تواصلت أمس تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا مع اتساع حملة الاعتقالات والإقالات فى صفوف مختلف مؤسسات الدولة، ذلك وسط تهديدات الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام على المعتقلين، فى الوقت الذى حذر فيه الاتحاد الأوروبى من أن استمرار تركيا فى الخروج عن أحكام الدستور والقانون ينهى محادثات انضمامها للاتحاد، مع استمرار دعوات دول العالم للحكومة بالهدوء وضبط النفس فى التعامل مع الموقف. ففى سياق تطورات الوضع الداخلى، أعلنت وزارة الداخلية التركية إعفاء حوالى 9 آلاف من قوات الأمن وغيرهم من المسئولين منذ الانقلاب العسكرى الفاشل، إلى جانب إقالة 30 محافظا و52 مفتشا مدنيا و16 مستشارا قانونيا ولم يتضمن هذا الرقم من تم عزلهم من الجيش. وكان مسئولون صرحوا أمس أنه تم اعتقال نحو ثلاثة آلاف عسكري.
وتضمنت الأرقام الجديدة التى أعلنتها وزارة الداخلية 614 من قوات الدرك. ومن جهته، أعلن بن على يلدريم رئيس الحكومة التركية أن التحقيقات جارية للوقوف على ملابسات محاولة الانقلاب ومدبريها، مضيفا أنه تم اعتقال 7 آلاف و543 شخصا، من بينهم 6 آلاف و38 عسكريا، وارتفاع عدد القتلى إلى 207 أشخاص، إضافة إلى 145 من الانقلابيين وقال يلدريم إن كل وسائل الإعلام من دون استثناء أظهرت موقفا وطنيا جدا خلال تناولها لمحاولة الانقلاب "الفاشلة".
وأشار إلى أن تركيا دولة قانون، وأن إعادة تطبيق عقوبة الإعدام هو مطلب الجماهير فى الشارع. وأكد يلدريم أن الانقلابيين سيحاسبون فى إطار القانون، وقال "سنحاسب على كل قطرة دم أريقت". وقال إنه "من الخطأ اتخاذ قرار متسرع بشأن عقوبة الإعدام، لكن تركيا لا يمكنها أن تتجاهل مطالب شعبها". وأضاف أن "إعادة تنفيذ عقوبة الإعدام سيتطلب تعديلا دستوريا".
وأعرب يلدريم عن أسفه من طلب أحد الأصدقاء، فى إشارة إلى الولاياتالمتحدة، بتقديم أدلة بتورط فتح الله غولن دون أن يذكره بالاسم فى محاولة الانقلاب، وقال يلدريم إن بلاده قد "تراجع صداقتها بواشنطن. ولدينا وثائق تظهر من المسئول عن محاولة الانقلاب". وفى السياق نفسه، قال مصدر فى مكتب الرئيس أردوغان إنه مدد أمرا للمقاتلات بالقيام بدوريات فى المجال الجوى فوق أسطنبول وأنقرة حتى يوم الإثنين المقبل، كما حظر أيضا إقلاع طائرات الهليكوبتر العسكرية من إسطنبول، مع التصريح بإطلاق النار مباشرة على أى مروحيات تقلع.
وأشارت وسائل إعلام إلى أن السلطات السعودية أوقفت الملحق العسكرى التركي فى الكويت بعد محاولته السفر جوا إلى أوروبا، للاشتباه بصلته بمحاولة الانقلاب وفى غضون ذلك، ذكرت محطة "سي. إن. إن ترك" أنه تمت إقالة 30 حاكما إقليميا تركيا، إضافة إلى 50 موظفا رسميا فى الدولة من كبار الموظفين ومن جهتها، أشارت منظمة "إنجلى ويب" وناشطون إلى أن الحكومة التركية حظرت نحو 20 بوابة إليكترونية وموقعا إخباريا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. وفى هذه الأثناء، قال حزب الشعب الجمهورى المعارض فى تركيا إن الرد على محاولة الانقلاب الفاشلة يجب أن يكون فى إطار سيادة القانون وإن المدبرين ومن ساعدوهم يجب أن يمثلوا أمام القضاء، وذكر الحزب أنه لا ينبغى إظهار الجيش فى صورة العدو. بينما أكد متحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطى التركي الموالي للأكراد أن الحزب لن يؤيد أي اقتراح في البرلمان لإقرار عقوبة الإعدام من جديد في البلاد عقب محاولة الانقلاب.
