ذ. المعاشي محمد، باحث مختص في القانون الاجتماعي إذا كانت مدونة الشغل تسعى من خلال تدخل المشرع المغربي لحماية الأجير كطرف ضعيف في المعادلة الشغلية، لأنه إذا ترك هذه الفئة تحت إرادة أصحاب رؤوس الأموال، قد يلجأ هؤلاء إلى فرض شروط جائرة في حقهم[1]، فإنه خول للمشغل سلطة الإدارة والتأديب، حفاظا على تطبيق النظام الداخلي للمقاولة أو المؤسسة على الأجراء، وخلافا لذلك قد يلجأ المشغل من توقيع جزاءات في حالة ارتكاب أحد الأجراء لأخطاء ومخالفات من شأنه عرقلة سير عمل المقاولة أو المؤسسة، وهناك حالات التي قد يتخذ فيها المشغل عقوبات تأديبية في حق الأجراء خارج عن الأخطاء المرتكبة. هذه الجزاءات تندرج من خلال السلطة التأديبية الممنوحة للمشغل من طرف المشرع المغربي والتي قد تصل إلى حد الفصل من الشغل، سواء كان الفصل فرديا ناتج عن خطأ جسيم أو خطأ غير جسيم، أو قد يكون الفصل جماعيا بصرف النظر عن هذه الأخطاء التي قد يرتكبها الأجير، وذلك لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولة. ويعتبر الفصل من أخطر العقوبات التي قد يتخذه المشغل في حق الأجير، والذي يعد من بين الوسائل القاتلة لتهديد استقرار علاقة الشغل، وآثار الفصل قد ينتقل إلى وسطه الأسري، وهذا ما دفع بالمشرع المغربي بالحد من السلطة التأديبية المطلقة للمشغل في ظل مدونة الشغل، وذلك عن طريق توفير مجموعة من الضمانات التي توفر حماية عادلة للأجراء في مواجهة عقوبة الفصل، وإلزام المشغل باحترام لمساطر وإجراءات قانونية خاصة. و سنعمل على تقسيم المقال إلى أربعة أجزاء: الجزء الأول: سنتناول فيه لكل من: 1. وجوب احترام المسطرة القانونية من طرف المشغل 2. تحديد السلطة التأديبية للمشغل 1. الفصل الفردي الناتج عن الخطأ غير الجسيم الجزء الثاني: سنتطرق فيه لكل من: 2. الفصل الفردي الناتج عن الخطأ الجسيم 3. الاجراءات المسطرية الواجب اتباعها في حالة الفصل الفردي الجزء الثالث: سنتناول فيه لكل من : 4. المسطرة الخاصة بفصل مندوب الأجراء والممثل النقابي وطبيب الشغل 5. مراقبة السلطة القضائية للسلطة التأديبية للمشغل الجزء الرابع: سنتطرق فيه لكل من: 1. مسطرة الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولة 2. حماية حقوق الأجراء في الفصل الجماعي 3. معايير الفصل الجماعي أولا: السلطة التأديبية للمشغل في حالة الفصل في إطار العلاقة الشغلية التي تربط المشغل بالأجير، منح المشرع المغربي للمشغل حق توقيع العقوبات التأديبية على أجرائه، كلما عمدوا على ارتكاب أخطاء داخل المقاولة أو المؤسسة أثناء مزاولة لعملهم، هذه العقوبات قد تكون يسيرة يمكن للمشغل تجاوزها، كما يمكن توقيعها والتي تصل إلى حد الفصل. ويعتبر الفصل من الشغل أخر عقوبة تأديبية، إذ يصنف ضمن الإجراء الأشد خطورة، لأنه يحرم الأجير من عمله، بسبب ارتكابه لخطأ، أو بسبب تماديه في ارتكاب الخطاء، لكن هذا الحق الذي خوله المشرع للمشغل ليس بالمطلق، بل قيده وألزم عليه احترام المسطرة القانونية. إذا كان المبدأ القائم في ظل قانون الشغل السابق هو حق المشغل في اتخاذ كل العقوبات التأديبية دون وجوب إحترام مسطرة معينة، كما أن الأجير الصادر في حقه للعقوبة ليس له الحق في مناقشتها، فإنه في ظل مدونة الشغل الحالي لم يعد من حق المشغل أن يفصل الأجير متى أراد وبالطريقة التي يريد بها، بالرغم من السلطة التأديبية التي يتوفر عليها، فهو ملزم