باسم الدفاع عن الخصوصية الثقافية، دافع بعض منتحلي صفة فاعل حقوقي وبعض الجمعيات المنتسبة زورا وبهتانا إلى المجال الحقوقي عن حق المرأة في ارتداء البرقع، باعتباره يندرج ضمن الحرية الفردية المنسجمة مع خصوصيتنا المغربية او الإسلامية . لهؤلاء نقول : أولا : الشرط الأولي لكل فاعل حقوقي هو الإدراك النظري والتصرف العملي وفق المعيار التالي : كل خصوصية كيفما كان نوعها ومجالها تتعارض مع القوانين والمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان ينبغي مناهضتها والقطع معها، وحتى إن افترضنا جدلا بأن البرقع خصوصية دينية او ثقافية فبما انه يحط ويضر بجوهر كرامة المرأة و انسانيتها، ينبغي إزالته من كل مجتمع تريد دولته تكريس حقوق الإنسان الكونية ..وكل الذين يقولون بأن البرقع خصوصية لا تمس بكرامة المرأة فإنهم يدافعون عنه بنفس المنطق المستعمل من طرف الذين يدافعون عن عدة خصوصيات محلية كزواج القاصرات و ختان النساء وعمالة الأطفال ...الخ فهم غير قادرين على إحداث القطيعة معها وتبني الفكر الحقوقي الكوني الذي لا يعترف إلا بالخصوصيات الدينية والانثروبولوجية والسوسيولوجية والفنية ...الخ الغير المتعارضة مع كل الحقوق الأساسية للفرد الإنساني ثانيا : ينبغي التمييز بين النقاب واللثام والبرقع الذي قصده بلاغ وزارة الداخلية وان الخلط بينهم و بين أشكال أخرى من اللباس عن قصد أو بدونه غير جدير بمن يمارس العمل الحقوقي . ثالثا : البرقع لا ينتمي لخصوصيتنا المغربية سواء الدينية او الثقافية وإنما هو حديث العهد ببلدنا والدليل على ذلك انه لم تكن ولو امرأة مغربية واحدة تلبسه إلى حدود بداية الثمانينات . وبعد أن ارتبط ظهوره بتنظيمات اسلاموية مشرقية معاصرة ( افغانية وباكستانية ) قامت بتصدريه إلينا باعتباره علامة سياسة وايديولوجية تميزها على مستوى اللباس كمظهر اجتماعي خارجي يبتغي التوسع في كل الفضاءات الاجتماعية والعمومية أي اكتساح ما تسميه" بالمجتمع الجاهلي " في أفق حسم السلطة الدينية والسياسة لصالحها ، وحينها يتم بالقوة إزالة كل أشكال اللباس المجتمعية" الكافرة والحيوانية " في نظرها . وهذا الأمر ليس افتراضا وإنما هو أمر ملموس وواقعي عاشته وتعيشه عدة مجتمعات وصلت فيها حركات الاسلام السياسي إلى ممارسة الهيمنة والسلطة ورابعا : من باب الجهل او السذاجة ربط البرقع أو عدة أشكال أخرى من الألبسة ( نسائية ورجالية) ظهرت مند عقود بتزامن مع نشأة وتطور تيارات وحركات اسلاموية بنصوص قرآنية معينة سواء دافعنا عن هذا الرأي اوذاك ،او بدين الاسلام بشكل مجرد وعام وإنما الموضوعية تقتضي النظر إلى ذلك من زاوية صيرورة الاسلام التاريخي المتعدد والذي تعد تلك التيارات والحركات وكل تمظهراتها إحدى تجلياته من لحظة تأسيس حركة الإخوان المسلمون بمصر إلى الآن لحظة تأسيس داعش . وأخير ا أعتقد بأن كل فاعل حقوقي رافض او متردد ومتذبذب في تبني كونية حقوق الإنسان يكون في كثير من اللحظات والسياقات المجتمعية عدوا لقيمها الإنسانية وأهدافها النبيلة حتى وإن كانت نواياه حسنة.