إن أوضاع التربية والتعليم في المغرب أصبحت معيارا لمدى سوء سمعة المغرب في العالم عامة ولدى المنظمات الدولية خاصة سواء منها المتخصصة أو العامة , ومنها منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية الدولية التي أصدرت تقريرا صنفت المغرب ضمنه في المركز الأخير من بين الدول العربية , بما فيها تلك التي تعاني من اضطرابات سياسية وطائفية نتجت عنها حروب ودمار , احتل فيه مرتبة متأخرة جدا في تصنيف البلدان التي تتوفر على احسن المدارس في العالم حيث حازت المملكة المغربية المرتبة 73 من بين 76 دولة شملها التصنيف الذي يرصد وضعية المدارس في العالم . ان هذا التقرير يعتبر مع الأسف الشديد شهادة على مدى تخلف هذا الوطن الحبيب في حقل التربية والتعليم الذي يحسب له ألف حساب لأنه يهم ميدانا أساسيا في حياة المغاربة وركنا من أهم أركان بناء الدول وتقدمها وإدانة لجرم المسؤولين عن هذه الفضيحة التي لا تغتفر لأنها مست بحق وطن، ومواطنين فيه. بعد ما كان عليه أن يحتل مركزا جد متقدم لأنه دولة استقلت منذ ما يزيد عن ستين سنة وجعلت في بداية استقلالها من التعليم دعامة رئيسية للتنمية، والتقدم ،وبوأته مكانة معتبرة في برامجها ، واعتبرته من أولويات البلاد لما رصدت له من ميزانيات ضخمة على مر السنين فاقت البلايير بل فاقت في نسبتها من الميزانية العامة للدولة ،ما تم تخصيصه من نسب للدفاع الوطني ولاسترجاع الصحراء المغربية , ولأن المغرب بفضل الله كان دائما بلاد العلم ومغرب التربية ويتوفر على كل المؤهلات التي من شانها أن تبوءه المكانة المتقدمة في هذا المجال , وعلى كل شروط تحقيق الحلم من موارد بشرية متوفرة منفتحة ومتعلمة الى إمكانات مالية ومادية بالإضافة إلى الطموح الذي كان لا حد له والتصميم الذي كان قويا على تحدي مخلفات الاستعمار التي أرادها لنا في الامية والتخلف الفكري والاجتماعي وتجاوز كل أسباب الصراع السياسي والتأخر الاقتصادي من اجل بناء وطن قوي ويضرب له كل حساب بعد تحقيق الأهداف التي سطرها الوطنيون الاحرار قبل الاستقلال وبعد تنصيب الحكومة الأولى وما تلتها من حكومات وطنية من بعد. لكن الامل يظهر أنه قد ضاع بكل تأكيد وان الكارثة قد حلت بالمغرب بعد ان حلت بالتعليم فيه وصار ميؤوسا من تحقق الحلم مع الأسف الشديد الى حد الحزن , بعد ان كان عظيما , بالنظر الى الأوضاع العامة التي يعيشها تعليمنا حاليا ويعاني منه المعلمون والأساتذة على اختلاف مستوياتهم ومواقع وجودهم سواء في الابتدائي، او الاعدادي والثانوي ، او في غالب مؤسسات التعليم العالي ويقاسي من عواقبه الوخيمة ابناؤنا في التعليم العمومي سواء على مستوى البنايات التي صارت أطلالا حقيقية ومزابل من دون مبالغة تفتقد الى شروط العمل التربوي وتلقين العلم وغير كافية مما ادى الى اكتظاظ الاقسام بشكل صار يدفع إلى الاستغراب بل وإلى الاغماء بعدما أصبح كثير منها يضم ما يفوق 60 تلميذا بل واكثر , ولا يمكنه ان يكون مقبولا للتدريس ولا للدراسة ، وأن المتوفر منها" الشبه صالح للدراسة " غير مجهز تجهيزا كافيا ولا محترما من شأنه أن يحفظ كرامة التلاميذ والمعلمين والاساتذة ويقيهم من حر الصيف وبرد الشتاء بل يجعل نسبة الهدر مرتفعة . كما ان عدد المدرسين من معلمين وأساتذة صار غير كاف وضعيفا إلى حد الخصاص المهول بما في ذلك العاصمة الرباط التي سجل خصاص في كثير من مدارسها في السلكين الاعدادي والثانوي التأهيلي بلغ 142 أستاذا , فما بالك بالحالة في المدن البعيدة وفي القرى النائية ... ؟ مما يعتبر مناقضا بشكل صارخ لشعار الجودة الذي ترفعه الوزارة الوصية ويتعارض مع مقاصد تعميم التعليم وتوسيع دائرة المتعلمين ويؤكد زيف ادعاء المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي في الارتقاء بالمدرسة. وهذا ناتج عن السياسة التي تقرر نهجها أخيرا في قطاع الوظيفة العمومية من رفض التوظيف الى القانون الجديد للتقاعد مما دفع الكثير من رجال التعليم الى الاقبال على طلب التقاعد النسبي هروبا من الاتي الذي ليس في صالحهم كما يعتقدون، ومنها ما يهم المشاكل التي صار يتخبط فيها كل رجال التعليم. بالإضافة طبعا إلى فشل المخططات التعليمية عبر السنين والاحقاب التي صرفت عليها الملايير من اموال الشعب التي ذهبت سدى وظلما الى جيوب الذين يتحملون مسؤولية افساد التعليم وانحطاط مستواه بمن فيهم السياسيون والموظفون المركزيون ومدراء الأكاديميات والنواب الاقليميون ،إلى أن صار الامر فضيحة كبرى ووصمة عار في جبين هؤلاء تحمل تبعاتها كل الوطن سواء في الداخل من خلال المصيبة التي حلت بالتعليم الي لا ريب ان السكتة في القلب لاحقة به عاجلا ولا حوا ولا قوة الا بالله او في التقارير التي يرفعها سفراء الدول الى بلدانهم وممثلو المنظمات الدولية التابعون لها . وكذلك إلى فشل المناهج التربوية المضطربة التي لا استقرار لها في الزمان والمكان وعبر التاريخ منذ الاستقلال ، سواء ما يهم فيها مواد الدراسة ومواضيعها أو لغة التدريس وبالخصوص تدريس المواد العلمية ... والمتخلفة عن الافكار الجادة والمحفزة على استعمال العقل واعمال الذهن وعن كل امكانيات الرفع من المستوى العام للمتمدرسين في كل أسلاك التعليم ، وعدم ربط التعليم بالتنمية الاقتصادية أو بسوق الشغل الذي لا وجود له بالمعنى العصري للكلمة لان سوق الشغل المغربية غير خاضعة لنظام يرضي ولا يتوفر على الشروط الموضوعية بل هي عبارة عن سوق عشوائية غير ذي جدوى و نتيجة او تحفيز بل فاسدة ومفسدة.. إن هذه الاوضاع التي اختصرتها في صورة ما سبق ، ناتجة عن سوء نية المسؤولين الذين اخذوا بزمام هذا القطاع وتدخل في اطار الصراع التاريخي بين الوطنيين وغير الوطنيين ممن تعاقبوا على حكم هذا الوطن حين صار منهم من يشرق ومنهم من يغرب فضاعت البوصلة الموجهة وضاع التعليم في بحر من الظلمات الذي يظهر انه لا خروج منه اذا لم يتم الرجوع الى الضمير واعمال العقل والتحلي بروح الوطنية الصادقة واذا لم تلتزم الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية القادمة ببرنامج حقيقي ونزيه لإنقاد التعليم والقطع مع السياسة السابقة التي تم تنفيذها في قطاع التربية والتكوين بعد فشل المسؤولون في حكومة ما بعد دستور 2011 التي عملت على القبول بالأمر الواقع وتصالحت مع اوضاعه الفاسدة بل تبنت فساده ونادت برفع يد الدولة عنه ، ليبقى تعليما طبقيا متخلفا في القطاع العام لحساب سياسة خوصصة التعليم ولصالح الرأسماليين والمتاجرين بالتعليم كالمتاجرين بالصحة وغيرها من القطاعات الحساسة والاساسية , لجعل الوطن قويا لمواجهة تحديات العصر الخطيرة التي لا يصمد امامها الا من احسن العمل ومن اخلص لله وللوطن , بعيدا عن كل تحكم او محاولة تمكن او شعباوية تفسد ولا تصلح . "! فأي تحكم واية رغبة في التمكن أفظع وأخطر على شخصية شعب ومصير وطن من افساد اوضاعه العامة في التعليم والصحة وفي الشغل والخدمات وفي صرف ميزانيات البلاد على الاستهلاك الخاص بالمسؤولين ومن تفقير المواطنين وجعل كل الوطن رهينة كل أسباب انعدام الامن والاستقرار وعرضة لكل عوامل الاجرام والضياع بعكس رغبات الشعب ومستقبل المغرب بعد رهن وطنه لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي. صورة عن الدخول المدرسي في روسيا