يشهد حدث مؤتمر آنفا، الذي احتضنته الدارالبيضاء في 14 يناير من سنة 1943، على الأهمية الاستراتيجية للمملكة رغم نظام الحماية الذي كان مفروضا عليها في تلك الفترة. ففي هذا المؤتمر، استقبل جلالة المغفور له محمد الخامس، من طرف الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفيلت، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، كممثل لشعب حليف وصديق يحتل بلده مكانة هامة في استراتيجية التحالف الغربي.
ويعد مؤتمر آنفا، الذي تخلد المملكة ذكراه ال73، محطة حاسمة في مسلسل تحرير المملكة الذي انخرطت فيه الحركة الوطنية تحت قيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس ورفيقه في الكفاح المغفور له الملك الحسن الثاني، وكذا تكريسا للمثل العليا للسلام والحرية عبر العالم التي ساهمت في وضع حد لمآسي الحرب العالمية الثانية.
ففي هذا اليوم ، تحولت آنفا إلى عاصمة عالمية حيث عقد بأحد فنادقها لقاء، في سرية تامة، جمع بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي الجنرال دوغول آنذاك، وبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس.
وقد اكتسى هذا الحدث أهمية استراتيجية كبرى لكونه شكل انطلاقة مرحلة جديدة في العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وخطوة محورية في تاريخ الحركة النضالية المغربية نحو استقلال المملكة المغربية من الاستعمار الفرنسي.
كما شكل هذا المؤتمر فرصة مواتية بالنسبة للقادة المشاركين فيه لتحديد الإجراءات السياسية والعسكرية للحلفاء ضد الجيوش الألمانية، واتخذوا قرارات مهمة تتعلق باعتماد استراتيجية عسكرية وسياسية لإخضاع كل من ألمانيا واليابان.
وأفضى هذا المؤتمر إلى توقيع العديد من الاتفاقيات قرر الحلفاء، عبرها، مطالبة قوات المحور بالاستسلام غير المشروط، ومواصلة مساعدة الحلفاء للاتحاد السوفياتي سابقا، كما قرروا غزو صقلية وإيطاليا، انطلاقا من تونس وصوتوا لإدارة مشتركة لجميع القوات الفرنسية في الحرب من قبل الجنرال جيرو والجنرال دوغول.
وبالنسبة للحركة الوطنية وقائدها جلالة المغفور له محمد الخامس، شكل مؤتمر آنفا فرصة لطرح القضية الوطنية الأولى، بهدف معانقة الحرية والاستقلال، خاصة وأن المملكة، ورغم أنها كانت ترزح تحت الحماية، أعربت منذ نشوب الحرب العالمية الثانية في شتنبر من سنة 1939 عن اصطفافها إلى جانب الحلفاء في مواجهة القوات النازية والفاشية.
وأتاح حضور السلطان محمد بن يوسف والقاضي محمد بن إدريس العلوي جلسات المؤتمر كسب تعاطف الدول الحليفة المشاركة، وتعبيرها عن دعمها للمطالب المشروعة للمملكة المغربية، خاصة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أبانت عن دعم قوي للمغرب في مفاوضاته مع فرنسا من أجل الاستقلال، حيث اضطلع الرئيس روزفلت بدور هام بعد أن صمم على تنفيذ كل بنود معاهدة حلف الأطلسي المصادق عليها من طرف الحلفاء سنة 1941 والتي ارتكزت أساسا على الدفاع عن الحرية وعن استقلال الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بنفسها.
وأكد جلالة المغفور له محمد الخامس، خلال لقائه الذي جمعه بالرئيس روزفلت، على مشروعية مطالب الحركة الوطنية وتبني جلالته لها، محققا بذلك اعترافا بحق المملكة في الحصول على استقلالها ونيل حريتها كاملة.
وقد عبر الرئيس الأمريكي روزفلت عن تأييده لمطالب المغرب ووصف طموحه باستعادة حريته بالمعقول وأن مكافأة الحلفاء واجب، وما إن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين عريضة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع وتزكية من بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها مع مراعاة الشرائح الاجتماعية وتمثيل جميع المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد.
كما شكل هذا اللقاء فرصة لبحث جلالته سبل تطوير علاقات التعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية كحليف وصديق يحتل مكانة هامة في استراتيجية التحالف الغربي، علما أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلالها عن الاستعمار البريطاني في عهد السلطان محمد بن عبد الله. وهكذا فمؤتمر أنفا كمحطة من تاريخ المغرب المعاصر تبرز الثوابت التي قامت عليها المملكة المغربية كدولة تعمل من أجل الحرية والديمقراطية والسلم، ويحق للمغاربة أن يفخروا بالدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي من أجل إرساء السلم العالمي.