في مدينتي لم تعد تكنولوجيا المحمول مقصورة على الهاتف و الحاسوب و اللعب الالكترونية للأطفال بل تعدتها إلى المحلات التجارية حتى باتت تطوان سوقا كبيرا كالأسواق القروية الأسبوعية مع فارق أنه يومي. مكنت هذه الطفرة في عالم البيع العديد من البائعين من التحرر من قيود المكان و الزمان والكراءات و الجباءات، و أغنت البلدية عن تزفيت مسافات مهمة من الطرق لكونها غطيت بالمفارش التي تقيها عوامل التقادم و تمنع عنها أحذية المارة وعجلات السيارات. اختلفت السلع و المعروضات حسب المواسم و المناسبات، ففي رمضان تختلط التمور و العصائر و الفطائر بالجلابيب و البلاغي و القنادر. و في العيد يعرض الكوكو و اللوز و الجنجلان بجوار الملابس و الأحذية و الصيكان. خليط فاقع من الأشكال و الألوان و الأصوات تتوالى على بصرك و سمعك حتى تحس بالدوار و تتعطل بمخك أنظمة الاستشعار فتنسى لم خرجت و ماذا تريد و إلى أين أنت ذاهب. توسعت الأسواق المحمولة طولا و عرضا و علت حتى غطت واجهات المحلات و أبواب البنايات، و أعطى أصحابها لأنفسهم حقوق الملكية بفضل الأقدمية. داء مقيت ينخر عظام مدينتي و يسري في عروقها و كلما طال الوقت صعب استئصاله و القضاء عليه. أين أنت يا تطوان العراقة و الأناقة و اللباقة؟ أين شوارعك التي تنطق جدرانها و أرصفتها و معمارها بالرقي و الأصالة؟ و يضرب بها و بسكانها المثل في الذوق و التنسيق؟ الآن كلما خرجت أتحسر على زمن كانت فيه مدينتي قصرا أندلسي المعمار بأزقتها و دروبها، و أتوق ليوم كان فيه شراء الخضر يتم من سوق الخضر و شراء السمك من سوق السمك و شراء الشرابيل من الخرازين و الذهب من الصياغين .. لا نريد سوقا محمولا مخبولا بل أسواق ثابتة منظمة نظيفة تصف فيها البضاعة داخل المحلات لا خارجها، و يجلس فيها البائع منتظرا رزقه بدل أن يثقب طبلة أذنيك بالصراخ. نريد أسواقا تحفظ للمشتري حق الاختيار في هدوء و للتاجر حق العمل في كرامة دون أن تطاله هراوات تغمض عينيها عنه شهورا قبل أن تطارده قي أيام معدودات يصبح فيها الباعة و هم يجرون حاملين محلاتهم كالفارين بمتاعهم من الغزو.