كشف استطلاع صحفي حول مدى قدرة المجلس الوطني للصحافة، الذي جرى تنصيبه مؤخرا وسط أجواء منتقدة واحتجاجات الصحافيين، على الارتقاء بالمهنة وترسيخ أخلاقياتها، أن أكثر من 80 في المائة من المستجوبين يشككون في هذا الأمر.. وخلص موقع "إيلاف المغرب"، الذي أجحرى الاستطلاع، إلى أن قراءة منطقية لهذه النتائج توحي، دون ان تتطلب جهدا في التأويل والإستنتاج، أن خللا ما يوجد في بنية المجلس وكيفية صياغته القانونية.. وأورد معدّ الإستطلاع العديد من المآخد التي يمكن تسجيلها بشأن هذا المجلس، الذي لايزال يثير خلافا كبيرا داخل الجسم الصحفي، جازما بأن مجلس الصحافة المغربية ليس تعدديًا، وغير ديموقراطي بالكامل، ما دام قد أخلّ بنمط الاقتراع النسبي الممثل لسائر الحساسيات.. وبالنظر إلى ما افصحت عنه نتائج الإستطلاع، وأهمية المضامين التي جاءت في مقال الموقع حول هذه النتائج، فإننا ننشره بالكامل لتعميم الفائدة والمساهمة في النقاش الدائر حاليا بخصوص "المجلس الوطني للصحافة" ودور الثنائي الأبدي المتنفذ داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في ما وصلت إليه الأمور من أزمة معقدة لن يتم تجاوزها إلا بالاصغاء للجسم الصحافي وأخذ الآراء المنتقدة بعين الإعتبار.. إليكم المقال: مثيرة هي النسبة العالية والرافضة التي أجاب بها مستطلعو "إيلاف المغرب" عن السؤال الذي طرحه عليهم الموقع بخصوص قدرة "المجلس الوطني للصحافة" الذي جرى تنصيبه أخيرًا، وسط أجواء منتقدة، من طرف وزير الإعلام المغربي؛ قدرته على الارتقاء بالمهنة وترسيخ أخلاقياتها، بعد الشروع في الاضطلاع بدوره غير المسبوق في تاريخ الصحافة المغربية. أعرب ما يقرب من 80 المائة من المستجوبين عن شكوكهم في نجاح تام للهيئة الجديدة التي طالما انتظرها وكافح من أجلها المنتسبون إلى الحقل الإعلامي؛ بدءًا من الصحافة الحزبية التي ظلت مهيمنة على الساحة الإعلامية عقودًا عدة بعد الاستقلال، نتيجة ضعف أو غياب الصحافة المستقلة، التي لم تتلقَ الدعم والتشجيع الكافي ولا المساندة، لا من السلطات الرسمية ولا من الأحزاب السياسية، وبالتالي لم تتمكن في غالبية الفترات من الاعتماد على إمكانياتها الذاتية، بالنظر إلى ضعف قاعدة القراء وضعف موارد الإشهار. ماذا تعني هذه النسبة المشككة التي فاجأتنا في "إيلاف المغرب"، فاضطررنا معها إلى الإبقاء على السؤال أطول مدة ممكنة، ريثما تستقر كفة الإجابات عن سؤال الاستطلاع. ظل المؤشر على حاله تقريبًا، فلم لم يعبّر عن رأي إيجابي بخصوص مستقبل وعمل المجلس سوى 15 في المائة من مجموع العينة، بينما التزم الحياد حوالى 8 في المائة من المستجوبين. وهؤلاء يصنّفون ضمن خانة المشككين. منطقيًا، توحي قراءة النتائج، وهي لا تتطلب جهدًا في التأويل والاستنتاج، أنه ربما يوجد خلل ما في بنية المجلس وكيفية صياغته القانونية، على اعتبار أنها التجربة الأولى في تنظيم المهنة، وبالتالي فهي معرّضة للأخطاء والعثرات التي