نظم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان بتنسيق مع معهد المخطوطات العربية بالقاهرة تخليدا لليوم العربي للمخطوط جملة من الأنشطة العلمية والتربوية الهادفة تحت شعار "التراث في زمن المخاطر".. فبتعاون مع المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وبحضور جلة من الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين وعدد من المهتمين، نظم المركز يوم الخميس 13 أبريل 2017 مساء لقاء علميا تكريميا احتفاء بالمسار العلمي للأستاذة حسناء داود تعريفا واعترافا بجميل ما قدمته من مجهودات هامة في سبيل خدمة المخطوط المغربي التطواني وصيانته من الضياع. افتتح هذا اللقاءَ الدكتور جمال علال البختي (رئيس مركز أبي الحسن الأشعري) بكلمة رحب فيها بالحضور الكريم، مذكرا بمناسبة التئام هذا الجمع والممثل في تخليد اليوم العربي للمخطوط، ومشيرا إلى اختياره الاحتفاء بمسار هذه الشخصية العلمية التي كرست جهودها لخدمة المخطوط، الأديبة المؤرخة الأستاذة حسناء داود، لما لها من يد بيضاء في الحفاظ على جزء من التراث العلمي المخطوط بالمدينة من التلف والضياع، وسهرها لمدة تنيف على ثلاثين عاما على صيانته وإخراج بعض من أعلاقه إلى جمهور الباحثين والمثقفين تحقيقا وتقديما وتعريفا.. وقد شارك في هذا اللقاء عدد من الأساتذة المهتمين بمجال التحقيق بكلية الآداب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان. في المداخلة الأولى للدكتورة سعاد الناصر والتي كانت بعنوان "منهج التوثيق والتحقيق عند حسناء داود"، أشادت في بدايتها بالشخصية العلمية المتفردة للمحتفى بها، فضلا عن الحس الإنساني والأخلاقي الرفيع الذي يميزها عن أترابها ونظرائها، كما نوهت بدورها الكبير في المحافظة على مكتبة المؤرخ محمد داود، إضافة إلى السهر على تحقيق جملة من نفائسها المخطوطة، ثم عرجت على بيان جملة من المعالم المنهجية المميزة لعمل الأستاذة حسناء في التحقيق والتوثيق. وتحت عنوان "اشتغال عتبة المقدمة عند الأستاذة حسناء داود" استهل الدكتور محمد المرابط مداخلته بذكر بعض مناقب المُكرّمة التي وصفها بالباحثة والعالمة المدققة، مُعدِّدا مواهبها ونشاطها المعرفي ما بين تحقيق وتأليف وكتابة وترجمة، ومركزا على جانب منطق اشتغال المقدمة الذي ميّزه عن التقديم. فابتدأ بتعريف مفهوم «العتبة» وعرض أنواع المقدمة وأنماطها، كالمقدمات اللاحقة وكمقدمة التأليف والمقدمة العلمية، مبرزا بعد ذلك أهداف المقدمة عند الأستاذة حسناء داود، وقد اعتبرها واسطة بين القارئ والمتن المركزي، هدفها ضمان التعريف بموروث والدها العلمي، ومساهمة في تاريخ المغرب الذي هو من تاريخ مُدنه وقراه كما كانت تنقل ذلك المُكرّمة عن والدها. كما شاركت المحتفى بها – الأستاذة حسناء داود- في هذا اللقاء التكريمي بورقة علمية قرأت من خلالها مخطوطا من تأليف أحد أبرز أدباء مدينة تطوان، وهو "كنّاش المفضّل أفيلال" الذي كتبه بخطه الجميل والمنقح، وهو عمل ينتمي لصنف الوثائق والمذكرات، ويصلح لاستقاء المعلومات الشخصية والتاريخية عن اللحظة التي عاشها الرجل، وفتح قلبه وحياته الخاصة فمكّن القراء من الاطلاع على أخلاقه وصفاته الشخصية وهواياته وأعماله ورحلاته. وفي الشطر الثاني من هذا اللقاء التكريمي الذي خُصص للشهادات؛ تعرض الدكتور جعفر بن الحاج السلمي للحديث عن الجانب الشخصي بدل الحديث عن الجانب العلمي، لما تجمعه بالمُكرّمة من علاقات