بعد سنة تميزت ببرود دبلوماسي، عمل المغرب وفرنسا انطلاقا من يناير 2015 ، على ضخ دينامية جديدة في شراكتهما الاستثنائية ،القوية بعلاقاتهما المتجذرة في التاريخ. وشكلت مختلف اللقاءات عالية المستوى بين المسؤولين المغاربة والفرنسيين، طيلة هذه السنة التي تشرف على نهايتها، دليلا ساطعا ، على تشبث البلدين بغنى روابطهما ، وقوة صداقتهما، فضلا عن حيوية تعاونهما على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية والثقافية.
وبالفعل ساهم اللقاء الذي تم في فبراير الماضي بباريس بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في اعطاء العلاقات الثنائية دينامية جديدة ، ومكن من النهوض بتعاون وثيق وطموح بين البلدين.
وجاء لقاء القمة هذا بعد بضعة ايام من التوقيع في يناير على اتفاق جديد في المجال القضائي،والذي وضع حدا لحالة البرود، التي أثرت سلبا خلال بضعة أشهر على الشراكة الاستثنائية، المغربية الفرنسية، واكد عزم البلدين على استئناف مسار التفاهم.
وأعقب التوقيع على هذه الاتفاقية، انعقاد الاجتماع المغربي الفرنسي الثاني عشر من مستوى عال متم ماي الماضي، برئاسة رئيسي الحكومة، والذي شكل فرصة لتعزيز الشراكة الثنائية بنموذج جديد للتنظيم، والتركيز على ضرورة رفع تحديات القرن الحادي والعشرين، وما يطرحه من رهانات اقليمية ودولية.
وقرر البلدان خلال هذا الاجتماع الذي توج بالتوقيع عل عدد من اتفاقيات التعاون، تعزيز الجانب العملي للتعاون حول خمسة اقطاب موضوعاتية تتمثل في الحوار الدبلوماسي والاستراتيجي، والامن، والحوار بين المقاولات والتنمية المستدامة.
وتتميز العلاقات المغربية الفرنسية بكثافتها على الصعيد الاقتصادي، كما يبرهن على ذلك اطلاق عدد من المشاريع المشتركة، والحضور القوي للمقاولات الفرنسية بالمغرب.
ويجسد مصنع رونو طنجة ، ومشروع الخط السككي فائق السرعة ، الذي قطع انجازه مراحل متقدمة ، بشكل تام هذه الشراكة الاقتصادية النموذجية ، المدعوة لان تتعزز أكثر بما يسهم في نمو مقاولات البلدين بالقارة الافريقية.
وقد تجسدت هذه الثقة التي وضعها الفاعلون الاقتصاديون الفرنسيون في المملكة، مرة اخرى بالتوقيع على اتفاق يتعلق باستقرار مصنع ثان في مجال صناعة السيارات بالمغرب، يتمثل في مجموعة (بي إي أ بوجو سيتروين)، وهي الثقة التي مكنت من جعل صناعة السيارات أول قطاع مصدر في المملكة سنة 2014 .
يعكس استقرار هذه المجموعة الفرنسية، الطموح المشترك للبلدين من اجل مواصلة تعزيز شراكتهما من خلال تطوير مشاريع مشتركة في القطاعات الواعدة وخاصة النقل والطاقات المتجددة، والسياحة والقطاع الرقمي في اتجاه الاسواق الصاعدة بالمنطقة والقارة الافريقية بالاساس.
في هذا السياق تندرج زيارة الصداقة والعمل التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في شتنبر الماضي للمغرب، والتي استهدفت مواصلة تعميق العلاقات الثنائية الكثيفة والاستثنائية في عدة مجالات.
ويجدر التذكير بالدعم المالي الهام الذي خصصته الوكالة الفرنسية للتنمية لفائدة عدد من مشاريع التنمية الاقتصادية بالمملكة، والتي تهم عدة مجالات منها النهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية والنقل.
كما يجب التذكير بانه تم احصاء نحو 750 فرعا لمقاولات فرنسية بالمغرب الذي يعد اول وجهة للاستثمارات الفرنسية بالقارة الافريقية.
ويشمل التعاون المغربي الفرنسي ايضا، محاربة الارهاب والاتجار في المخدرات، اذ اشاد الرئيس الفرنسي في هذا الصدد بجودة التعاون مع المملكة في مجال مكافحة الاتجار في المخدرات عقب حجز ستة اطنان من الشيرا في يوليوز الماضي بمنطقة مرسيليا.
من ناحية اخرى عبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وصاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال مباحثات بينهما في نونبر الماضي بالايليزي عن العزم المشترك للبلدين في التصدي للارهاب والتطرف، والعمل على حل الازمات الاقليمية والدولية.
وانتهز رئيس الدولة الفرنسية هذه الفرصة للتعبير عن شكره لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، للمساعدة القيمة التي قدمها المغرب عقب اعتداءات 13 نونبر بباريس.
وقد تم تجسيد هذه الارادة في التصدي المشترك للتطرف، من خلال التوقيع خلال زيارة فرانسوا هولاند لطنجة، على الاعلان المشترك الفرنسي المغربي المتعلق بالتعاون في مجال تكوين الأئمة.
من جهة اخرى تجسدت جودة التنسيق بين البلدين ايضا خلال المؤتمر الدولي حول التغيرات المناخية (كوب 21) بباريس، خاصة وان المغرب سيحتضن الدورة الموالية للمؤتمر (كوب 22) في نونبر المقبل بمراكش.
وتكرس هذا التنسيق بالتوقيع في شتنبر الماضي على نداء طنجة من اجل عمل تضامني قوي لفائدة المناخ، وبمشاركة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الجلسة الافتتاحية ل(كوب 21 ) بباريس . وتبرهن الدينامية الجديدة التي تشهدها الشراكة المغربية الفرنسية منذ بداية 2015 ، بما لا يدع مجالا للشك ، على ان العلاقات الثنائية تندرج في اطار الاستمرارية وتعد بمستقبل زاهر.