كريمة (اسم مستعار)، واحدة من هؤلاء الشباب الذين اقتنعوا بعرض تجاربهم على قراء "تطوان نيوز"، شابة لم تكن تعلم أن طيش المراهقة سوف يحملها على كف عفريت نحو عالم الإدمان ومستنقع الدعارة، وهي التي كانت تنتمي إلى أسرة محترمة، حسب تعبيرها، وكانت تتوفر على ما يمكن أن يضمن لها أرغد العيش في كنف أسرتها التي يتواجد معظم أفرادها بالخارج، غير أن ولع الشباب في اكتشاف الجديد حملها ذات يوم صيفي وهي مصحوبة بواحد من أفراد عائلتها العائدين من أوربا في العطلة الصيفية إلى تجريب مخدر الكوكايين. الشهادة الرابعة: "حين أفهمني ابن عمي بأن الكوكايين مادة تشبه المنشطات التي يستعملها الطلبة أثناء التحضير للامتحانات.." "كنت حينها أتابع دراستي في السنة الأخيرة بكالوريا علوم تجريبية، فكان أن تفضل والدي بالسماح لي بقضاء العطلة الصيفية لدى عائلتنا بمدينة طنجة على أمل الاستعداد لمتابعة دراستي بأحد المعاهد التجارية بنفس المدينة، صراحة كنت أول مرة أشعر فيها بنفسي وبنوع من الحرية، رغم أن والدي وإخواني الكبار لم يكونوا يعترضون على نوعية لباسي ولا على خروجي مع صديقاتي، غير أن ذلك الصيف كان بطعم خاص، كنت بعيدة عن أسرتي نهائيا وحاولت أن أندمج في سلوكات كانت بعيدة نوعا ما عن الجو الذي تربيت فيه في مدينة تطوان. كنا بالنهار نذهب إلى شواطئ المدينةبطنجة وأصيلة والقصر الصغير وذلك بصحبة أبناء عمومتي العائدين من هولندا وبلجيكا، كنا مجموعة من الشباب الذين لم نكن آنذاك تتجاوز أعمار الكبير منا 24 سنة، وبعد العودة من الشواطئ نخرج ليلا للتجول في شوارع المدينة وأحيانا نقصد المحلات التجارية والمعارض، ولكن كنا في أحيان أخرى نقصد المقاهي والسهرات العمومية والملاهي الليلية، وغالبا ما كنا نرجع إلى المنزل باكرا حتى لا نثير شكوك العائلة، في البداية كان كل شيء عاديا، خاصة بالنسبة لي، حيث كنت فقط أقوم باكتشاف هذا العالم الجديد. ومع مرور الأيام نسجت بيني وبين ابن عمي نوع من العلاقة العاطفية، حيث كان يخبرني بأنه لا يستطيع أن يفارقني ولو لدقائق، وكنت أشعر بذلك في تصرفاته اتجاهي، كان يهتم بي كثيرا ويمنحني إحساسا جميلا، وكثيرا ما كان يمنح لي "مصروف الجيب" ويشتري لي الحلي والملابس من المحلات التجارية التي تحمل علامات عالمية، ولا يتوانى في التعبير عن حبه لي أمام والدته وأخواته، حيث كان يسر لي أنه وجد الفتاة التي تناسبه، فتاة سهلة الاندماج في الحياة، وهو ما يتطلبه الأمر حسب نظره في الفتاة التي سوف يتزوجها. ذات يوم اصطحبني في سيارته في جولة بالمدينة، وبعدها اقترح علي الذهاب إلى أحد المنازل التي يمتلكها عمي بالمدينة، فلم أتردد ولو للحظة واحدة في القبول، خاصة بعد أن أخبرني أنه ثمة أغراض شخصية نسيها هناك، لم أكن أتوقع أن تلك اللحظة سوف تقلب حياتي رأسا على عقب، ولم أكن أعرف أن مسارا نحو الضياع الأبدي رسمته لنفسي بنفسي، إنها لحظات حزينة وأليمة، حيث كلما استدرجني الماضي إلى التفكير فيها إلا ووسواس الانتحار يتبادر إلى ذهني، أكيد سوف أقدم على ذلك يوما ما، لأنها الطريقة الوحيدة للتخلص من لعنة الإدمان. بعد ولوجنا إلى المنزل دلف ابن عمي بسرعة نحو إحدى غرف البيت وبدأ يفتش في بعض أغراضه الشخصية، فأخذ كيسا صغيرا يحتوي على مادة بيضاء ووضع قليلا منها على شكل سطرين في ورق الألمنيوم، وأخذ نفس الورق ولكن نوعا ما مقوى، وقام بطيه بطريقة خاصة على شكل أنبوب لولبي وبدأ يستنشق تلك المادة، ولما بادرته بالسؤال عن فعله هذا، أخبرني بأنه نوع من الفيتامينات التي نصحه طبيبه في الخارج باستعمالها أثناء العياء وكثرة السهر، وبعبارة دارجة لا زالت ترن في أذني إلى يومنا هذا: "الدوا د النشاط". أثناء استنشاقه لهذه "المادة البيضاء" طلب مني أن أقوم بنفس الشيء، بمبرر أنها تساعد الإنسان على الحيوية والنشاط، مؤكدا أنها تشبه كثيرا تلك المنشطات التي يستعملها الطلبة أثناء التحضير للامتحانات، غير أني في البداية رفضت طلبه. غادرنا المنزل في اتجاه مقهى تطل على البحر، هناك التقينا