يواصل المغرب تشديد الخناق على انفصاليي البوليساريو وأسيادهم في الجزائر، بعد سلسلة الانتصارات والانجازات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي حققها والتي تكللت بعودته المظفرة إلى أسرته المؤسساتية القارية خلال قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في أديس أبابا نهاية يناير المنصرم.. هذه الانتصارات التي حققتها المملكة، جعلت خصوم وحدتنا الترابية يلجأون الى أساليب صبيانية للتشويش على المملكة قبل وأثناء وبعد رجوعها إلى الاتحاد الإفريقي، حيث تكلفت شرذمة من انفصالي البوليساريو بتمثيل مسرحية بئيسة لاستفزاز المغرب عبر القيام بمناوشات وتحركات مشبوهة بالمنطقة العازلة قرب الكركرات، وهو ما انتبه اليه المغرب ولم يأبه لتحركاتهم ولم ينجر إلى مستنقع استفزازاتهم، محترما بذلك المواثيق والمعاهدات الدولية..
إلا أن الاستفزازات المتصاعدة لفلول البوليساريو بالمنطقة العازلة وتمردهم على قرارات وتوصيات هيئة الأممالمتحدة، خلال المدة الأخيرة بعد فشل كل مخططات أسيادهم في قصر المرادية لعرقلة جهود المغرب في القارة الإفريقية وانعزال نظامهم العسكري والمخابراتي، بفعل الأزمة التي استشرت في البلاد وأصبحت تهدد بحصد الأخضر واليابس، ولأن المغرب حريص على احترام تعهداته الدولية، فقد بادر جلالة الملك إلى الاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة قصد إحاطته علما بما يقع من خروقات بالمنطقة العازلة بالكركرات حيث أشار جلالته إلى خطورة الوضع الأمني في المنطقة مؤكدا أن الوضع يهدد "وقف إطلاق النار" بين الجانبين..
ومباشرة بعد اتصال جلالة الملك بغويتيريس، وتشديده على خطورة الوضع في المنطقة بسبب توغلات البوليساريو "الاستفزازية" التي "تهدد بشكل جدي وقف إطلاق النار وتعرض الاستقرار الإقليمي للخطر"، سارع الأمين العام للأمم المتحدة إلى إصدار أوامره لجبهة البوليساريو قصد سحب فلوله المتواجدة بالمنطقة العازلة، وفي تحد صارخ للقرارات الأممية رفضت شرذمة الانفصاليين الانسحاب بإيعاز من النظام المخابراتي الجزائري، وهو ما يكشف الوجه الحقيقي للبوليساريو، ومدى الخطورة التي تشكلها على استقرار وأمن المنطقة..
وحرصا من المغرب، كما كان دائما، على احترام تعهداته الدولية، فقد تم سحب كل مظاهر تواجده العسكري بمنطقة الكركرات، وفقا لتعليمات سامية لجلالة الملك الذي أظهر مرة أخرى على حسن نوايا المملكة والتزاماتها بالشرعية الدولية، وهو ما وضع الخصوم في موقف حرج حيث فضلوا عدم الامتثال لأوامر الأمين العام للأمم المتحدة، كاشفين بذلك عن الوجه الحقيقي لجماعتهم المرتزقة كما يفعل قطاع الطرق والخارجون عن القانون..
وبعد انسحاب المغرب الأحادي الجانب من المنطقة العازلة للكركرات، تكون المملكة قد برأت ذمتها من أيّ مسؤولية في اندلاع حرب، لا قدر الله، بسبب تنامي وتعدد وتكرار استفزازات البوليساريو وتمردها على الشرعية الدولية، بعد أن اشتد الخناق حولها وأصبحت وأسيادها في الجزائر في حيرة من أمرهم..
وسيمكّن هذا القرار، المغرب من تعبئة المجموعة الأفريقية والمجتمع الدولي ضد الانفصاليين والجزائر التي تدعمهم وترعاهم بكل ما أوتيت من قوة، وهو ما بدأ يتضح من خلال ترحيب القوى العظمى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وفرنسا واسبانيا، بالقرار المغربي ودعوا الأطراف الأخرى للامتثال لقرارات الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غويتيريس..
ويأتي هذا الانتصار المغربي بموازاة ترحيب الرئيسة الحالية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا برغبة المغرب في الانضمام إلى هذا التجمع الإقليمي كعضو كامل العضوية، وهو ما سيمكن المملكة من تقوية موقفنا، وزيادة الضغط على البوليساريو ومن ورائها الجزائر بسبب اتفاقية الدفاع المشترك بين دول "أكواس"، كما سيسهل مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب مرورا بمعظم دول إفريقيا الغربية تموقع المغرب بالقارة الإفريقية وهو مشروع سيعود بالنفع على دول المنطقة من خلال المحاور التنموية التي يرتكز عليها، مما سيزيد من إشعاع وحضور هذا التجمع الاقتصادي الافريقي على المستوى القاري والعالمي..
كل هذه الخطوات المحكمة والمدروسة ستزيد في إحكام لف الحبل حول عنق جمهورية الوهم العربي وستعجل بفنائها وتحطيم أطروحتها التي رعتها وتبنتها الأنظمة المتتالية بالجزائر منذ الاستقلال والانقلاب على الشرعية..
ومن هنا تفهم الارتباك في صفوف الجبهة والنظام الجزائري الذي أكد اليوم دعمه للانفصاليين، لأنه بدأ يشعر باشتداد خناق الحبل الذي يطوق عنقه، أما المغرب فهو ماض في نهج سياسته الرامية إلى تنزيل إستراتيجيته الخلاقة المرتكزة على منطق رابح- رابح بعيدا عن سياسة الاستعباد التي انتهجتها الدول الاستعمارية وكذا وهم العظمة والنفخ في الذات الأنانية والمتكبرة كما تفعل الجزائر مع الإخوة الأفارقة..
إن ما يجهله الحكام في قصر المرادية، أو يتجاهلونه، هو أن المغرب سيمضي قدما، سواء بمعية الجارة الجزائر أو بدونها، من أجل بناء مستقبل طموح بالنسبة لأبنائه ولباقي الإخوة الأفارقة المؤمنين بقدرات القارة وإمكاناتها، ولن يثني عن ذلك لا الاستفزازات التي تقوم بها شرذمة من الانفصاليين ولا حتى المناورات التي تقف وراءها الجزائر بكل عدتها وعتادها.. وقديما قال الشاعر: ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً .. ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ ..