عرف مصطلح الحكامة في السنوات الأخيرة تداولا واسعا وانتشارا ليس له مثيل من طرف المنظمات الدولية، وكذا في مجال العلوم الاجتماعية والسياسات العامة، كإحدى الوسائل الحديثة لبلوغ الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي وذلك في أفق تحقيق التنمية المستدامة. كما تعد مفهوما قويا المفهوم بضبابيته. والحكامة بالإضافة إلى كونها مطلبا دوليا، حقوقيا وسياسيا، هي كذلك بالأساس مطلب تدبيري وتنموي اقتصادي واجتماعي وبيئي وثقافي، هكذا تشكل ركيزة استراتيجية للمقاربة الجديدة للتنمية المستدامة في عموميتها وتعقيداتها ورهاناتها. وبالرغم من إشكالية التعريف وتدقيق المفهوم وتعدد زواياه والمقاربات المعتمدة، يمكن القول على أنها أسلوب جديد في الحكم تعتمده الدولة من خلال مؤسساتها المختلفة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك في تناغم تام مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، إنها بعبارة أخرى قدرة الدولة على التدبير الجيد للموارد والتزامها بضمان حقوق الناس. ولكي تتمكن الحكامة المحلية من أن تكون في مستوى تطلعات المواطنين والسلطات العمومية وفي مستوى التحديات التي تنتظر المجتمع، فإنه يتعين القيام بإعادة تأهيل حقيقي سواء من طرف الدولة أو من طرف الجماعات المحلية نفسها، وكذا من طرف كافة الشركاء، ذلك أن الجماعات المحلية تمثل اليوم فاعلا وشريكا حقيقيا لتحقيق التنمية إلى جانب الفاعلين الآخرين، وذلك بفضل الإصلاحات العميقة التي شملت جميع المجالات والتي من شأنها إنعاش اللامركزية ومنحها قوة نوعية. إن ضعف مؤشرات التنمية المحلية يمكن ردها إلى مجموعة من العوامل المتعددة والمتداخلة التأثير، وهي إما سياسية اقتصادية اجتماعية أو إدارية، وهذه العوامل تجد ترجمتها في ضعف وغياب الحكامة المحلية. وهكذا، فالجماعات المحلية استفادت من تجديد النخبة التي تسيرها ومن الإصلاح الشامل للإطار القانوني المنظم لها، ومن توسيع اختصاصاتها وتعزيز مواردها المالية، والتخفيف من سلطة الوصاية وإقرار وصاية القرب، كل ذلك في سبيل تحقيق تنمية محلية. إن التنمية المحلية تحمل بين طياتها العمل على استنفار تعبئة كل الإمكانات والموارد والطاقات المتوفرة بمجال محلي معين، بهدف خلق وتطوير أنشطته الإنتاجية وتحسين مستوى عيش جميع سكانه وإحلال اللامركزية في التخطيط والقرار، فلا تنمية وطنية أو جهوية في غياب تنمية محلية فاعلة وفعالة. تلك التنمية المحلية التي تعد صيرورة وتطوير وسائل وموارد وحدة مجالية سوسيواقتصاديا وسياسيا وثقافيا بتفاعل جميع مكونات المجال وذلك لتمكين الساكنة من وضع أحسن. وهكذا يمكن لنا أن نتساءل عن ما العلاقة بين مفهوم الحكامة المحلية والتنمية ؟ الحكامة والتنمية إلى أين ؟ كيف يمكن تحقيق تنمية تؤسس لحكامة محلية جيدة وفي مستوى التطلعات؟ هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال محورين: أولا: الحكامة المحلية والتنمية: العلاقة والإشكالات: إن مفهوم الحكامة تطور بموازاة مع تطور مفهوم التنمية، لا سيما لما انتقل محور الاهتمام من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي ثم إلى التنمية الإنسانية، وذلك عندما تبين بجلاء أن تحسين الدخل القومي لا يعني تلقائيا تحسين نوعية حياة المواطنين ومستوى عيشهم. ليظهر مفهوم الحكامة بجلاء عندما أضحت التنمية مرتبطة بالتكامل بين النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والبيئي، ومستندة على العدالة في التوزيع والمشاركة، أي التنمية المستدامة التي بدونها لا يمكن تحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية بشرية مستدامة. وبالتالي فالحكامة المحلية كمفهوم جديد لتدبير الجماعات المحلية، باعتبارها الرهان الأهم وأحد المحاور ذات الأولوية في تدبير الشأن المحلي، خاصة في ظل ما تتضمنه من تدبير سليم للمالية المحلية وتثمين بالغ للموارد البشرية للجماعات. وبالفعل فقد تجسدت، ومن خلال مجموعة من المبادرات الوطنية، إرادة السلطات العمومية في تعزيز الحكامة المحلية