الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين تنتشر في مجتمعنا ظاهرة من الظواهر السيئة، نلمسها في مجالات كثيرة من حياتنا، وقد ترسخت فينا، وأصبحت سلوكا عاديا لدينا، رغم أنها تضر بنا، وتشوه سمعتنا، وتزيدنا تخلفا وتقهقرا. إنها ظاهرة عدم إتقان العمل وعدم تجويده. ظاهرة تتجلى في المحيط العائلي والمدرسي والإداري والمحيط الأوسع. ظاهرة جعلتنا نفقد الثقة في منتجاتنا، ونتهافت على منتجات غيرنا المستوردة. ظاهرة دفعتنا إلى الحكم على حرفيينا وعمالنا وصناعنا وموظفينا بالتسيب وعدم المبالاة، وانعدام الضمير والإخلاص, وقلة الخبرة والدراية، وذلك لكثرة ما نراه من تقصير وتهاون في أعمالهم. طرق ملئت حفرا وشقوقا رغم أنها أصلحت وأصلحت! أسلاك كهربائية ذات توتر عال تدلت قريبة من النوافذ أو الأبواب أو خارج الأعمدة! عمارات تصدعت جدرانها أو انهارت بعض طوابقها رغم أنها حديثة البناء! ا! مؤسسات تعمها الفوضى والشغب وعدم الانضباط ! إدارات ̛تقدم شكاوى كثيرة ضدها باستمرار! مصانع تنتج الكثير والكثير دون مراعاة الجودة ، لأنها لا تبالي بالكيف بل يهمها الكم فقط! مستشفيات يشتكي فيها المرضى من الإهمال وسوء العناية! لقد كانت العرب تنفي العمل كله إذا انتفى التجويد والإتقان، فتقول للصانع الذي لم يحكم صنعته: لم تعمل شيئاً. ربما نجد من كان يتقن عمله ويخلص فيه، ولكنه عندما رأى زملاءه يتهاونون ويتكاسلون وهو وحده من يتفانى في العمل، انتفض وقال في نفسه: لماذا أتعب نفسي، وأعمل أكثر من غيري، والراتب واحد، والترقية تشمل الجميع، وهكذا تنتقل إليه العدوى، وتعم البلوى. ألا يعلم أن العمل أمانة في عنقنا، وأننا محاسبون على تفريطنا أو تقصيرنا فيه؟. قال تعالى:﴿ يٰأَيُّهَا 0لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ 0للَّهَ وَ0لرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.[الأنفال:27]. وربما نجد من لا يتقن عمله ولا يخلص فيه إلا إذا أحس بمراقبة الرئيس له، أو علم حضور مفتش أو لجنة. ألا يعلم أن المؤمن الذي يحرص على نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى رقابة بشرية، لأنه يستشعر مراقبة الله سبحانه وتعالى له في السر والعلن، ويعرف أن كل أعماله محصاة عليه، فيحاسب نفسه باستمرار. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك).صحيح الجامع للألباني. يقول الشاعر: إذا عمل المرء المكلف مرة ٭٭٭ عملا فإن العيب ألا يحسنه فقد ذكر المختار أن إلهنا ٭٭٭ يحب لعبد خافه أن يتقنه ويقول محمد البوشواري رئيس مركز الدراسات الفقهية والقانونية والاقتصادية، وأستاذ القانون المقارن بكلية الحقوق بأكادير:« إن الوازع الديني له دور كبير في بناء شخصية وضمير الإنسان الحي الحقيقي، الذي يُراهن عليه في أي تغيير، حيث إن الإنسانية جربت كل الضوابط وجربت كل أنواع المراقبة وجربت كل الزواجر والقوانين، مع ذلك ما لم يحضر هذا الضمير، الذي يستند إلى وازع ديني أكيد. فالوازع الديني هو الملجأ الوحيد وهو الرهان الوحيد في الوقاية من كثير من هذه المظاهر السلبية التي نعيشها اليوم في مجتمعنا.»جريدة التجديد/ بتصرف. إن الإتقان ليس أمرا جديدا علينا، فلقد دعا إليه ديننا الحنيف وحث عليه وأمر به في جميع الأعمال الدنيوية والأخروية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).السلسلة الصحيحة للألباني. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق : «إن الإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفا سلوكيا فحسب بل هو ظاهرة حضارية تؤدي الى رقي الجنس البشري وعليه تقوم الحضارات ويعمر الكون، وهو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله، وصفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده «صنع الله الذي أتقن كل شيء» والمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة مقبول عند الله يجازي عليه سواء كان عملا دنيويا أم أخرويا، قال تعالى:﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾.[الأنعام :162] يقول الشاعر أحمد شوقي: إيها العمال أفنوا العمر كداً واكتسابا وأعمروا الأرض فلولا سعيكم أمست يباباً أتقنوا يحببكم الله ويرفعكم جناباً إن للمتقن عند الله والناس الثوابا فكيف يمكن لأمتنا أن تتقدم و تتطور، وإتقان العمل وتجويده والإخلاص فيه يندر فيها ويقل!! إن التغلب على هذه الظاهرة يحتاج إلى جهود جبارة ، يشترك فيها الجميع ، الأسرة والمدرسة والمجتمع والجهات الرسمية، ويتطلب برامج وخطط تنفذ بدقة واتقان. ولقد علمنا صلى الله عليه وسلم في حديث « المسيء صلاته» كيف يتقن المسلم صلاته: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلم على الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرد النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه السلامُ، فقال : ارجع فصل، فإنك لم تصل . فصلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجع فصل، فإنك لم تصل. ثلاثا، فقال : والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني، قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) صحيح البخاري .والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.