عاش في هذه المدينة الشاطئية الجميلة، خلال الستينات من القرن الماضي، رجل فيلسوف وزاهد في هذه الدنيا إسمه " عبد النبي ..."، على شاكلة : زرع كون، وسيدي مفضل، في الحقبة نفسها بمدينة تطوان . إلا أن عبد النبي هذا كان رجلا ثائرا ومعروفا بهندامه المتهالك وتحركاته البهلوانية ، ، يتجول في المقاهي بالمدينة والأسواق وفي الأقليم، ينتقد الحاكمين علانية بأقواله الهجينة التي هي عبارة عن سخرية ونكت وحكم وعبر ، يقتحم جموع الناس في أي مكان ،ليصيح فيهم قائلا : ( الله إلعن إقزنن أما تقزنين كتار) يعني الله يلعن لكلاب أما الكلبات أكثر. وكان معروفا جدا بمدينة الحسيمة وناحيتها من القبائل والمداشر المجاورة وأسواق إمزورن وبني بوعياش وتركست، بسخريته وكلامه ونقده اللاذع للأوضاع، حتى أن الحاكمين، ( أي المسؤولين ) ، وهذا هو إسمهم في ذالك الزمن ، كانوا يتضايقون من كلامه ويحسبون له ألف حساب، وإذا شاهدوه قادما من أي جهة يقولون : ( آقا يوسيد ..آقا يوسيد ) يعني هاهو جا هاهو جا. وذات ليلة من ليالي صيف سنة 1960 بمدينة الحسيمة وفي زنقة قرب مقهى فلوريدو ، حوالي الساعة 3 صباحا، ( وكأنه يتفقد أحوال الرعية )، إستوقفه منظر مثير، جموع من " الحصادة " مستلقين على الأرض نائمين ( بحال السردي )، كل واحد يتوسد طربوشه الصيفي، وبجانبه منجل الحصاد وخبزة ملفوفة، جاؤوا من نواحي بعيدة كما يبدو، بحثا عن العمل في موسم الحصاد، فالوقت وقت صيف. هنا تسمر عبد النبي في مكانه وبدا مندهشا مما يشاهد ويرى، وهو يتمتم ويقول : ( إه يدولة ..إه ياااااااااادولة ، إلى بحال هدي نعمل 10.