مجموعة من الأصدقاء، فكان أن اتفقوا على تنظيم سهرة خاصة في نهاية الأسبوع بالمنزل الملعون، بعد أن تأكد ابن عمي من سفر والدته ووالده الذي كان يزور بين الفينة والأخرى ذلك المنزل الذي كانت ما تزال بعض طبقاته في طور البناء. قبل تنظيم السهرة بيومين أو ثلاثة اصطحبني إلى أفخر متاجر الملابس العصرية بالمدينة، وأغرقني بالهدايا والفساتين الثمينة، مؤكدا على ظهوري بين قريناتي في السهرة على أحسن مظهر، حضرنا إلى المنزل ساعات قبل انطلاق السهرة، كان كل شيء يوحي بأن الأمور عادية، بعدها بدأ بعض الشباب يصل إلى موقع السهرة، غير أن الكثير منهم كان ينصرف بعد مدة قصيرة، فاكتشفت أن السهرة سوف تقام بإحدى الفيلات خارج المدينة وأن ممولا للحفلات سوف يعد لذلك الحفل. في تلك الأثناء، اكتشفت أن حضور هؤلاء الشباب إلى المنزل المذكور كان فقط بهدف استنشاق تلك المادة التي سوف أعلم فيما بعد أنها الكوكايين، غير أن اكتشافي جاء متأخرا، وجاء كما يقال بعدما أن دقيت أول مسمار في نعشي، لأنه أثناء حضوري مع ابن عمي إلى المنزل قبل انطلاق السهرة قمت بتجريب هذه المادة واستنشاقها، وذلك بعد أن غرر بي ابن عمي في جلسة رومانسية، لا أخفي عليك إن قلت أنها جلسة لم تخل من قبل ومداعبات بين جسدين حركهما الشوق والإعجاب المتبادل. هكذا كانت الخطوة الأولى نحو عالم يتسع لمختلف أنواع الانحراف والرذيلة، فمنذ ذلك اليوم المشؤوم وأنا أتعاطى مختلف أنواع المخدرات، مسيرة ست سنوات أصبحت فيها مدمنة على المخدرات بل وممارسة الدعارة… نعم، وذلك حتى أتمكن من توفير النقود التي أقوم بصرفها في شراء الكوكايين، فراتبي في أحد مراكز الاتصال الأجنبية لا يكفيني حتى لمصاريف الأسبوع الأول من الشهر، رغم أنه يتجاوز سبعة آلاف درهم، فإدماني على المخدرات والسهرات الخاصة يكلفني الكثير من المال، وعليه أصبحت مضطرة لممارسة الدعارة.. تورطت في الدعارة مباشرة بعد أن تم الحكم على ابن عمي بالسجن، فقد تم توقيفه من طرف الجمارك بطنجة حيث ضبطت بحوزته كمية كبيرة من الكوكايين، كان حينئذ عائدا من الخارج، يومها اكتشفت أنه كان يتاجر في هذه الممنوعات على نطاق موسع، وأنه عضو ضمن شبكة دولية للاتجار في المخدرات… فالسنوات الأربع التي قضيتها بأحد المعاهد الاقتصادية بطنجة، والذي كان يتوفر على نظام داخلي شبه مزدوج، تعاطيت خلالها لمختلف المخدرات وبالخصوص الكوكايين الذي كان يمدني به ابن عمي بكمية وفيرة كنت أقوم أحيانا بترويجها في إطار ضيق من الصديقات والأصدقاء، غير أنه بعد اعتقاله متلبسا بجريمة حيازته لمخدر الكوكايين وإيداعه بالسجن، اضطررت للعمل خلال صيف 2010 ببعض فنادق المدينة حتى أتمكن من توفير النقود التي أشتري بها المخدرات، وأمام صغر الراتب الشهري كنت ألتجئ إلى الدعارة لأضمن المزيد من المال. في البداية كان الأمر يتم بين الفينة والأخرى، غير أنه سرعان ما انزلقت إلى الدرك الأسفل، وأصبحت مضطرة لممارستها بشكل يومي، رغم أني أصبحت أشتغل في مركز للاتصال براتب محترم جدا بالمقارنة مع ما يعرفه الوضع الاجتماعي بالمغرب، إنها لعنة الإدمان والفساد، لعنة عالم لا يحتكم إلا إلى قواعد المكر والخذلان، أصبحت واعية أكثر بالمحيط الذي اندمجت فيه، ولكن لا مجال فيه لفرص الإفلات، إنها بوثقة من الألم المرير الذي أعيشه لحظة بلحظة، حتى أصبح التفكير في الانتحار يراودني يوما بعد آخر. خسرت الكثير: الصحة، الأخلاق، الشرف، العائلة… ومقبلة على أن أخسر العمل، أو قل أن أخسر الذات كلها والحياة كلها، ست سنوات من العذاب والذل، ست سنوات كانت كافية لأن يتوقف حلمي في الحياة، حلم فتاة كانت لا تعرف إلا الدراسة والاجتهاد والمثابرة، حلم فتاة كانت تسهر الليل في مراجعة الدروس والقيام بالواجبات الدراسية، على أمل أن يحل ذات يوم وتقوم برد الدين إلى والدها الذي اغترب عن وطنه وأهله لأجلها، ولم تعرف الراحة إليه طريقا في سبيل أبنائه وبناته، غير أن ولع الشباب وطيش المراهقة كان لهما قرار آخر..". إلى شهادة أخرى مع مدمن آخر بحول الله…