باحترام المسطرة القانونية،حيث أن المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الشغل تحد من حق الانهاء وتعاقب الفصل غير المبرر، تثبيتا لمبدأ استقرار الأجير في شغله، ودعما للتنمية الاجتماعية التي تنتج عن ذلك الاستقرار. إن نجاح المقاولة أو المؤسسة رهين بالدور المنوط بالرأسمال البشرية، من مستخدمين وأطر، للقيام كل في نطاق إختصاصته المهنية، وبالعمل على أحسن وجه، حيث لهم حقوق وعليهم واجبات، في إطار التبعية القانونية التي تربطهم بالمشغل، وقد عززها المشرع بمجموعة من العقوبات التأديبية والتي توقع بحسب نوعية الأخطاء والمخالفات المرتكبة من طرف أحد الأجراء. والعقوبات التأديبية يمكن أن يوقعها المشغل على أجراء المقاولة أو المؤسسة نتيجة الأخطاء التي يرتكبونها، ونتيجة كذلك إخلال الأجراء بوجباتهم المهنية، أو القيام بأعمال يتعارض مع ما تفرضه قواعد حسن النية[2] أثناء تنفيذهم للإلتزامات العقدية، أو الإخلال كذلك بمقتضيات النظام الداخلي أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو نتيجة أسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولة، وهي كلها تدخل في مجال السلطة التأديبية للمشغل. وأساس السلطة التأديبية التي يتمتع بها المشغل عرف إختلافا من طرف فقهاء القانون الاجتماعي[3]، وأهم التيارات الفقهية هي تلك التي تبني السلطة على نظرية التبعية القانونية التي تنتج مباشرة من عقد الشغل. كما أن السلطة التأديبية المخولة للمشغل في ظل مدونة الشغل خضعت لقيد من طرف المشرع، بعد أن عمل على الحد من سلطته وحصرها، وذلك حماية للأجير كطرف ضعيف في العلاقة الشغلية. لقد عمل المشرع المغربي على حصر حالات الفصل المحتملة في المادة 35 من مدونة الشغل التي نصت على أنه (( يمنع فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا يكفاءته أو بسلوكه في نطاق الفقرة الأخيرة من المادة 37 والمادة 39 أدناه، أو تحتمه ضرورة سير المقاولة في نطاق المادتين 66 و67 أدناه)). وفضلا عن ذلك، حدد المشرع المغربي بعض الحالات التي يعتبر الفصل بسببها تعسفيا، والتي تعتبر من أهم مستجدات مدونة الشغل بخصوص شرط عدم التعسف على الأجير في إنهاء العلاقة الشغلية، حيث نصت المادة 36 من مدونة الشغل على أنه ((لا تعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوبات التأديبية أو للفصل من الشغل: واستقراءاً لهذه المادة، نجد أن التعداد جاء على سبيل الحصر، مما ترك الباب مفتوح للاجتهاد القضائي في اكتشاف حالات أخرى مشابهة لها والتي تتصف بطابع التعسف[4]، في الوقت الذي نجد قانون العمل الأردني يوجب على صاحب العمل الذي يستخدم 15 عاملا فأكثر، أن يضع لائحة العمل والجزاءات التأديبية التي يلتزم بها كل من العمال العاملين بالمؤسسة وأيضا صاحب العمل، حيث لا يجوز له أن يوقع على العامل جزاءا غير ما هو منصوص عليه في اللائحة[5]. وإنهاء العلاقة الشغلية تختلف بحسب العقد المبرم بين الأجير والمشغل، سواء كان العقد محدد المدة، والذي ينتهي بصفة تلقائية بانتهاء الأجل المتفق عليه[6] ففي هذه الحالة يغيب أجل الإخطار، أو العقد غير محدد المدة[7] الذي قد ينتهي وفق الأسباب المشتركة لإنهاء العقد، كانقضاء العقد بسبب الوفاة أو القوة القاهرة التي قد تؤدي إلى استحالة تنفيذ العمل بصفة نهائية[8]. وقد يلجأ المشغل إلى فصل الأجير، لعلها أخطر العقوبات، لكن شريطة إحترام