شكلت الرسالة، التي بعثها جلالة الملك محمد السادس، للمشاركين في منتدى كرانس مونتانا المنعقد بالداخلة، حدثا استثنائيا بفعاليات المنتدى، فلا تنتمي لصنف الرسائل البروتوكولية، ولكنها خريطة طريق بعناوين واضحة ترسم تصورا جديدا لغد إفريقيا، فجلالة الملك لا يقف عند اللحظة الراهنة إلا من باب استيعاب المعطيات، لكن الهم الفعلي للرؤية الملكية هو مستقبل القارة. فإفريقيا، حسب الرسالة الملكية، تمر اليوم بمرحلة حاسمة، تتسم بتعدد أبعاد ما تشهده من تحولات، ترسم معالم قارة إفريقية تموج بتغيرات متسارعة، وتنأى بنفسها تدريجيا عن كل التصورات النمطية والصور السلبية المغلوطة، التي ظلت لصيقة بها. إن القارة التي تمتد على مساحة 30 مليون كيلومتر مربع، تشكل فضاء زاخرا بالفرص والإمكانات، وتمتلك أعلى نسبة من الشباب في العالم. كما يُتوقع أن يبلغ تعداد سكانها مليارين ونصفا بحلول عام 2050، وسوف يكون نصفهم من الشباب دون سن الخامسة والعشرين. ويشكل هؤلاء الشباب، حسب جلالة الملك، ثروة ديمغرافية مهمة ينبغي تدبير تأهيلها بحكمة وتبصر. فمن شأن هذا التطور الديمغرافي الهائل أن يحدث تحولا كبيرا سيغير مجرى الأمور، لا على صعيد إفريقيا فحسب، بل يمتد إلى كل جهات المعمور. كما يشكل هذا الرصيد البشري ركيزة أساسية للتنمية، وفرصة ثمينة يتعين على قارتنا استثمارها للحاق بركب القوى الصاعدة. ومستقبل إفريقيا رهين بحشد كل طاقاتها، وإقامة شراكات مبتكرة، تعود بالنفع على جميع الأطراف المنخرطة فيها. ومن هذا المنطلق، دعا جلالة الملك أبناء القارة الإفريقية، لاسيما الشباب منهم، للتعبئة الجماعية، والتحلي بالعزم والإصرار، من أجل رفع التحديات الجسام، التي تواجهها إفريقيا، والانخراط الفعلي في الدينامية الإيجابية للنمو المشترك. وإلى جانب حسن استثمار الموارد والإمكانات المتوفرة، ينبغي لإفريقيا أيضا أن تسخ ر كل الوسائل والآليات المتاحة لها، لكي تستجيب للتطلعات المشروعة لشعوبها، لاسيما من خلال التعاون جنوب -جنوب، الذي يعد إحدى الركائز الأساسية لانبثاق إفريقيا كقارة صاعدة. يقول جلالة الملك "يعد المغرب من البلدان الإفريقية التي يحدوها طموح كبير وإرادة أكيدة، لتمكين إفريقيا من تولي زمام أمورها والتحكم في مصيرها. ولذلك، فليس من قبيل المصادفة أن يجعل المغرب من التعاون جنوب -جنوب رافعة لانبثاق إفريقيا جديدة واثقة من قدراتها ومتطلعة إلى المستقبل". الرؤية الملكية للقارة مبنية على شعار "كفى من استنزاف خيرات إفريقيا"، اعتمادا على تصور واضح بخصوص التعاون جنوب – جنوب، الذي وحده يمكن أن يخرج هذه الدول والشعوب من حالة القهر، التي فرضها الاستعمار حتى وهو يغادر الأرض، إلى حالة الإنتاج والاعتماد على الذات، ويركز جلالة الملك في كل خطاباته على الموارد البشرية لكونها رافعة قوية للتقدم.