بناء على تعليمات الوكيل العام للملك باستئنافية مراكش، وضعت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ملف تعاونية الحليب الجيد بالمدينة، تحت مجهر تحقيقاتها، حسب ما أكدته مصادر إعلامية. وكانت شكاية وجهتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام- فرع مراكش، الشهور الأولى من السنة الماضية و معاودتها في شهر نونبر من نفس السنة، إلى الوكيل العام من اجل فتح تحقيق في مجموعة من خروقات واختلالات تعرفها المؤسسة المذكورة، وخاصة الرشوة واستغلال النفوذ وتبديد المال العام، والاغتناء غير المشروع منها.
ومباشرة بعد توصل الوكيل العام بالشكاية، قرر بدوره، إلقاء الكرة في مرمى الفرقة الوطنية، لتنطلق فصول تحقيقات، من شأنها كشف بعض ما ظل يجري ويدور في فلك التعاونية، ليودي بها في النهاية إلى مدارك الإفلاس، بعد أن تحول بعض مسؤوليها الذين ظلوا يتربعون على كراسي التدبير والتسيير طيلة عقود إلى أغنياء، انتفخت أرصدتهم المالية والعقارية، بشكل يطرح أكثر من علامة استفهام.
و الحقيقة الماثلة للعيان اليوم، هي أن تلك الأموال، أي أموال التعاونية، هي مزيج من أموال الفلاحين وأموال الدولة تحولت إلى أرصدة بعض المسيرين، و يعرف الفلاحون و قبلهم عمال التعاونية، و جميع المسؤولين بمراكش أن الضيعات الفلاحية التي تتجاوز عشرات المئات من الهكتارات بكل من منطقة آيت ايمور و سيدي عبد الله غيات وقلعة السراغنة ومكناس، والمسجلة باسم الحبيب بن الطالب وزوجته و أبنائه القاصرين، وكذا الضيعات التي يملكها رئيس التعاونية، الذي لا يعدو أن يكون رئيسا شكليا يتحكم في قراراته مدير التعاونية”.
كانت هذه الشهادة، التي تقدم بها محمد الأزهاري، أحد العاملين السابقين بالمؤسسة، والمقربين من سلطة القرار بها، والتي اعتمدتها الهيئة في تحريك الشكاية، بمثابة "شهادة شاهد من أهلها"، تكشف في بعض تفاصيلها، عن الطريقة التي ظلت متبعة في تسيير شؤون التعاونية، وأدت إلى إصابتها بالسكتة القلبية، ليتم تفويتها بشكل مفاجىء إلى إحدى الشركات، مع استمرار الرؤوس الكبيرة بالتعاونية، في لعب دور بعض المساهمين، ضمن أسرة الشركة المحدثة.
بعض المستخدمين وصغار الفلاحين، لم يترددوا بدورهم في الإدلاء بدلوهم، وتقديم شهادات صادمة اعتمدتها الهيأة في تحريك شكايتها، والتي تضمنت بعض الوقائع والحقائق، التي تؤكد حقيقة التهم المتضمنة بالشكاية، من قبيل "السماح لفئة معينة من كبار الفلاحين بالغش في الحليب عبر إضافة كميات كبيرة من الماء، والاتفاق مع مسؤولي مصلحة استقبال ومراقبة الحليب بالتغاضي عن هذه التلاعبات، مقابل عمولات كبيرة"، حيث يشير الفلاحون – بناء على ما ورد في شكاية الهيأة- إلى استفادة بعض المسؤولين من مبالغ تصل إلى 20 مليون سنتيم شهريا، و ذلك خلال سنوات 92-93-94-95-96-97.
وإذا كانت التعاونية، قد تحولت خلال السنوات الأخيرة، إلى مصدر لتهديد السلم والاستقرار الاجتماعيين بالمدينة، بالنظر لكثرة الاحتجاجات والاعتصامات التي ما انفك العمال والمستخدمون، وكذا صغار الفلاحين يدخلون غمارها، للتنديد والاحتجاج ضد ما تعرضت له مالية التعاونية من اختلالات وتجاوزات، فإن السلطات المحلية قد حاولت محاصرة النزيف، عبر إحالة ملف التعاونية على وزارة الفلاحة، باعتبارها الجهة الوصية على القطاع، حيث قامت هذه الأخيرة بإيفاد لجنة عملت على إنجاز دراسة لوضعية التعاونية ،اعتمادا على مكتب دراسات متخصص، انتهى بحصر الخطوط العريضة لوضعية المؤسسة من حيث جوانبها المالية والإدارية وكذا مواردها البشرية واللوجيستيكية، مع حصر وضعية التجميع والإنتاج ،والكيفية العشوائية التي تم اعتمادها ،وأدت إلى وضع أكبر تعاونية فلاحية بالمغرب، في شرك الإفلاس وضياع الحقوق. لتبقى تحقيقات الفرقة الوطنية، كفيلة بكشف مجمل الحقائق والوقائع، التي أدخلت مالية التعاونية نفق الإفلاس، في أفق تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات.