رحل الأستاذ محمد بوستة. وطني كبير قضى بعد رحلة نضالية بدأت مند الحماية، إذ كان كاتب وفد حزب الاستقلال المشارك في مفاوضات استقلال المغرب والمتكون من عمر بنعبد الجليل وعبدالرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة... وتولى في بداية الاستقلال منصب كاتب الدولة في الخارجية بإلحاح من أحمد بلافريج الذي كان أول وزير خارجية في المغرب المستقل، في الحكومة التي ترأسها البكاي، وتولى وزارة العدل في الحكومة التي ترأسها الملك الراحل محمد الخامس بعد إقالة حكومة عبدالله إبراهيم، وانتخب رئيسا لأول مجلس بلدي لمدينة مراكش. بعد حالة الاستثناء ظل رجل ثقة الزعيم علال الفاسي، الذي جعله يرتقي إلى موقع الرجل الثاني في حزب الاستقلال في ظل وجود عدد من المنافسين. ورغم نزاعات تلك المرحلة، فقد ظل على علاقة طيبة مع الجميع، لأنه كان دائما رجلا لبقا وبشوشا ومتسامحا وكان له دور كبير في التقريب بين وجهات النظر وتجاوز الحساسيات في أواخر الستينات مما سهل تأسيس الكتلة الوطنية سنة 1970 التي عملت على تجاوز حالة الاستثناء. بعد وفاة الزعيم علال الفاسي سنة 1974، بينما كان في رومانيا صحبة بوستة للدفاع عن الوحدة الترابية في وجه إسبانيا آنذاك، اختار الاستقلاليون بوستة أمينا عاما وتم التخلي عن تسمية الرئيس. بعد المسيرة الخضراء وتنظيم أول انتخابات بمشاركة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، قبل بوستة عرض الملك الراحل الحسن الثاني بالدخول إلى الحكومة فيما امتنع عبد الرحيم بوعبيد الذي تلقى نفس العرض، وتولى بوستة وزارة الخارجية خلفا لعبداللطيف الفيلالي، وخاض خلال السنوات التي تولى فيها هذا المنصب في حكومتي عصمان والمعطي بوعبيد بمعارك ضارية مع بوتفليقة ومع الديبلوماسيين الليبيين في ظروف صعبة جدا، حيث كانت ليبيا والجزائر تستخدمان الرشاوي بالدولار على نطاق واسع لشراء الدمم. واستمر في الخارجية إلى حدود 1984 عندما تكاثرت الخلافات وقرر حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة للانتقال إلى المعارضة، وفي سنة 1990 قرر بوستة صحبة عبد الرحيم بوعبيد تقديم ملتمس رقابة باسمي حزبيهما ضد الحكومة فيما قررت المركزيتان التابعتان للحزبين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين شن إضراب عام، الذي نتجت عنه أحداث فاس، كما رفع الزعيمان سنة 1991مذكرة للملك الحسن الثاني تطرح مجموعة من المطالب، يتقدمها إصلاح دستوري، وتم استيعاب بعضها في دستور 1992 بعدها قررا تأسيس الكتلة الديمقراطية، لكن الراحل عبد الرحيم بوعبيد توفي وخلفه عبدالرحمان اليوسفي الذي أكمل المسار مع بوستة وتم الاتفاق لأول مرة على الترشيح المشترك ثم قرر اليوسفي بعد نتائج الانتخابات النيابية التي تلت تعديل الدستور مغادرة البلاد احتجاجا على تزوير الشطر غير المباشر منها وعلى النزاعات الداخلية في حزبه على حد سواء. رغم غياب اليوسفي، الذي كان في حساب مشروع الحسن الثاني للشروع في عدد من الإصلاحات لتجاوز مخلفات ثمانينات ملتهبة، فقد قرر الملك تكليف امحمد بوستة بتكوين حكومة تكون الكتلة الديمقراطية عمودها الفقري، لكن وضعية الاتحاد على الخصوص، وخلافات حول بعض التفاصيل عطلت تكوينها وصدر بلاغ مفاجئ للديوان الملكي في 11 يناير 1995 ينهي تكليف الراحل امحمد بوستة بعدما كان قد تقدم في عمله وحدد الهيكلة الحكومية والتحالفات وتم الاشتغال على البرنامج من طرف الاستقلاليين والاتحاديين.