إنسانية تبدأ بالتتلمذ عليها سنة 1974 بثانوية الشريف الإدريسي بتطوان، معددا بعض ما كان يميزها كأستاذة للتعليم الثانوي بالمدينة، ثم قارن بين إيجابياتها وسلبيات بعض الأساتذة حينئذ بأسلوب جمع بين النصح والدعابة والنكتة. بعده أدلت الأستاذة نزيهة مصباح بشهادتها التي وصفت فيها جوانب شخصية من المُكرّمة، فقسمت علاقتهما إلى مرحلتين زمنيتين: مرحلة المعاصرة أشادت فيه بخصالها كأستاذة مربية، ومرحلة اللقاء من خلال عملها إلى جانبها بخلية أمهات المؤمنين بالمجلس العلمي المحلي لتطوان. من جهته أشاد الدكتور بدر العمراني بمسار المحتفى بها في شهادة عنونها ب"هالة الحسن" اعتبرها عربون وفاء واعتراف لسيدة جمعت بين محامد الأخلاق وخُصّت منها بتواضع جم وأدب رفيع، ولها في ميدان العلم والتحقيق يد بيضاء وصدقة جارية. وفي شهادته الموسومة ب"عملاق إنتاج المشاريع الثقافية الكبرى" نوّه الدكتور إسماعيل شارية بتعدد روافد الشخصية العلمية والأدبية لشخص المحتفى بها، ما جعلها متعددة الأبعاد متميزة السمات. وأما المداخلة الأخيرة فبعث بها الدكتور قطب الريسوني من الإمارات وقرأها بالنيابة عنه الدكتور بدر العمراني وكانت بالفعل شهادة أدبية رائقة عدد فيها ما ازدانت به الأستاذة حسناء من برور للأصلين؛ والدها المؤرخ الفقيه محمد داود، ومدينتها "الحمامة البيضاء".. وكان مركز أبي الحسن الأشعري قد نظم بالتوازي مع ذلك – في إطار هذه الاحتفالية- نشاطين آخرين تمثل الأول في تنظيم محاضرة علمية تربوية في أهمية المخطوطات وأسباب تلفها وآليات صيانتها بتنسيق مع الثانوية الإعدادية "حمان الفطواكي" بمدينة المضيق يوم الخميس 06 أبريل 2017 تحت شعار: "من أجل تدبير سليم لحماية تراثنا المخطوط من المخاطر" أطرها الباحثان بالمركز الأستاذ منتصر الخطيب والأستاذة غزلان بن التوزر، وحضره عدد من تلاميذ المؤسسة التعليمية وبعض أطرها الإدارية.
وتمثل النشاط الثاني كذلك في الزيارة الميدانية التي قام بها الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري بمعية ثلة من طلبة الماستر بكلية أصول الدين إلى المكتبة الداودية مساء يوم الثلاثاء 11 أبريل 2017، حيث تم استقبالنا بكل ترحاب من قبل محافظة المكتبة الأستاذة حسناء داود، أتحفتنا فيه برواية بعض التفاصيل الأولى حول إنشاء هذه المكتبة، مبتدئة بالحديث عن الظروف التي اكتنفت هذا التأسيس المرتبط أساسا بشخصية مؤسسها الفقيه محمد داود؛ حيث استجمع الرجل عددا هائلا من الكتب والمصادر المطبوعة والمخطوطة، والوثائق والرسوم العدلية، فضلا عن كم كبير من الصحف والمجلات والجرائد بل والصور الفوتوغرافية التي تجاوز عددها (15 ألف صورة).. ما جعلها مقصد العديد من الباحثين خصوصا في مجال التاريخ، ومصدرا مهما للبرامج التلفزيونية والإذاعية. وقد أهلت وفرة الوثائق والمصادر المؤرخ محمد داود بالاطلاع عن كثب على التاريخ الاجتماعي لمدينة تطوان والنواحي، ساعدته على تأليف مصنفه الموسوعي الشهير "تاريخ تطوان" وما تفرع عنه من أعمال رديفة من قبيل: "عائلات تطوان" وكتاب "التكملة" وكتاب "الأمثال" وكتاب "المجتمع المغربي".. وهي الأعمال التي عملت ابنته الأستاذة حسناء داود، ولا تزال، على تحقيقها ونشرها، ضمن المؤسسة التي تحمل اسمها وهي "مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة" بتطوان، وفي ختام هذا اللقاء قام الحضور بزيارة لمختلف مرافق المكتبة ثم أخذ صور جماعية للتوثيق والذكرى.