وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى *** ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا (المتنبي) كيف نعيش حياتنا بلا خوف ؟ ماذا نفعل لكي نعود أنفسنا على التخلص من المشاعر المضطربة التي تنتابنا في بعض مراحل حياتنا ؟ يقول العلماء إن هذه المشاعر التي تعتمل في صدورنا وتشغل تفكيرنا وتهد كياننا، إنما هي نتيجة حتمية لاستجابة نفوسنا للعوامل التي تسبب لنا هذه المشاعر. فإذا تعلمنا كيف نسيطر على هذا التجاوب، نجحنا في التغلب على مخاوفنا، وأسباب قلقنا والتوتر الذي يصيب حياتنا، وعلى الشعور بالعداء الذي نحس به تجاه الآخرين في بعض الأحيان. ولكن مم نخاف ؟. ولماذا يسيطر علينا الشعور بالخوف؟ والخوف، والفكر، شيئان متلازمان. فالإنسان يفكر، ولكن هناك فرق بين تفكير وتفكير، هناك من يفكر وهو يضع على عينيه نظارة سوداء، لا يرى من خلالها سوى هذا الظلام، الذي يحيط بكل شيء من حوله، وهناك من يفكر، ولكن بأسلوب آخر، فلا يدع للأفكار المظلمة والصور الحزينة مجالا للتسلل إلى رأسه وعقله، وليس معنى هذا أنها لا تدور في مخيلته، فهي قد تحوم حولها، وقد تحاول أن تنفذ إلى قلبه وفكره، ولكنه يطردها، ويسد الطريق أمامها.. يقول نورمان فنسنت بيل Norman Vincent Peale في كتابه " دليل لحياة مطمئنة"A Guide To Confident Living نحن في حاجة إلى البحث عن أساليب عملية لتفكيرنا، لأن ملكة التفكير هي واحدة من أعظم القدرات التي يتمتع بها الإنسان. إن حياة الإنسان لا تسيرها الظروف الخارجية، ولكنها تخضع للأفكار التي تدور في أذهاننا.. فالمرء، رجلا كان أم امرأة، هو وحده القادر على خلق عالمه الخاص به وحده عن طريق ما يعتمل في رأسه من أفكار. ولقد قيل يوما: "إن الرجل هو ما يأكل !"، ولكن الحقيقة هي "أن الرجل هو ما يفكر"فالمرء هو خلاصة الأفكار التي تدور في عقله الظاهر، وعقله الباطن معا". قال ماركوس أوريليوس Marcos Aurelius، أحكم حكماء روما : "إن أفكارنا هي التي تصنع حياتنا" ويقول امرسون (Emerson 1803- 1882)، فيلسوف أمريكا : "إن المرء هو ما يفكر فيه طوال ساعات يومه، في صحوه وعند نومه !". إن كل واحد منا يجد نفسه مشغولا بالتفكير في أمور كثيرة طيلة اليوم، ولكن كثيرا ما نجد أنفسنا نهتم بالتفكير في أمر معين من هذه الأمور، دون غيره، لأنه بالنسبة لنا يمثل مشكلة أساسية. ولا تلبث هذه المشكلة أن تسيطر على تفكيرنا كله وتستبد بعقولنا وتثير اهتمامنا، حتى ننسى معها كل ما عداها من أمور ومشاكل أخرى.. وبعض الناس يسمح للخوف بأن يصبح شغله الشاغل، وهذا الشعور المضطرب، يبدأ أول ما يبدأ بخيط رفيع من القلق نراه كالطيف أمامنا، ثم لا تلبث الصورة أن تتكرر على مر الأيام، حتى يصبح القلق والخوف عادة، عندئذ نجده قد اتخذ له أخاديد عميقة في أذهاننا، أشبه بتلك التي تصنعها مياه الأمطار في بطن الجبل، وهي تجري فيها حتى تستقر عند السفح.. ويقول مؤلف الكتاب: "ومهما حاول المرء الذي تمكن الشعور بالخوف منه، أن يقاوم هذا الإحساس أو يطرده عن رأسه، وجد نفسه عاجزا تماما أمام محاولاته المستمرة للهرب منه ". ثم يروي فنسنت بيل بعد هذا قصة امرأة قتلها الخوف، بعد أن عاشت في خوف مدة تزيد على ثلاثين عاما.. وهي قصة واقعية، جرت حوادثها في لندن، ونشرت الصحف تفاصيلها تحت عناوين عريضة على صفحاتها الأولى.. إنها قصة طفلة صغيرة، وقفت منذ ثلاثين عاما ترقب في فزع ورعب شديدين، أمها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فوق كرسي الجراحة في عيادة طبيب الأسنان، فقد أصيبت الأم المسكينة بنوبة قلبية مفاجئة أثناء انهماك الطبيب في علاج أسنانها.. "وترك الحادث المؤلم في نفس الطفلة أثرا عميقا، زادته السنون عمقا على عمق، حتى كبرت الطفلة وأصبحت امرأة ناضجة، ولاعبة تنس مشهورة.. إلى أن جاء يوم أصيبت فيه بآلام في أسنانها.. ولكنها ما لبثت أن استبعدت الفكرة عن رأسها، وآثرت أن تتحمل آلامها، على الذهاب إلى طبيب الأسنان.. فقد كانت زيارة الطبيب بالنسبة لها. أشبه ما تكون بمن يسعى إلى حتفه بقدميه.. وظلت الفتاة تعيش مع مخاوفها، برغم كل ما أكدته التقارير الطبية، من أن وفاة أمها كانت طبيعية، وأن طبيب الأسنان لم يكن له يد في النوبة القلبية المفاجئة التي أصابتها وقضت عليها.. "ولكن آلام أسنانها عادت تلح عليها، حتى باتت تشكل خطرا على صحتها وحياتها إن هي استمرت في إصرارها على مقاطعة عيادات أطباء الأسنان ! "واضطرت الفتاة أخيرا إلى الذهاب إلى "عيادة الموت" كما كانت تسميها.. ذهبت بكل ما كان يحتويها من مشاعر الخوف والهلع، ولكنها حرصت على ألا تذهب وحدها، فقد اصطحبت معها طبيبها الخاص ليكون بجوارها إذا دعا الداعي.. "وجلست الفتاة على كرسي الجراحة في عيادة الطبيب، تماما كما فعلت أمها منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وما كاد يستقر بها المقام، وقبل أن يبدأ الطبيب في فحص أسنانها أحست الفتاة المسكينة برعشة قوية تسري في جسمها، ثم ما لبث أن توقف قلبها عن الخفقان، وماتت لساعتها. "وجاء في تقرير الطبيب المرافق الذي فحص جثمانها الهامد، أن الوفاة حدثت نتيجة نوبة قلبية مفاجئة، رغم أنها لم تكن تشكو من أية علة في قلبها، فقد كانت فتاة تتمتع بصحة طيبة ونجمة من نجوم الرياضة". وهكذا قتلها الخوف بعد أن عاشت ثلاثين عاما يحتويها الخوف. يقول امرسون :"إذا عرف المرء كيف يرفع رأسه، وكيف ينظر إلى الحياة من حوله نظرة مليئة بالحب والحماس والعمل من أجل إسعاد نفسه، ومن أجل خير المجتمع الذي يعيش فيه.. إذا عرف المرء كيف يواجه الحياة في ثقة وإذا أدرك أنه لا مكان لرجل يخاف الناس ويخاف الحياة وما قد تحمله وتخبئه له.. إذا عرف المرء كيف يفكر بلا خوف، فهو قد عرف كيف يفسح لنفسه مكانا تحت الشمس". ويقول نورمان فنسنت بيل : "إن الإيمان بالله، هو أقوى سلاح يمكن أن نقاوم به الشعور بالخوف والقلق". والله الموفق 17/07/2013