وأضاف المتحدث أيهان بيلجن "لا لن نؤيده" قائلا إنه لا يمكن بأى حال ألا تطبق القوانين الجديدة بأثر رجعي، وإن من مسئولية السياسيين نقل هذه الرسالة للشعب وفي الوقت نفسه، أكد موقع ويكيليكس أنه يستعد لنشر أكثر من 100 ألف وثيقة متعلقة بالحكومة التركية وكتب الموقع على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي "استعدوا للمعركة، سوف ننشر أكثر من 100 ألف وثيقة متعلقة بهيكل السلطة السياسية فى تركيا". وعلى الصعيد الاقتصادي، قال محمد شيمشك نائب رئيس الوزراء التركى إن اقتصاد بلاده لن يعاني إلى الأبد من محاولة الانقلاب الفاشلة، وإن كان هناك أثر سلبي قصير الأمد على النمو.
وفي إطار ردود الأفعال الدولية، أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أن تركيا يجب أن تقدم "أدلة وليس مزاعم" حول تورط جولن، داعيا الحكومة التركية إلى الحفاظ على الهدوء والاستقرار في البلاد واحترام المؤسسات الديمقراطية للأمة واحترام دولة القانون، ومحذرا إياها من التجاوز.
ومن جهتها، أكدت فيديريكا موجيرينى، مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، أنه يجب على السلطات التركية احترام الحقوق الدستورية والأساسية في الرد على الانقلاب الفاشل. وفي السياق نفسه، قال يوهانس هان المفوض المسئول عن توسعة الاتحاد الأوروبى إن عمليات الاعتقال السريعة التي تمت فى صفوف القضاة وغيرهم تشير إلى أن الحكومة أعدت قائمة الاعتقالات سلفا.
وفي موسكو، أعرب الكرملين عن قلقه من الاضطرابات التي تشهدها تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب وقال ديمترى بيسكوف المتحدث باسم الكرملين "بالتأكيد هذا الاضطراب على طول حدودنا هو مصدر للقلق.. وفي ضوء المعلومات التي تصلنا يجري اتخاذ إجراءات أمن مناسبة". وأضاف "مستمرون في متابعة تطورات الأمور عن كثب، ونود أن نرى جيراننا دولا مزدهرة ومستقرة".
وفي برلين، انتقدت ألمانيا "مشاهد التعسف والانتقام" التي شهدتها تركيا بعد الانقلاب الفاشل.
وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة "في الساعات الأولى التي تلت الانقلاب شهدنا مشاهد مقززة من التعسف والانتقام ضد الجنود في الشوارع. هذا لا يمكن قبوله".
ومن جانبه، حذر نوربرت لامرت، رئيس البرلمان الألمانى "البوندستاج"، تركيا من العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام وأضاف رئيس البرلمان الألمانى قائلا "إن البرلمان التركي يقع على عاتقه في هذا الموقف مسؤولية مضاعفة داخليا وخارجيا".
على جانب آخر، دعا الآن جوبيه رئيس الوزراء الفرنسى السابق إلى وقف توسيع الاتحاد الاوروبي، واعتبر أن تركيا ليس لها مكان فيه مطالبا بوقف المفاوضات مع دول البلقان.
وفى فيينا، أعلن سيباستيان كورتس وزير الخارجية النمساوى أن إقرار عقوبة الإعدام فى تركيا من جديد ردا على محاولة الانقلاب سيكون غير مقبول على الإطلاق، موضحا أنه "يجب ألا يكون هناك تطهير تعسفي ولا عقوبات جنائية خارج إطار حكم القانون ونظام العدالة". من جانبه، حذر يان أسلبورن وزير خارجية لوكسمبورج الحكومة التركية من إعادة تطبيق عقوبة الإعدام.