يمكن تداركها مع الشروع في تطبيق وتنفيذ الصلاحيات المخوّلة للمجلس الذي أخذ من الوزارة الوصية، كثيرًا من الاختصاصات والصلاحيات المتصلة بتنظيم مهنة الصحافة والعاملين فيها، من قبيل فض النزاعات، وميثاق الأخلاقيات وكذا منح بطاقة الصحافة... بمعنى أن السلطة الرابعة، إذا صح أنها موجودة في المغرب، استقلت وتحررت بنسبة كبيرة عن هيمنة السلطة التنفيذية التي طالما تحكمت في ضبط القطاع. هل يجوز، استنادًا إلى نتائج استطلاع "إيلاف المغرب" القول إن بناء المجلس الوطني للصحافة ليس قائمًا على أساس سليم ومتين، لذلك خفتت حماسة الصحافيين له، بمجرد صدور النص التشريعي المحدث للمجلس في الجريدة الرسمية؛ انعكس ذلك في الترشيح لعضوية المجلس، حيث أدى إلى عقد تحالفات ضد الطبيعة والمنطق بين مكونات الجسم الصحافي المغربي. ويبدو أن المشرع المغربي رضخ لضغوط جهات ما، فاختار صيغة القوائم المغلقة، بحجة أنها قريبة من نمط الاقتراع النسبي، بينما هي في حقيقتها وبالصيغة المتبناة، تقييد لاختيار المقترع الذي ليست أمامه خيارات كثيرة؛ فإما أن يصوّت لمصلحة إحدى القوائم المغلقة المتبارية، جملة وتفصيلًا أو يرفضها، ما يعني أن منسوب التعددية والتنافسية والنقاش الهادف سيكون مغيبًا في المجلس المقبل، مهما صفت النيات وتوافرت إرادات الإصلاح. صحيح أن القانون المنظم للمجلس، ضمن جرعات من التوازن، من خلال تطعيمه بتمثيليات خارجة عن الجسم الصحافي ذات ارتباط به من قبيل ممثلي القضاء وهيئة المحامين ومجلس حقوق الإنسان، إلى جانب تعبيرات ثقافية ممثلة في اتحاد كتاب المغرب والمجلس الأعلى للثقافة واللغات، والهيئتان الأخيرتان تثيران حتى الآن مشاكل من نوع خاص، فاتحاد كتاب المغرب، يعيش حالة جمود قانوني ممدد، منذ انتهاء ولايته القانونية ومرور أكثر من ثلاث سنوات على عدم التجديد، أي إنه يتحرك في مربع خارج الشرعية. ورغم هذا التعارض القانوني البين، عمد "رئيس الاتحاد" إلى انتداب من يمثل المنظمة في المجلس الوطني للصحافة، ليس من الكتاب، وإنما فضل عضوًا من المكتب التنفيذي المنتهية ولايته. حدث ذلك وسط اعتراض واستنكار عدد من الكتاب يطالبون بعقد المؤتمر العام للاتحاد لينتدب من يمثل الكتاب في المجلس الوطني للصحافة. وحيث إن قانون المجلس لم يستبق وقوع هذا الاحتمال، فإن النازلة معروضة على العدالة، وقد تكون لها تداعيات. أما الهيئة الثانية، أي مجلس الثقافة واللغات، وهو مؤسسة دستورية، فوضعها مختلف، بحيث لم يتم تطبيقها حتى الآن، وبالتالي لا يوجد من ينتدب عضوًا عنها في المجلس، علمًا أن القانون الأساسي لا يحدد إن كان يجوز لمجلس الصحافة مباشرة أعماله ريثما يتم استكمال أعضائه. يقول منتسبون إلى المهنة إنه كان بالإمكان تجاوز بعض الإشكالات المذكورة، لو التف الجسم الصحافي بكل أطيافه وتوجهاته، حول الوليد الجديد، لكن الذي حدث أن الشكوك والاتهامات كثرت، وجرى التعبير عنها بمختلف الأساليب: فقد سحبت قائمة من