يخلد الشعب المغربي يومه الجمعة الذكرى 68 لانعقاد مؤتمر أنفا الذي حول مدينة الدارالبيضاء ما بين 14 و 24 يناير 1943 إلى عاصمة عالمية اتخذت فيها قرارات حاسمة لمواجهة ألمانيا واليابان وكذا لتحرير أوربا وشمال إفريقيا إبان الحرب العالمية الثانية. وقد تم خلال هذا المؤتمر، الذي جمع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشيرشل والرئيس الفرنسي الجنرال دوغول وجلالة المغفور له محمد الخامس رفقة ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني وعمره لا يتجاوز 14سنة، اتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية مصيرية من قبل الحلفاء في مواجهة الجيوش الألمانية وكذا قرارات هامة ترتبط بالإنزال العسكري في اوربا لتحرير أوربا وتبني إستراتيجية محكمة لإخضاع ألمانيا واليابان. ونظرا للأهمية الاستراتيجية للمغرب، تم استقبال جلالة المغفور له محمد الخامس من طرف الرئيس الأمريكي روزفلت الذي لعب آنذاك دورا كبيرا في مواصلة تنفيذ بنود معاهدة الحلف الأطلسي باستكمال تحرير أوربا وشمال إفريقيا بطرد القوات الألمانية من تونس وليبيا وتكريس حق الشعوب في تقرير المصير في كل من أوربا وإفريقيا. وقد انطلقت خلال هذه الفترة المفاوضات بشأن استقلال المغرب، إذ نشرت الحركة الوطنية بالشمال الذي كان تحت الحماية الإسبانية يوم 14 فبراير 1943 وثيقة المطالبة بالاستقلال التي كانت آنذاك غير معروفة لدى الرأي العام، كما شكل مستقبل باقي مناطق المغرب التي كانت تحت الحماية الفرنسية محور مناقشة بين جلالة المغفور له محمد الخامس والرئيس روزفلت الذي عبر عن مساندته لمطالب المغرب بالحصول على الاستقلال.. وقد قاد جلالة المغفور له محمد الخامس بعد ذلك بسنة في 11 يناير 1944، الحركة الوطنية من خلال تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الإشارة الأولى لسياسة محو الاستعمار والتي نص عليها ميثاق الحلف الأطلسي خلال 18 يناير 1941، أعطيت بأنفا. وعبر الرئيس الأمريكي روزفلت عن تأييده لمطالب المغرب ووصف طموحه باستعادة حريته بالمعقول وأن مكافأة الحلفاء واجب، وما أن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين عريضة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع وتزكية من بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها مع مراعاة الشرائح الاجتماعية وتمثيل جميع المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد. وفي سنة 1945 وبعد تحرير فرنسا قام جلالة الملك برحلة إلى باريس، حيث عاهده الجنرال دوغول بفتح مفاوضات بشأن مستقبل العلاقات بين المغرب وفرنسا بمجرد ما تحصل فرنسا على دستور لها. وكان الخطاب التاريخي بطنجة خلال 1947، والذي طالب فيه جلالة الملك علنيا وبصفة رسمية باستقلال المغرب والاعتراف بوحدته السياسية والترابية وانضمامه إلى حظيرة جامعة الدول العربية، غير أنه في سنة 1953 وبالضبط في 20 غشت دبر المستعمر مؤامرته الدنيئة بعدما رفض جلالة المغفور له محمد الخامس التنازل عن العرش، مما أدى إلى نفيه رفقة العائلة الملكية إلى أن عاد حاملا لواء النصر يوم 18 نونبر 1955 تاريخ الحصول على الاستقلال. ويتجسد استثمار هذه الدروس والعبر في النضال الذي يخوضه المغرب ملكا وشعبا من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية والتصدي لمناورات الخصوم ومؤامراتهم، في استماتة لا تقل عن استماتة الكفاح من أجل الاستقلال وذلك تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس الذي ما فتئ يؤكد على أن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ليست موضع مساومة.