من المصادفات التاريخية و العجيبة أنه اذا كانت مدينة باريس تفخر و تتباهى بوجود معلمتها الحديدية الشاهقة صومعة ايفيل التي تدر عليها فوائد سياحية بمليارات اليورو ، فإن لمدينة تطوان أيضا معلمتها الحديدية المكسورة الرقبة ، المشدودة الى الأرض في حلة من البؤس و المهانة ، بل و حالة من الحزن و التباكي التي لا تسمح لهذه المدينة الأندلسية ذات الماضي المجيد أن تفخر أو تتباهى ، و إنما أن تتفجع لأن معلمتها هذه تسيئ الى سمعتها السياحية و الى حضارة أهلها بمظهرها الخرب ، كما أنها تمثل في حساب مؤشرات التنمية الوطنية و العالمية أحد الإشكالات البيئية بالمدينة التي يتحتم التخلص منها لكون وجودها على هذا الوجه من البشاعة و الاثار السلبية تسير في اتجاه معاكس لسياسة المملكة في مجال التنمية العمرانية و السياحية و المحافظة على البيئة . و الواقع ، أن كل من يزور الحي لسبب أو آخر من حماة البيئة و الغيورين على الوطن إلا و يقفز الى ذهنه السؤال التالي : هل ما زال من المسموح به الاحتفاظ أو على الأقل غض الطرف عن النقط السوداء داخل المجال الحضاري ، و بين الأحياء الآهلة بالسكان ؟ خصوصا إذا ما علمنا أن الأمر يتعلق بمقبرة و سوق لخردة الحافلات من النوع الثقيل و العملاق تقيم و تخيم ليلا نهارا بين السكان كما يبدو في الصورة . و التي أصبحت من النفايات الصلبة المعمرة التي تساهم في تكريس التلوث و نشر الاوساخ و امراض الحساسية بين السكان بالرغم من ان العالم دخل فترة الالفية الثالثة، و أصبحت قضايا البيئة و محاربة التلوث عالميا من ضمن الأولويات الأولى على اجندة الحكومات و الدول ، و المجالس المحلية و البرلمان ، بل اصبحت قضية البيئة من جملة المؤشرات التي تقاس بها مستويات التقدم و التنمية بين شعوب العالم . على أن هذا السؤال كما أصبح مشروعا بالنسبة لكل زائر و غيور، فهو أيضا قد تحول الى هاجس ملازم و مؤرق لساكنة الحي ، الذين لم يعودوا يرون مبررا لاستمرار تواجد خردة الحافلات و هياكلها المتهالكة التي اقبرت بحيهم الا أن يكون المجلس الجماعي بالمدينة قد قرر في جلسة علنية اعتماد هذه الخردة معلمة دولية أو على الأقل وطنية على غرار صومعة ايفيل أو احد متاحف السيارات العتيقة عبر العالم .. و لكن اذا كان هذا هو القرار الصادر عن السلطة الجماعية فإنه لا مانع عند السكان، غير أن الرجاء كل الرجاء لديهم، أن تتدخل المصالح الصحية بالبلدية لتنظيف المحل و تخميله و تأهيله الى مستوى أحد المعالم السياحية بالمدينة حتى لا يظن أحد السياح للمكان أنه قد أخطأ السبيل الى مدينة تطوان، و أن أقدامه قد قادته سهوا الى إحدى أحياء جيبوتي أو النيبال …؟؟