مصطفى سلمة ولد سيدي مولود يدشن اللاجئون الصحراويون سنتهم التاسعة و الثلاثون بعيدا عن أرضهم، في ركن من التراب الجزائري اتخذوه ملاذا من هول حرب عمت كافة ارجاء اقليمهم الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولم يكن يدر في خلد اي منهم بأنه ستنقطع به السبل و تمر عليه السنوات الواحدة تلو الاخرى في ارض الحمادة الجزائرية التي تعد من أقسى مناطق الارض طبيعة ومناخا، ينتظر الوالد متى يحين موعد إذنه بزيارة أسرته، و تنتظر الوالدة متى تحين عطلة اطفالها كي تقر عينها بهم وقد تنتظر أشهرا و سنة و سنوات وقد يمضي عقد من الزمن دون أن تتمكن أسرة من الاجتماع مشتملة، كما مضت عقود من الصبر على ثنائية سوء الطبيعة و المعاملة، تحملوها في انتظار حلم ظلت جبهة البوليساريو تكرر بأنه سيتحقق غدا، و تشحذ الهمم بعبارات حفظها كل الصحراويين: الاشهر القادمة حاسمة.. العدو يتخبط في الازمات و سينفجر من الداخل..الحليف قوي..اولئك معنا و هؤلاء اعترفوا بدولتنا. و كان السؤال عن حياة شبه طبيعية في زمن الحرب هو نوع من الخطيئة، و إن كان اللاجئ أصلا هو إنسان مدني فر من ظروف سيئة من أجل العيش في ظروف أفضل. و بعد أن وضعت الحرب أوزارها و انقشعت سحب الدعايات البراقة ، وتحولت الشعارات من التحرير الى تقرير المصير، لم يتغير شيء من واقع الانسان الصحراوي اللاجئ في دولة بترولية . ففي الوقت الذي تمر فيه أعمدة كهرباء حليف المنظمة و حاضن المخيمات بين الخيم في اتجاه القواعد العسكرية التي تحاصر المخيمات، ولا يستفيد منها غير مقرات قادة منظمة البوليساريو في الرابوني و خيامهم في مدرسة 27 فبراير، لا زال سكان المخيمات يوقدون بالشموع أو ما تبرعت به العائلات الاسبانية من ألواح طاقة شمسية على أسر الاطفال الصحراويين الذين حولتهم البوليساريو الى وسيلة استرزاق تتسول بهم كل صائفة تحت غطاء التخفيف من أثر اللجوء. و الماء الذي تتكفل به المفوضية السامية لغوث اللاجئين وتصرف ملايين الدولارات في توفيره ينتهي الى المستفيد في برميل حديدي لا تمر عليه أشهر حتى يختلط ماؤه و صدؤه. يقيم اليوم اللاجئون الصحراويون حصيلة اربعة عقود من تشردهم ب (0)، حالهم كما لو كانوا نزحوا بالامس، فلا المخيمات دعمت ببنى تحتية للرفع من حياة الانسان، ولا الاراضي التي تسميها البوليساريو محررة أعمرت ليعود اليها أهلها، و لا طريق العودة الى أرض الوطن غرب الحزام يسرت، فالبوليساريو تجرم سالكها و تعتبره خائنا، و المغرب سد كل الابواب و لم يترك غير باب قنصلية انواذيبو التي يطول انتظار قاصديها من سكان المخيمات للموافقة على عودتهم، و مفوضية غوث اللاجئين بسبب منعها من طرف السلطات الجزائرية من مزاولة مهامها في احصاء اللاجئين الصحراويين فوق أراضيها و اجراء مقابلات معهم حول رغباتهم، لا تستطيع التدخل لمساعدة أي صحراوي على العودة الى وطنه حتى و إن تقدم الى مكاتبها بطلب رسمي. ورغم أن كل العالم منشغل بالقضية الصحراوية، إلا ان الكل ينسى اهلها، و اول من نسيهم هو من يدعي انه ممثلهم و من يدعي بانه يدافع عنهم، فالاثنين البوليساريو و الجزائر تشتد قبضتهم على خنق حرية الصحراويين يوما بعد يوم، وتزداد اهانة أجهزتهم الامنية لسالكي المعابر من و الى المخيمات و بين المخيمات، حتى صار سكان المخيمات اليوم لا يعرفون ماهو مسموح لهم مما هو محرم، فقد ألفتهم السلط التي تحكمهم بالعقاب الجماعي. فمثلا لأن المهربين يستخدمون سيارات تعمل بالبنزين حرم على الصحراويين امتلاك سيارات تعمل بالبنزين، ولأن هناك من يمتهن تهريب المازوت و أغلبهم من الجزائريين سكان مدينة تيندوف عوقب الصحراوييون بالمنع من التزود بأكثر من 20 لتر من المازوت في خلاء مترام لا توجد فيه محطة بنزين واحدة، وقبلها حرم ادخال الشاحنات لأن هناك من يهربها الى المدن الجزائرية، و آخر العقوبات هي منع تجار المواشي الذين احضروا ماشيتهم للعيد و لم تبع من العودة بها الى مراعيها في زمور، و تحريم ادخال قطع غيار السيارات الى المخيمات حتى من داخل الجزائر نفسها، و لكن في مقابل ذلك لا حرب على المخدرات و السجائر ولا على سارقي المال العام و لا على فساد القادة و من تربطه علاقة بهم. وعن نفسي فلست إلا واحد من هؤلاء المشردين الذين يحلمون بالاستقرار ذات يوم، و مثل غيري من الشباب الصحراوي ممن تفتحت اعينهم على المخيمات و ال: بير لحلو و التفاريتي و مهيريز و ميجك وآغوينيت و الدوكج وزوك، الاراضي الصحراوية التي تدعونا البوليساريو بين الفينة والاخرى للاحتفال فيها لاثبات للمغرب بأنها مناطق محررة، ذات الاراضي التي لم يتغير حالها كحالنا و حال المخيمات رغم مرور أزيد من عقدين على وقف اطلاق النار، و نص قرارات مؤتمرات البوليساريو الاربعة الاخيرة على ضرورة البدء باعمارها، و ازيد من عقد على أنشاء وزارة اعمار المناطق المحررة في هيكلة البوليساريو و تلقي ملايين الاوروهات من المنظمات الداعمة لبناء مساكن و مرافق في تلك المناطق لم يظهر منها شيء حتى الساعة. كنت أشك بأن الاعمار لن يتحقق و انه مجرد شعار لجلب الدعم مثلما هو الدستور الذي يحكم سكان المخيمات مجرد وثيقة للتسويق الخارجي كما هي الديمقراطية و منظومة العدالة و دور المراة الفاعل في تسيير المؤسسات. لكن في محنتي الجديدة بعد أن أبعدت رغما عني و أجبرت على رؤية مشروع البوليساريو من الخارج رغما عني أيضا، أيقنت بأنه مجرد مشروع كبير للتسول، و أن حتى الأرض التي يدعون بأنها تحت أيديهم ( محررة )، لا يمكن ان تكون بديلا عن اللجوء، لأنها تفسد مشروع التسول إذ سيتحول اليها ساكنة المخيمات و يبتعدون عن بيت الطاعة فوق التراب الجزائري، و لن يعود هناك ما نسوقه الثيادة و الجزائر. و لأني مثل كل اللاجئين الصحراويين مجرد ضيف بدون حقوق منذ قرابة ثلاث سنوات، فليس من حقي ان تعيش معي اسرتي بشكل قانوني، و ليس من حقي التنقل خارج بلد اللجوء، و ليس من حقي النشاط السياسي، وربما هناك حقوق اخر ليست مباحة لي في وضعي الحالي لم أكتشفها بعد، لأني لم أجربها بعد، و لأني قدمت الى ملجئي الجديد من حيث تنعدم الحقوق. لكني املك على الاقل الحق في أن أقول بأننا نعيش جميعا في ظروف سيئة، و أنه من حقنا أن نذكر العالم بمأساتنا كي يعيننا في ايجاد حل. و أملك ان انقل صورة معانات الاف الصحراويين فروا من المخيمات الى بوادي الصحراء التي كانوا يقطنوها قبل الحرب، يعيشون في ظروف اجتماعية و اقتصادية صعبة، حيث لا مراكز حضرية للتزود بالمواد التموينية ولا مدارس ولا مستشفيات و تندر منابع المياه الصالحة للشرب، يعيش غالبيتهم على الرعي في اراضي قليلة الامطار. وفي ذكرى الشتات قررت أن أقوم بزيارة إنسانية لإخوتي و أهلي الصحراويين في الارياف الممتدة من بير أم أغرين الموريتانية الى بير لحلو الصحراوية، للفت أنظار الرأي العام لحالة هذه الفئة المنسية من الصحراويين المفروض انهم مشمولون بما يسمى احترام حقوق الانسان الصحراوي. وللاسف هذه الفئة تعيش تحت سلطة البوليساريو لذلك لا تزورها المنظمات ولا البرلمانيون و الصحفيين رغم زيارتهم لمراكز البوليساريو العسكرية بين خيم هؤلاء، و حضور شخصيات دولية وازنة لعدة احتفالات أقامتها البوليساريو في امهيريز و التفاريتي و ميجك و آغوينيت. و لأن غالبية هذه الفئة لا تريد مغادرة ارضها، كلما سمعوا بتقارير البوليساريو عن انتهاكات المغرب لحقوق بعض الصحراويين يتمنون لو كانوا يعيشون تحت ادارة المغرب حتى يجدون من يتحدث عن معاناتهم. نواكشوط في 30 أكتوبر 2013