كان أولا وقبل كل شيء خطاب التفرد والتميز والاستثناء، ورسالة قوية تؤكد كينونة المملكة المغربية كأمة/ دولةُ Etat- Nationلا تعبأ بالرياح مهما كانت شرقية أو غربية، بل تستلهم من تاريخها العبر والدروس، ومن الحاضر قيمة الثبات، و تنظر إلى المستقبل بعين الثقة والاستباقية واليقين. خطاب الملك محمد السادس في الذكرى 41 للمسيرة الخضراء، من العاصمة السنغاليةدكار، له دلالة التقدير والعرفان لبلد إفريقي شقيق تجمعه بالمغرب روابط روحية، بلد ما خذلنا يوما في حقنا المشروع، بل كان لنا سندا قويا من أجل المبدأ ولم تغره قط أموال الغاز الجزائري، لأنه ( السنغال) بلد الأحرار في القارة السمراء، وكان أول نموذج أفريقي في مجال الديمقراطية، والديمقراطيات على أشكالها تقع.
اختيار الملك محمد السادس لدكار لتوجيه الخطاب، هو كذلك تأكيد على العمق الأفريقي للمغرب وبإيمانه بان القارة السمراء هي الشريك الأساسي في التنمية، بعيدا عن أي تبعية أو مساومة، وبأن خروج المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية ( الاتحاد الأفريقي حاليا) كان قرارا سياديا رافضا للعبث ولتقسيم القارة إلى كيانات قزمية، ولم يثن المغرب عن الالتزام بخدمة المصلحة الحقيقية لأفريقيا من خلال توطيد علاقاته الثنائية مع مختلف أقطارها، وبالتالي فإن قرار عودته إلى منتظم قاري كان من مؤسسيه يظل أيضا قرارا سياديا.
مضمون الخطاب الملكي في مجمله واللهجة الواثقة لجلالة الملك، كان أيضا خير رد على بعض ضعاف النفوس الذين يتوهمون أن الركوب على موجه حادث عرضي مؤسف بإمكانه أن يزعزع كيان دولة حقيقية تبنت الديمقراطية واعتمدت قيم القانون وثقافة حقوق الإنسان.
لقد ركز الخطاب على القضايا الكبرى التي تهم مستقبل المغاربة، موجها إلى النخبة السياسية رسالة تدعو إلى التخليق والمردودية بناء على معايير الكفاءة والقدرة على خدمة مصلحة البلاد داخليا وخارجيا.
إن الملك كرجل دولة يحسب حساب الوطن ويدرك أهمية الزمن، في حين أن جزءا كبيرا من النخبة لم يتجاوز مرحلة حساب المقاعد وعد الغنائم .
أنه خطاب الثقة والاطمئنان إلى أن للمغرب ملك وطني ومواطن يحمل هم الوطن أينما حل وارتحل.