المنافسة قبل الاقتراع. أما نسبة التصويت فكانت دون المستوى، إذ لم يتحرك نحو الصناديق سوى 43 في المائة من المقترعين، بينما يتعلق الأمر بتمكين الجسم الصحافي من هيئة مستقلة ذات سلطة معنوية وإدارية، يفترض أن ترتقي بالمهنة وتعقلن العلاقة بين الصحافيين من جهة وبينهم وبين السلطات العمومية والمجتمع. إضافة إلى طبيعة مكونات المجلس، يتمتع الناشرون فيه بحضور وازن، يقارب ممثلي الصحافيين. وهذه تركيبة وخلطة ذات حدين: من جهة يمكن أن تساهم في تطوير المهنة والارتقاء بها من خلال التعاضد والتعاون بين الناشرين، وهم أصحاب المقاولات الصحافية وبين المنتجين الصحافيين؛ كما يجوز أن تكون عرقلة تؤدي إلى اندلاع خلافات داخل الهيئة بين الطرفين، في ظل غياب تقاليد تراكم مرجعي في تدبير النقاش وتذويب الخلافات، يتم الاستئناس بها والبناء عليها لفض الخلاف بخصوص القرارات المستعصية. هل آليات المراقبة والتحكيم الموضوعي ستكون فاعلة في المجلس؟. إن السير الطبيعي لمجلس الصحافة في المغرب متوقف على نضج وحكمة وواقعية وموضوعية أعضائه ومكوناته، إن هم آمنوا أن الهيئة تعد مكسبًا ثمينًا يمكن تجويد أدائها، بالإصغاء إلى الجهات الأخرى ذات الوظيفة الرقابية، أثناء تنبيهها إلى خرق محتمل للقانون عبر تقديم رأي استشاري حينما يكون الخلاف قانونيًا. ولكن هل القانون الجاف قادر على الحسم في قضايا مبللة تواجه الصحافة؟. في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن مجلس الصحافة المغربية ليس تعدديًا، بل أكاد أقول غير ديموقراطي بالكامل، ما دام قد أخلّ بنمط الاقتراع النسبي الممثل لسائر الحساسيات. كان حريًا بالغيورين على وضع المهنة ومآلها، ترك حرية الاختيار للصحافيين بين القوائم، ينتقون العناصر الصالحة من كل قائمة، لضمان تعددية في المواقف والآراء وتنوعًا ومنافسة بين مشاريع التطوير والارتقاء بالمهنة. ينبغي الاعتراف بأن قطاع الصحافة والإعلام، حديث وناشئ في المغرب، يتطلب تنظيمه وإرساؤه على دعائم ثابتة، القيام بتضحيات وبذل جهود وتعالي على المصالح الذاتية والفئوية. وهذه قيم من المتعذر الانضباط لها دائمًا، فما بالك بجسم صحافي طبيعته المساءلة والنقد والاحتجاج، عن خطأ أو صواب. في هذا الصدد، يجب عدم الاستهانة بالنظرة السلبية للرأي العام المغربي لعدد من المجالس الدستورية القائمة، لا تسلم من النقد والتساؤل عن جدواها، مثل الهيئة العليا للإعلام المسموع والمرئي، بل يشمل النقد المؤسسة التشريعية. توجد مآخذ أخرى على المجلس يمكن تجاوزها، لكن أصعبها عدم تعاطيه بالفكر المبتكر والخلاق مع التحولات المتسارعة والعميقة الجارية في قطاع الاتصالات. كما إن الروح التي تسري في أوصال المجلس المغربي للصحافة، مستمدة من الصحافة الورقية، وهذه تتساقط أوراقها يومًا بعد يوم. إن إحداث المجلس مرحلة ضرورية، لكنها معرّضة لكبوات كبيرة ومن دون الخوض في التفاصيل، يصح القول إنه طبعة أولى أو بروفة بتعبير الصحافة.