الإدمان واقع اجتماعي و ظاهرة تنخر مجتمعنا بصمت أو بصراخ لا يهم، علانية أو مستترة كذلك لا يهم، المهم أنها موجودة، و تتفاقم يوما بعد يوم. نعلم جيدا ما معنى الإدمان، وكيف يصبح الإنسان مدمنا، وما هي الأسباب التي تجر إلى الإدمان، كيف تفشت الظاهرة، و من الإنسان الذي يصبح مدمنا...هذا واقع، و رغم مرارته نحاول اجتراره، نعلله و نحاول إيجاد أجوبة لهذه الأسئلة. ولكن هل تساءلنا يوما عما يمكن أن يكون بعد الإدمان؟ هل نحن مقتنعون بأن المدمن مصاب بمرض مزمن يتعسر علاجه؟ هل فكرنا فيما يمكن أن يحدث لإنسان يتعايش مع مدمن؟ طبعا لا ،لأننا لا نتصور أن يكون أحد مقربينا مصاب بهذا المرض، وحتى إذا صادفنا ذلك، فإننا نردد: “الله يكون في العون” هذا إذا تألمنا له، أما إذا كان العكس فنردد:“لم يجبره أحد على ذلك”. ولكن إذا فكرنا قليلا في من هم مدمنون و منتشرون في الشوارع يزيدون من تصاعد أعداد المشردين و المجرمين. همهم الوحيد أن يحصلوا على بعض الدراهم ليخمدوا نار“ البلية“ التي تشتعل في نفوسهم بأي وسيلة. دون الخوض في الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك كالفقر والجهل والظروف الاجتماعية التي يعانون منها و سلسلة من المشاكل تترابط فيما بينها لتفجر لنا مجرما لا يعي حتى بوضعه أو بما يمكن أن يسببه من مخاطر يؤذي بها نفسه و غيره. هؤلاء الذين ليس لهم من معيل و يكون اللي “عطا الله اعطاه“. كيف يصبحون عبئا على المجتمع؟ ومن الذي يتحمل مسؤوليتهم و لم شتاتهم و إيقافهم إيذاء الناس و أنفسهم، أو التخلي عن هذه الآفة التي ليس من المستحيل تركها. هل تتصورون معي صورة الأرملة التي تقاوم ابنها كي تحاول منعه من سرقة هاتف نقال أو حتى طنجرة ضغط من بيتها لأنه يريد بيعها ليشتري بها جرعة مخدر. أو أب مقعد أنهكه المرض ولا يحتكم إلا على دراهم قليلة يخبئها في وسادة كي يشتري بها دواء فيأتي ابنه ليسقطه على الأرض و يسرق ما في الوسادة؟ ربما تقولون بأني بالغت ولكن هو الواقع بعينه و قد يكون هناك واقع أمر و أقسى مما أتصوره و تتصورونه، وقد يمكن أن تكونوا ممن سمعوا قصصا و حكايات عن هؤلاء أكثر غرابة و قسوة، كتلك التي أتذكرها كلما شاهدت مدمنا، ولا يمكن أن أنساها. قصة عجوز تكفلت بفتى تركته أمه لأعاصير المجهول واتجهت نحو طريق آخر لا يقل انحرافا عن الطريق الذي سيسلكه ابنها فيما بعد، بعد أن قيل أن أبوه طلقها أو لم يعترف به أصلا... عملت العجوز المسكينة قدر المستطاع -بثقافتها البسيطة و إمكاناتها المنعدمة- على أن تجعل من الفتى ولدا صالحا. لكن مع إغراءات مجتمعنا و فلتات أخطاء البعض و تعمد الآخرين لإلحاق الأذى بغيرهم...كان ما كان. انحرف الفتى الذي كانت تناديه بابنها و عاشر من ساعده على السير في طريق الإدمان. فدفعه ذلك إلى طلب المزيد والمزي دمن المخدرات، وعندما حاول سرقة “مسجلة" تنصت المسكينة فيها لأشرطة القران الكريم و أرادت منعه فدفعها فسقطت على حافة طاولة، أصابت رأسها و غرقت في دمها...طوق رجال الأمن المنطقة بعدما علموا بالأمر، وبدأ البحث عن الفتى الذي لم يتصور أحد أن يجده في السطح مختبئا لمدة في عشه دجاج كانت تمتلكها العجوز لمدة يومين. كانت فرائصه ترتعش وهالات السواد حول عينيه تدلان أنه لم ينم منذ أن حدث ذلك و هو يبكي، لم يصدق ما حدث لدرجة أنه عجز عن الفرار. حوكم المسكين لمدة لا أعلم كم كانت، وحاول الانتحار في الإصلاحية... ولا نهاية لهذه القصة أ و تعليق... عندما نتحدث عن العلاج تتبادر إلى أذهاننا فكرة العيادات المجهزة، و الأطباء النفسيون و المدمنين الميسورين. و ننسى أو نتناسى من ابتلوا بهذه البلية من أوساط معوزة أو حالها أسوأ من العوز. من لهم ؟ من يستطيع جلبهم من براثن التشرد و الانحراف؟ من يأخذ بأيديهم ليستطيعوا أن يتخطوا المحنة؟ من...ومن...ومن؟ أم نتركهم لقدرهم كي يكثروا المشاكل و يزيدون من استفحال ظواهر الانحراف، لنسمع عن أحدهم مات مقتولا، أو تشاجر أحد مع الاخرفقتله، الأول ذهب إلى السجن و الثاني إلى المقبرة، أم نسمع عمن أصبح مرميا في- الشلال-، أو بمن تجمد تحت صناديق الكرتون أيام تنزل درجات الحرارة تحت الصفر... ماذا أستطيع أن أقول أكثر من هذا؟ كيف يمكنكم أن تفكروا معي لإيجاد حلول، بل حل واحد فقط، يمكننا من إزاحة الستار عن خفايا أوضاعنا؟ آمنة أحرات