أحسست،فجأةً،أن أخي تواطأ مع أشخاص غامضين،يناصبونني العداء.لا أعرف عنهم شيئا.ملامحهم مجهولة وأهدافهم غامضة.غير أنني لدي يقين مطلق أنهم يريدون بي شرا.ليس لدي أي خيط يوصلني إليهم سوى أخي،الذي لا أعرف سر تواطئه معهم.لا أعرف لما يريد أن يلحق بي هو أيضا الأذى،وهو أخي من لحمي ومن دمي،نمنا ليالي العمر في غرفة واحدة،تبادلنا الحكايا في الظلام انتظارا لملاك النوم.تقاسمنا الخبز والماء.أكلنا سوية طعام أمي من نفس الصحن.رضعنا معا وأشبعنا رغباتنا من نفس الثدي.كم خضت معارك في الحي دفاعا عنه،لأبعد عنه أذى العدوانيين من الصبايا.كيف يمكن لأخي أن يخونني،ويتواطأ مع مَنْ يريد تحطيمي؟.أصبت برعب حقيقي، وبجزع لا حد له.قد أفهم تواطؤ الغرباء ضدي،لكن لا أعتقد أن أحدا قد يستوعب انقلاب أخيه ضده.لا أهمية لذلك الآن،لست غاضبا عليه،أو هكذا يبدو لي.ما يستبد بي بقوة هو أن أعرف من هم هؤلاء المتربصون بي،وكيف وصلوا إلى تأليب أخي ضدي،ولماذا؟.لكن من أين لي هذا اليقين التام ؟ومن أبلغني بالأمر؟وكيف عرفت أن لأخي يداً فيما يحاك ضدي؟ وهل يُحاك ضدي شيء أصلا؟ أم كل هذا مجرد أعراض "بارانويا"؟هل أنا ضحية عقدة الاضطهاد حتى يكون كل ما أتصوره من نسج خيالي المريض؟ كل ما أعرفه هو أن الوقت ليل،الظلام يحيط بي من كل جانب،وأنا وحيد ممدد على منتصف منحدر ربوة عالية.أتلحف غطاء بسيطا،ربما كان الفصل صيفا،ذلك لأنني لم أشعر بالبرد.لكن الريح كانت قوية،تريد أن تنزع عني اللحاف،وأنا أتمسك به بقوة.لكن بالي ليس مع الريح،ولا مع الربوة،ولا مع وحشة المكان وظلمته،بالي مشدود إلى أسفل الربوة،مركزا على نهاية سفحها،هناك حيث توجد مبان واطئة صغيرة،مضاءة نوافذها.خلف تلك المباني هناك خيمتان صغيرتان على الطراز الكندي،يشع الضوء من داخلها،خيمة على يساري وخيمة على يميني. وراء الخيمة التي على يميني يوجد كلب مربوط.الكلب يتحرك يمنة ويسرة،لكنه لا ينبح.لست أدري لماذا لدي اليقين أن أخي يوجد داخل هذه الخيمة بالذات التي على اليمين.الغريب أن أخي،حسبما أعرف،لم يرب قط في حياته كلبا،ولا أعرف أن له كلبا.لقد كان دائما يكره الكلاب.وبما أنني لا أعرف بالضبط لماذا لدي اليقين أن أخي يوجد في الخيمة؟فلا أعرف أيضا لماذا لدي نفس اليقين أن أعدائي يتواجدون في تلك المباني الواطئة الأمامية؟ولا أعرف لماذا الأنوار مضاءة في كل مكان أسفل الربوة،رغم أن الوقت تجاوز منتصف الليل؟ ولا كيف وصلت أنا إلى منتصف تلك الربوة المظلمة،أراقب الجميع من هناك. فجأة،وبسرعة البرق،حضر غرباء إلى المكان،لم أعاينهم قادمين.كانوا هناك فجأة،مدججين بالهراوات،رأسهم مغطى،وربما مسلحين بأسلحة نارية،هذا ما أحسست به.اعتقدت مباشرة أنهم أعداء أعدائي،وأنهم مشحونون بحقد وعدوانية لا حد لهما.نهضت من مكاني المظلم،وحاولت أن أطلق جسدي للريح،لعلني أسابقه،عندما رأيتهم يتجهون نحو الخيمة التي أعتقد أن أخي يوجد داخلها.استبد بي هلع شديد حين ضربوا الكلب ضربة قوية أوقعته دون حراك.الكلب لم يصدر أي صوت على الإطلاق،لا قبل قدومهم،ولا حين حلوا بالمكان،ولا عندما تلقى ضربتهم الصاعقة. المثير للغرابة،أنني أثناء ركضي على المنحدر الصعب،شعرت أنني لا ألبس حذائي،لا تنتعل قدميّ سوى زوج صندل مطاطي مثل ذلك الذي نلبسه أثناء الاستحمام،أنتعله بجوارب غليظة.إنهم يقتربون من الخيمة حيث يوجد أخي،وأنا الذي يكاد يطير مني عقلي من شدة الرعب خوفا على أخي، لا أستطيع الجري على أرض غير مستوية تتناثر فيها الأعشاب البرية،يعيقني صندل مطاطي تافه لعين، لم يصنع أصلا للركض ولا للمطاردة ولا للهرب.جسدي يتحرك نازلا من منحدر الربوة متثاقلا معاندا رغبتي الجري بأقصى سرعة تضاهي حركة الريح،روحي سبقت جسدي إلى داخل الخيمة مع أخي،أردت أن أطير أو أنبعث هناك بجسدي داخلها.أردت أن أرتمي على أخي،كي أحميَه من ضرباتهم.وددت أن أتلقى الضربات بدلا عنه،أن أخبئه تحت بدني،داخل بدني، وأدافع عنه حتى آخر رمق من حياتي. غير أنني في هذه اللحظة التي تربط بين حركتين،حركة هؤلاء الغرباء نحو أخي،وحركتي المتخاذلة على منحدر الربوة،استيقظت من منامي،أتصبب عرقا،والهلع لا يزال يسكن جوانحي.أجلت النظر في غرفتي.قلت وأنا أتنهد: "هكذا هي الكوابيس تجعلك دائما تستيقظ من النوم في اللحظة الحاسمة ".لم يكن ما جرى سوى كابوس من الكوابيس الكثيرة التي طالما عذبتني في منامي.