المشغل أجل الإخطار الذي حدده المشرع كحد أدنى الذي لا يجوز النزول عنه وهو ثمانية أيام، حيث تنص الفقرة الرابعة من المادة 43 من مدونة الشغل على أنه ((يكون إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة، بإرادة منفردة، مبنية على احترام أجل الإخطار، وما لم يصدر خطأ جسيم عن الطرف الاخر. ينظم أجل الإخطار ومدته بمقضى النصوص التشريعية، أو التنظيمية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو العرف. يكون باطلا في جمبع الأحوال كل شرط يحدد أجل الإخطار في أقل من ثمانية أيام. يعفى المشغل والأجير من وجوب التقيد يأجل الإخطار، في حالة القوة القاهرة)) . ويختلف فصل الأجير عن عمله، حول ما إذا كان الفصل فرديا أو الفصل جماعيا، وسواء كان قانونيا أو تعسفيا. ثانيا: الفصل الفردي الفصل الفردي قد يكون نتيجة خطأ غير جسيم، كما قد يكون نتيجة خطأ جسيم. لقد خول المشرع المغربي للمشغل إمكانية توقيع عقوبة تأديبية نتيجة الخطأ غير الجسم والتي تعتبر ضمن السلطة التأديبية التي يتوفر عليها، رغم أن التشريع المغربي كغيره من التشريعات الأخرى، لم يعرف الخطأ غير الجسيم، وإن كان قد نظم أحكام العقوبة المطبقة على الأجير في حالة إرتكابه لخطأ غير جسيم من خلال المادة 37 من مدونة الشغل التي حاول فيها مراجعة هذه المادة والمواد الأخرى، و أن يبين بوضوح تفادي عيوب التشريع السابق الذي كاد يخلو من أي قيد يحد من السلطة التأديبية للمشغل[9]، فعمل على تحديد العقوبات التأديبية في هذه المادة حيث تنص المادة 37 على أنه ((يمكن للمشغل اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم: 1. الإنذار؛ 2. التوبيخ ؛ 3. التوبيخ الثاني، أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام؛ 4. التوبيخ الثالث، أو النقل إلى المصلحة، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء، مع مراعاة مكان سكنى الأجير. تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين 3و4 من هذه المادة مقتضيات المادة 62)). بعد استنفاذ جميع هذه العقوبات التأديبية السالفة الذكر داخل السنة وعلى أساس مبدأ التدرج في العقوبة، يمكن أن يقوم المشغل بفصل الأجير، حيث يعتبر الفصل حينئذ فصلا مبررا حسب نص المادة 38 من مدونة الشغل التي تنص على أن ((يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة، ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبة داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير؛ ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصلا مبرراً)). وبرجوعنا إلى الفقر الثالثة من المادة 37 من المدونة، أن المشرع المغربي إذا أصبغ حماية خاصة على الأجراء العاملين في جميع القطاعات التي تسري عليها مقتضيات مدونة الشغل، بتحديد مدة التوقيف القصوى في ثمانية أيام، فإن هناك استثناء وارد في المادة 12 من مدونة الشغل ويتجلى ذلك في حالة مخالفة الأجير لأحكام الفقرة الأولى من المادة 9 من مدونة الشغل، حيث تنص هذه الفقرة على أنه ((يمنع كل مس بالحريات والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها لعمل كما يمنع كل مس بحرية العمل بالنسبة للمشغل والأجراء المنتمين للمقاولة))، في هذه الحالة تتخذ في حقه عقوبة التوقيف لمدة سبعة أيام( 7 ) فقط وفي حالة تكراره لنفس المخالفة خلال السنة تتخذ في حقه عقوبة التوقيف لمدة خمسة عشر (15) يوما، لكن