بناية (( ابي خنشوشة )) .. مهلا !! انها ليست كمزار ابي حمدوشة يقصدها النساء و العوانس يعلقون عليها تعاويذهن و يتبركون بأعتابها .. أو يسرجون الشموع عليها و يبلطون زواياها و درابيزها ، و لكنه الاسم المفضل الذي يود البعض ان يطلقه على البناية الشبح السوداء المتروكة لمصيرها التي ترسو يتيمة و ربما ارمة كسيرة بطوابقها الثلاثة وسط حي الخنيوريس و قد عالها لون احمر كالح تفوح منه رائحة من الاجور و الاسمنت العاري .. إنها .. بناية (( ابي خنشوشة ))، بل و اطلال ابي خنشوشة في القرن الواحد و العشرين و زمن الحداثة و تشابك المصالح الحضرية لتخطيط العمران و مشاريع اعادة رسم وجه المدينة و تجميلها .. و التي ما فتئت تذكر الناظرين اليها ببكاء امرئ القيس على اطلاله لمن له دراية بالشعر العربي ، فهذه البناية لو كنا في العصور الساحقة ، لربما كانت مصدرا لحكايات غريبة تحكيها الجدات لأحفادها .. و لأصبحت في مخيلة الاطفال و ذاكرة العوام ملهما لكثير من الاساطير و الخرافات عن أخوات الجن و الغيلان ، لكثرة ما امسى يلف معاطفها من وحشة رهيبة .. ولشدة هذا السواد الذي ينسج حول ثناياها من ظلام بهيم مخيف ، ينشر الفزع لدى من حوله خصوصا مع مغرب الشمس و لحاف العتمة .. لولا انارة الحي التي تضيء عتباتها الكئيبة . انها الوصمة السوداء المظلمة الكاسفة .. تكسو الحي بكآبتها و تشيع في أفقه مسحة من الخسوف المقيت الرهيب .. مدمدمة بقرب الساعة .. و ما ادراك ما الساعة !! انها بناية حي الخنيوريس التي و لدت ميتة .. الشبح الجاثم .. التي اصبحت تطل برأسها على المارة في صمت قاتل ، و ترسم احدى معالمه البشعة التي تسيء الى زقاقاته المكتظة الملتوية بعشوائياتها الضاربة في التخبط. لتقوم كنصب مقزز .. تثير الغثيان .. شعثاء غبراء مكسوفة حليفة البوم و الغربان . نعم ، انها بناية ابي خنشوشة .. و هذا هو وجه تفردها في عالم الذوق الرفيع و الجمال .. عذرا !! في عالم البشاعة و الاسفاف بحي الخنيوريس بل قل و بين معالم المدينة الحمامة البيضاء التي تحولت في شخص ابي خنشوشة الى غراب اسواد و صخرة صماء .. و من يدري.. ؟؟ فلربما في يوم ما تدخل رفقة الحي تاريخ العجائب السبع من بابه الواسع الى جانب صومعة بابل و برج ايفيل لسبب بسيط : ليس طول قامتها و إنما لهذا الذوق الرديء السمج ، والإحساس المبتذل الكئيب الذي يغرق فيه الحي حينما يبسط ابو خنشوشة اجنحته الرمادية السوداء ، و هذه الاكوام من الاتربة و الاوساخ المتجمعة التي يقف عليها .. و هذه المظاهر البئيسة من الاهمال التي توشك ان تهدد الوضع الصحي للحي بكامله .. و هذا المشهد المستفز المقزز و ما يطفو على وجه ابي خنشوشة الشاحب و مداخل بنايته و نوافذها و شرفها المفجوعة من ثقوب سوداء تعيد ذكرى ثقوب الفضاء الرهيبة التي تبتلع كل شيء يقف في طريقها . انها البناية الرفيقة لحينا .. تطالعنا كل يوم بوجهها و هامتها الذميمة .. المسكينة السيئة الحظ .. و كأنها عجوز شمطاء في مقتبل عمرها تقف منذ امد ، و هي متأملة في عواقبها كجبل ابن خفاجة الشاعر الاندلسي. لكنها ترسو في حالة من البؤس و الاسى تندب حالها لما اصابها من الهجران و النسيان ... و لهذا الوجه الذميم القميء التي امست تنغص به على الحي و اهله و ساكنته .. ؟ بقلم : ابو النصر