(سيدتي نحن بغايا مثلكِ..يزني القهر بنا..والدينُ الكاذِبُ..والفكرُ الكاذبُ..والخبزُ الكاذبُ..والأشعارْ ولونُ الدَمِِ يُزَوَّرُ حتى في التَأبينِ رَمادِياً..).. هكذا خاطب الشاعر الحارق والمحترق "مظفر النواب" إحدى "بائعات الهوى" في قصيدته المشتعلة "في الحانة القديمة"..وهو يوسع ما تقوم به تلك السيدة الضائعة بين أدرع الرجال..لماذا ؟؟..لأنهم رجال وهي امرأة..هم الذكورة وهي الأنوثة..هم القوة والصلابة وهي الضعف والهشاشة..لكن الذي لا ننتبه له هو أن الذكورة والقوة والصلابة أوهام "الرجل" التي يبني عليها وهمه الأكبر "الرجولة"..هي سمات ترتد على نفسها وتشطر "رجل" المجتمع الذكوري الهرمي إلى شطرين: أنثى وذكر..هو ذكر على مَنْ هم أدنى منه في سلم القوة الهرمية في المجتمع الاستبدادي..وأنثى مع مَنْ أعلى منه في نفس السلم..أين الرجولة في ذلك الذي يعمل خادماً في بيت السلطة عند سيده وحاكمه ؟؟..أين الرجولة عند الذي يبيع "روحه" لحاكمه؟..يبيع صوته أو قلمه لحاكمه أو لأرباب المال والسلطة ؟..حتى الحاكم نفسه تجده ذكراً على شعبه وأنثى أمام أقوياء العالم..هنا نجد الذكورة والأنوثة تتلون وتتعدد في عالم استبدادي تحكمه ثقافة وقيم "الذكورية"… واهم من يعتقد أن "الدعوة" لتحرير المرأة هي دعوة تخص "المرأة" بصفتها "كائناً أنثوياً"..إنها دعوة تخص المرأة بصفتها "مواطنة" وتخص..أيضاً..المجتمع برمته..ترمي إلى تحريره من الاستبداد وأوهام القوة..دعوة لإقامة المجتمع الديموقراطي الذي يقوم على الإقناع وليس القهر..على الاحترام وليس الإخضاع.. مجتمع تعميم المسؤولية التي تستدعي الحرية والكرامة..وسيادة القانون والحق على الجميع دون استثناء..وماذا عن القوة والصلابة؟؟.. علينا الاعتراف أن للمرأة..عبر التاريخ..قوتها وصلابتها..لها حكمتها ورزانتها..ففي المعارك والمحن كانت ولا تزال مقاتلة شرسة..وفي البناء كانت ولا تزال قادرة على تحمل المسؤوليات..ومن يحتقرها لا يحتقر المرأة..بل يحتقر "صورته" البئيسة عن المرأة..تلك الصورة التي رسختها في دهنه ثقافة "المجتمع الذكوري الاستبدادي"..من يحاول كسر كرامة المرأة إنما يحاول كسر كرامة المجتمع برمته..لأن المجتمع بأكمله رضع من ثدي "المرأة"..وتدفأ في حضنها..قبل أن يفتح عينه على العالم..