصة على مستوى مداشر ودواوير جبابرة العليا، وبرارين، مشيرا إلى أن هذه الاحتجاجات واكبتها حملات فايسبوكية كثيفة ركزت اهتماماتها على إبراز معانات الساكنة من أزمة الماء ومناشدة الجهات الاقليمية والجهوية والسلطات المختصة إلى التدخل بهدف إيجاد بدائل لأزمة الماء والتخفيف من معانات الناس. وتابع السيد خالد التيسرفي سياق حديثه "هذه الحركية التفاعلية على صفحات الفضاء الفايسبوكي خلقت جدالا واسعا وساهمت في اختمار فكرة بروز "حركة عطشانين" الافتراضية وتداولها على نطاق واسع بين رواد ونشطاء الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي والالكترونية" مما أدى إلى الضغط على السلطات العمومية المختصة التي ابتكرت بعض الحلول الترقيعية لأزمة الماء والتخفيف عن معانات الساكنة المتضررة.. وختم المتحدث حديثه في ذات الموضوع، أن "حركة عطشانين" أشرف على هندستها أربعة نشطاء وهم محمد خضرون، أحمد المودن، المفضل العاطفي وخالد التسير" وساهموا في تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث لاقت استحسانا وتفاعل معها معظم نشطاء ورواد الفايسبوك بالمنطقة وخارج المنطقة، وبعد ذلك فكرنا في التنسيق مع القناة الثانية بهدف استقدامها للمنطقة للوقوف على واقع المنطقة المر، وهو ما تم بالفعل، حيث كانت مناسبة لنا للخوض في المشاريع المتعثرة ذات الصلة بالماء لصالح للشرب وإعطاء صورة حقيقية لواقع المنطقة الكارثي للقناة الثانية التي قال أنها أنجزت تحقيقا في الموضوع.". على صعيد آخر، أكد لنا الناشط المفضل العاطفي أن وباء أزمة الماء شملت العديد من المداشر والدواوير على مستوى عدة جماعات ترابية بدائرة غفساي، وهذه الأزمة ساهمت بطريقة أو أخرى في تشكيل وعي العشرات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين بدورهم استطاعوا استدرار تعاطف عموم الفايسبوكيين والضغط على السلطات العمومية وفضح المستور.. وفي معرض رده حول سؤال إمكانية الحلول الاستباقية، أكد السيد العاطفي أنه كان بإمكان تفاذي هذه الازمة وتجنيب الساكنة من ويلاتها وتداعياتها متسائلا عن مشروع مد مجموعة من الدواوير بقنوات الماء الصالح للشرب ومصير الأموال الضخمة التي أهدرت في سبيلها..وطالب المتحدث بضرورة فتح تحقيق نزيه وعميق حول مصير الاظرفة المالية الضخمة التي اختفت في ظروف غامضة دون أن يتم إخراج مشروع قنوات الماء إلى حيز الوجود.. أحد البرلمانيين السابقين بدائرة غفساي القرية طلب عدم الكشف عن هويته، كشف لنا عن معلومات صادمة، حيث قال أن المنطقة تؤدي فاتورة نضالها ومقاومتها ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم موضحا أن فرنسا من خلال أدواتها « mains invisibles » تعمل كل ما في وسعها من أجل إجهاض المشاريع التنموية التي تستهدف منطقة بني زروال، وأن من استجلب زراعة القنب الهندي للمنطقة كان هدفه هو تدمير المنطقة وإلهائهم بالتطاحن فيما بينهم حول مجاري المياه والمحيط الغابوي وتقييد حريتهم والضغط عليهم تحت طائلة المتابعات والملاحقات القضائية بتهم التعاطي لزراعة القنب الهندي ... مضيفا " صحيح ان جيل أو جيلين استفادوا من هذه الزراعة، ولكنهم دمروا ويدمرون مستقبل الاجيال الصاعدة والمتصاعدة وأفرغوا المنطقة من قيمها الاجتماعية ومن تراثها وثقافتها وطقوسها، بعضها انندثر والبعض الآخر في طريق الاندثار... وعن مسؤولية الاحزاب السياسية في هذا الموضوع، قال المتحدث أن الأحزاب لم تتحمل مسؤوليتها، ما يربطها بالمنطقة هو المواسم الانتخابية لا غير، إذ أنها لم تقدم أي مشاريع حقيقية للمنطقة دات وقع استراتيجي باستثناء بعض المبادرات الخجولة، كما أن بعض الاحزاب تحاول بطريقة أو أخرى اللعب على وتر "القنب الهندي" لأجل حصد المزيد من الاصوات مستغلين في ذلك سذاجة وبساطة الناس ..أما عن تدمير الغطاء الغابوي، قال أن هذه الجريمة تمت بإيعاز من السلطات المحلية ومصالح المياه والغابات التي عوض أن تردع الجناة، فإنها تأخذ منهم عطايا وأتاوات منتظمة ثلاث مرات في السنة، بداية الموسم الفلاحي لزراعة لقنب الهندي وفي فترة المحاربة وعند جني المحصول... مؤكدا أن الكل يشحذ سكينه لا ستنزاف المنطقة من مياهها وغاباتها وقيمها وخيراتها...ولا أحد يحن عليها وأهاليها...إنها جريمة بكل المقاييس ضد منطقة بني زروال..وهذه الجريمة يساهم فيها أبناء المنطقة أنفسهم...يضيف المتحدث. وفي هذا الإطار سأدرج مثالا يرصد كلفة محاربة زراعة القنب الهندي في عملية واحدة خلال سنة 2008 (انظر الرسم Annexe1) مصدر: عمالة اقليمتاونات. خلاصة التحقيق، لا يمكن لمنطقة بني زروال أن تعرف تقدما تنمويا من دون أن تحرك أهاليها وتنسيق جهودهم، والدولة ومؤسساتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالعمل على خلق بدائل تنموية حقيقية تحل محل زراعة القنب الهندي وبناء مرافق اجتماعية خاصة بالشباب تساهم في احتضانهم وتأطيرهم، والاستثمار في السياحة الجبلية وتدعيم الشباب حاملي المشاريع، لأنها إذا لم تعمل على حل هذا الاشكال الكبير، فإنه سيكلفها كلفة بالغة...كما ينبغي فتح تحقيق في مصير الأموال والهبات التي أعطيت لإقليمتاونات نظير محاربة القنب الهندي ومحاسبة المسؤولين عن اختفائها وضرورة معاينة جميع المشاريع التنموية التي أعلنتها عمالة إقليمتاونات في وثائقها الرسمية والتأكد من حقيقة وجودها على أرض الواقع وإعادة تقييم كلفتها لأن هناك العديد من المصادر تتحدث عن وجود مشاريع وهمية .لا وجود لها على أرض الواقع.