في حالة تكرار نفس المخالفة للمرة الثالثة، يمكن فصله نهائيا عن الشغل. فتحديد المدة القصوى للتوقف عن العمل من طرف المشرع، جاءت لتحد من السلطة التأديبية للمشغل حتى لا يعمد المشغل إلى توقيف الأجير عن عمله بصفة مؤقتة وإلى أجل غير مسمى (وما أكثرها كانت تمارس في حق الأجراء، وبالخصوص قبل صدور مدونة الشغل) حيث تضر بالحالة المادية للأجير إلى درجة الشعور بالبطالة، وخاصة وأنه لا يسمح للأجير بالعمل خلال هذه الفترة التأديبية[10]. كما نلاحظ من خلال مضمون مقتضيات المادة 37 السالفة الذكر، أن العقوبات التأديبية الواردة فيها غير إلزامية، بحيث أن المشرع إستهل النص بعبارة "يمكن" وليس "يجب " مما يعني أن المشغل غير ملزم بتطبيق هذه العقوبات أو بعبارة أخرى أن تطبيق العقوبات الواردة في المادة 37، هي مجرد رخصة للمشغل لا غير، إذ يمكن أن يعمل على تطبيقها أو يمكن أن يتغاضى عنها[11] مع إمكانية استبدالها بعقوبات واردة في النظام الداخلي أو اتفاقية الشغل الجماعية للمقاولة أو المؤسسة، وعليه يصبح مبدأ التدرج في العقوبة في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم غير ملزم اتباعه، وهذا بخلاف المشرع المصري من خلال المادة 60 من القانون رقم 12/2003[12] الذي عمل على تحديد لائحة الجزاءات في ثمانية على سبيل الحصر، وعمل على منع صاحب العمل أي المشغل بتنصيص على جزاءات غير الجزاءات المنصوص عليها قانونيا. لكن، حتى وان عمل المشغل على توقيع العقوبات الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل المغربي، فإن توقيع مبدأ التدرج في ترتيب العقوبات هي ضمانة أساسية بالنسبة للأجراء خصوصا بالنسبة للذين تكثر أخطائهم، وخاصة أمام المخاطر التي تعرفها المقاولات والمؤسسات التي همها الوحيد هي الربح، وذلك حينما يعمل المشغل على إسناد مسؤوليات للأجراء في غياب تكوين مستمر المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 23 من مدونة لشغل، أو تسند لهم مسؤولية لا تتطابق مع تكوينهم الأصلي. في اعتقادنا أن فصل الأجير نتيجة خطأ غير جسيم بعد استنفاذ العقوبات الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل داخل السنة، هو تسريع واستعجال من طرف المشرع ويكتنفه نوع من الغموض، بحيث على ماذا يستند المشغل كي يفصل الأجير، لأن إرتكاب الأجير للمخالفة الرابعة سيعاقب إما بالتوبيخ الثالث، أو النقل إلى المصلحة، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء، وبتوقيع الأجير بإحدى العقوبتين يكون الأجير قد عوقب قانونا للمخالفة الرابعة من المادة 37، إذا لا مجال لتطبيق عقوبة الفصل، اللهم إذا إرتكب الأجير لمخالفة خامسة، أما توقيع عقوبيتن من أجل مخالفة واحدة لايجوز طبقا للقواعد العامة، وقد اعتبره القضاء المغربي مخالفا للقانون[13]، لذا نعتبر إلى جانب بعض الفقه[14] على ما أقدم عليه المشرع المغربي يعتبر سهوا منه وجب تداركه. في الوقت الذي اعتبر المشرع المصري في قانون العمل 12/ 2003 من خلال المادة 68، على أن توقيع جزاء الفصل من الشغل كعقوبة تأديبية هو من أحد صلاحيات لجنة ذات إختصاص قضائي[15]، فلا يجوز لصاحب العمل أي المشغل أو مدير المنشأة فصل العامل، وإلا كان القرار باطلا لصدوره من غير مختص. سنتطرق في المقال المقبل كجزء ثاني لكل من: 1. الفصل الفردي الناتج عن الخطأ الجسيم 2. الاجراءات المسطرية الواجب اتباعها في حالة الفصل الفردي