الجيدة للكيانات اللامركزية بغرض تأهيلها في اتجاه تقديم خدمات تتميز بالجودة لفائدة المواطن، وتحفيز انخراطها على نحو أكثر فاعلية في التنمية المحلية. إن قضايا التنمية أصبحت الهاجس الأكبر لكل الدول والجماعات المحلية، ومع ذلك لازال البون شاسعا بين واقع متردي والانخراط في تطبيق برامج شاملة إصلاحية وهيكلية وتنظيمية. فالجماعات المحلية التي نجحت في قيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي تلك التي تتوفر على القدرة والكفاءة في تنظيم وتعبئة على الفاعلين حول مشاريع مشتركة. ولذلك، فإن الحكامة المحلية مكون أساسي في مسلسل هذه التنمية، وذلك لارتكازها على إدماج مختلف الفاعلين في مشروع تشاركي شمولي، للاستفادة من الموارد التي من شأن هؤلاء الفاعلين المحليين توفيرها. وأصبح التعاون أهم مجالات استثمار هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين، و مجالا لتقوية دينامية التعاون والتنسيق المحلي، خاصة وأن الانفتاح على المجال الخارجي للتراب يفرض حدا أدنى من تنظيم هذا التراب من أجل تثمين الموارد المحلية وتطوير القدرة التفاوضية مع الشركاء الخارجيين. وتهدف كذلك أولا وقبل كل شيء إلى الوصول إلى ضمان تنمية مستدامة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. و حيث تتصل الحكامة بتطبيق خيار اللامركزية واللاتمركز في الفضاء المحلي، وتحسين إدارة الحكم عبر تعزيز المساءلة والمشاركة والشفافية، ولذلك فإن الحكامة المحلية الرشيدة، بالإضافة إلى ما سبق، فإنها تتعزز بجملة من السياسات والمقومات السياسية والتمويلية والإدارية. وإن مجهودات التحديث والدمقرطة لا تتأتى إلا بالمشاركة المكثفة للساكنة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني عن طريق الديمقراطية التشاركية، وفي إدارة مميزة تشجع انخراط المجتمع المدني بفعالية لكونه طرفا فاعلا في عملية التغيير المنشودة، وفتح المجال أمامه لتحمل المسؤولية في اتجاه تبني مبادئ التفاوض والإشراك والتشارك لإبراز مؤهلات الإبداع والخلق. والحكامة كونها آلية لتحسين وتدبير قطاعات الدولة، ينبغي أن يتمحور كل ذلك حول النتائج التي توضع في إطار الأهداف المرجوة، خاصة عبر تحميل المسؤولية للمشرفين على هذا التدبير ولأهداف محددة مسبقا ومنظمة بواسطة مؤشرات الفاعلية، وبما أن الهدف من الحكامة هو التحسين ووضع آليات للتدبير الرشيد والجيد لمكونات الدولة وقطاعاتها، ومن هذا المنطلق تتجلى العلاقة بين الحكامة المحلية و التنمية. فلا يمكن أن نتحدث عن الحكامة المحلية دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية، ولا وجود للحكامة المحلية إلا في ظل الديمقراطية. كما أن الأبعاد الجديدة للتنمية والتي تندرج ضمن الأبعاد الحقوقية والمتمثلة في الحق في التنمية وكذا تعزيز الديمقراطية و الحكامة المحلية الجيدة. إن غياب الحكامة المحلية الرشيدة من حيث الديمقراطية المحلية والشفافية والمسؤولية واحترام القانون، يكرس وضعا مزريا وهو الذي تعرفه الجماعات المحلية والدلائل عليه كثيرة، فكان من اللازم أن تأتي إجراءات وتدابير تعالج هذه الإشكالية، ومن ثم تحقق التنمية المحلية، والتخليق والحكامة الرشيدة والديمقراطية. من هذا المنظور، تتأكد حقيقة أن الحكامة المحلية شرط جوهري لا محيد عنه لتحقيق التنمية الشاملة للجماعة وللبلاد ككل، وسبيل لتعزيز الديمقراطية التشاركية التي تفضي بدورها إلى تحديد الأهداف وتحسم في مدى فاعلية تحقيقها، كما تستدعي بالضرورة انخراط الفاعلين المحليين في مختلف مراحل إعداد وتنفيذ برامج التنمية، حيث أنه وبرغم التطورات الحاصلة على مستوى النصوص التشريعية الهادفة إلى تفعيل الحكامة المحلية وإدماجها في السياسات العمومية والتدبير على مستوى الجماعات المحلية، فلا بد من تجاوز معيقات أساسية من قبيل حاجات الجماعات المحلية للإمكانيات والموارد المالية الضرورية وافتقارها للدعم وسلبيات التقطيع الترابي ومركزية القرارات وسلطات الوصاية وتأهيل المنتخبين المحليين وكفاءة الإدارة الجماعية. (يتبع….)