أصبح الشباب المحرّك الأول كقوة متجددة فاعلة ومؤثّرة في الخريطة السياسية للمجتمعات المعاصرة، ويعتبر في أي بلد عماد المستقبل، فهم القوة الكامنة للوطن بأكمله. وقد شكلت مسألة الشباب محورا مركزيا في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة شهر أكتوبر سنة 2017، حيث اعتبر جلالة الملك بهذا الخصوص أنه على الرغم من أن المغرب شهد تقدما، إلا أن ذلك لم يشمل فئة الشباب الذي يشكل ثروة حقيقية، سواء على مستوى تمثيلهم في المجتمع أو على مستوى طموحاتهم حيث يمثلون ثلث الساكنة. كما أن جلالة الملك في خطابه ليوم 29 يوليوز 2018 بمناسبة الذكرى 19 لتوليه العرش، دعا الأحزاب السياسية للقيام بدورها في تأطير المواطنين والانفتاح على النخب الشابة، حيث إن الأحزاب ينبغي عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي. وعلى هذا الأساس، من واجب الأحزاب تأهيل القيادات الشابّة في شتّى المجالات وإذكاء الشعور لديهم بالانتماء الوطني، و تشجيعهم وإعطائهم الفرصة في التّعبير عن تطلّعاتهم وآرائهم والدفع بهم نحو القيام بمبادرات تنموية فاعلة و إدماجهم في مشاريع التّغيير والإصلاح. وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا عن طريق إرجاع الثقة لدى الشباب في السياسة وفي المشاركة السياسية التي هي تعبير عن المواطنة، تساعدهم على ممارسة الشأن العام، هذا مع العلم أن الشباب في المغرب يمثل نسبة كبيرة من إجمالي السكان، وهم عنصر فعال وهام من قضايا التنمية، فهم من يملكون الطاقة والقدرة على العطاء وهم ثروة بشرية قادرة على العمل والإنتاج، إذا فتح لهم المجال للمشاركة في صناعة القرارات المتعلقة بتدبير الشأن المحلي و العام ووضع السياسات العامة وتقييمها . فالمشاركة السياسية للشباب تلعب دوراً مهماً في تطوير آليات وقواعد الديمقراطية، و أيضا أحد أشكال الديمقراطية الاجتماعية، علما بأن تفعيل هذه المشاركة سيقلل من حالة الفراغ الثقافي و الاجتماعي الذي يعيشه هؤلاء، عندما يتم تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم، مما قد ينعكس سلبا على أوضاعهم التعلمية و التربوية. مع الأسف، أن الواقع يؤكد بالملموس على أن الشباب عازف عن العمل السياسي وهذا ناتج عن مجموعة من الأسباب، لأن الأحزاب تحولت إلى آلات انتخابية، فضلاً عن تمسك القيادات الحزبية بمواقعها على مستوى الأجهزة التنفيذية للأحزاب، رافضة أي تشبيب على مستوى القيادة، إلا استثناء، وهذا من أسباب عزوف كثير الشباب عن الممارسة السياسية والعضوية في الأحزاب والمشاركة في الانتخابات. فجل الأحزاب السياسية المغربية بوضعها الحالي تمثل عائقا أمام انخراط فعال للشباب في الحياة السياسية بسبب الجمود الذي تعرفه على المستوى التنظيمي و الوظيفي وغياب الديمقراطية الداخلية . لهذا، فإن تفكيك أزمة الثقة بين الشباب و السياسة يمر عبر وسيلتين : -انفتاح الأحزاب عن الشباب و تأطيرهم سواء من خلال اللجان و الخلايا التنظيمية أو المنظمات الموازية: جمعيات ، منظمات شبيبية... مع إقناعهم بأهمية العمل السياسي في البناء الديمقراطي . -إقرار ديمقراطية حقيقية داخلية داخل الأحزاب تفتح الباب أمام الشباب للانخراط في العمل الحزبي و تحمل المسؤولية في القيادة و فتح المجال له للإبداع و الابتكار داخل المؤسسة الحزبية ، ليصير قوة اقتراحية فعالة، وتهيئته أيضا ليكون قادرا على إدارة الشأن العام المحلي والوطني، لأن الديمقراطية الداخلية داخل الحزب تعد القناة الأكثر فاعلية في نشر ثقافة تمكين الشباب من المشاركة السياسية.