ما الجديد في خطاب رئيس الحكومة السابق؟ في محاولة لقدسنة رئيس حكومة شغل مرحلتين منها بالقفشات وتحدث كثيرا عن الواقعية التي تبرر الفقر والقبول بقدريته..لم يترك سلعة أو خدمة إلاّ وزاد في سعرها..حتى صندوق المقاصة قصّ جناحيه..فكك ما تبقى من سياسة اجتماعية ثم في النهاية قلب الفرو وقال: سالينا..هناك عفاريت وتماسيح..وعلى كل حال هناك محاولة لتصويره كرجل مظلوم بينما لم يقف مع المظلومين حين كان منحازا لليبرالية المتوحشة.. مغالطة المقارنة بين ابن كيران و العثماني تجعلنا نقبل بلعبة تحويل رئيس الحكومة السابق إلى كائن مقدّس وكأنّ زمانه هو زمان العدالة المطلقة..وقد بدا لي أنه يتحدث لغة المجاذيب بينما هو أبعد من أن يدرك مغزى المجذوب.. فالمجذوب لا يوجد لا في البرلمان ولا في الحكومة..من يصل هناك فهو يحسبها جيّدا..المجذوب هو نقيض للشخصية البيجيدية..المجذوب يطوف بحكمته على هامش اللعبة، لا يضرب حساب الماضي فيحرفه وحساب المستقبل فيهرول ناحيته..يعيّر خصومه ب"التبنديق" أي التملق بينما مارس حزبه هذا التقليد بما يفوق الخيال.."داخ دوّخ" سياسة بيجيدية عتيدة..لم يعد لرئيس الحكومة السابق أي مصداقية للحديث عن الجدّ والمعقول والعدالة.. لقد تراكمت ثرواتهم سواء ما يتعلق بالحزب أو الثروات الشخصية وهو المكسب الوحيد لحكومتهم..هناك محاولة لمحو الذاكرة وإعادة صياغة رئيس حكومة في صورة معارض نزيه..لا شكّ أنّ رئيس الحكومة السابق هو أقلّ سوداوية من نظرائه في حزبه، وأنه تعرض لانقلاب من صحابته الذين أنقذهم من البؤس وأدخلهم جنة الجكومة ليحسّنوا أحوالهم الشخصية على حساب دافع الضرائب..هي مشكلتهم وسقيفتهم وحساباتهم.. أما حصيلة تدبيرهم فهي صفر..المشكلة أن رئيس الحكومة صاحب الحمار كان يحتقر الشعب حين كان يبرر الزيادات ثم حاول احتقاره لما أصبح يتحدث عن الصدقات..فما جدوى أن تكون بطلا بعد أن قضيت جولتين في الحكومة نهجت فيها نهجين متناقضين: يد تطعن في السياسة الاجتماعية ولسان ينطق بالقفشات..ما هي مكتسبات عصرك الذهبي؟ الحزب الذي قام على المصالح الشخصية الاستغراقية لأعضائه مهما حاول أن يتظاهر بالتوافق فهو بيت مخروم، فالانشقاق قادم وزلازل كبرى ستهدّ هذا البيت هدّا..فالشعب جرّب تدبير هذا الحزب..وهذا لا يعني أن غيرهم ملاك..فالأحزاب السياسية استهانت بالشعب واحتقرته..وجاء حزب المصباح ليستثمر في هذا البؤس، لكنه ما أن ذاق عسيلة الحكومة حتّى فقد ما تبقّى من موازين..بن كيران ليس من أهل الطمع في المال، فهذا كان ديدن الجياع في جماعته، ولكنه يعشق السلطة والخطاب ففيها متعته وقد يجالد خصومه عليها..لكنه ابتليّ بصحابة قليلي الوفاء..وهذه هي الحقيقة: لقد خانوه بعد أن كان له عليهم فضل كبير..أغلب من استوزرهم من مزرعته كانوا أصحاب دراجات هوائية..نستطيع أن نتفهم ما يعانيه بن كيران من قلة الوفاء عند أصحابه ممن استوزرهم وممن لم يستوزرهم ومن ينتظر عبثا.. إننا سنسقط في تحريف التاريخ السياسي لهذه الحكومة منذ قيامها في سياق ملتبس إذا حاولنا قراءتها استنادا إلى مغالطة المقارنة بين مبتدئها وخبرها..أنا أحاسبهم على دورهم في السياسة الاجتماعية..وكان بإمكانهم أن يفعلوا أشياء كثيرة لو لا أنهم انشغلوا بأوضاعهم الخاصة وصراعاتهم السياسية وانخراطهم في مشروع الليبرالية المتوحّشة وإدارة الحكومة بالقفشات..