صوت النواب السويسريون لصالح إنهاء السر البنكي، الأسطورة السويسرية التي عمرت طويلا، واستفادت منها بنوك، إلى عهد قريب، بفضل ثلث الثروة العالمية من الودائع. في سنة 1934، تم اعتماد السر البنكي، باعتباره دعامة اقتصادية وورقة سياسية يتم إشهارها لترسيخ تقليد الصمت، وصارت منذ ذلك الحين مؤهلا قويا للسوق المالية بهمينتها على 27 بالمائة من السوق العالمية في مجال تدبير الثروات.
ويعتبر الخبير المالي إيف جونيي، الذي يعمل لحساب الوكالة الاقتصادية والمالية (أجيفي)، أن الأمر يتعلق بانهيار أحد الرموز المتعلقة بالهوية في بلد استقرت به أكبر البنوك العالمية.
وظلت هذه الممارسة المدرة للأموال محمية منذ سنة 1980 بالقانون الفدرالي للبنوك وصناديق الادخار الذي يفرض عقوبة تصل إلى السجن ثلاث سنوات في حق أي شخص يخون السر المتعلق بالشؤون المالية للزبناء.
وباستثناء اليمين المتطرف وأقلية من المحافظين، لم يجد النواب بدا من الموافقة على انضمام البلاد للقانون الجديد للتبادل الآلي للمعطيات الجبائية، الذي يرتقب أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2017.
وتحت قبة البرلمان، توحي كل المؤشرات بأن نهاية "السر البنكي" كانت مبرمجة منذ سنوات وأن جلسة التصويت لم تكن سوى استجابة للضغط الدولي. فمنذ مدة، وظف الأمريكيون كافة الوسائل للحصول على أسماء المتهربين، من خلال فرض غرامات على البنوك وإصدار مذكرات توقيف في حق الموظفين، الذين يعدون متواطئين.
وفي المقابل كان الاتحاد الديمقراطي للوسط، أحد أهم أحزاب اليمين المتطرف، الوحيد الذي صوت ضد القانون، معتبرا إلغاء السر البنكي بمثابة قرار معادي لسويسرا.
ويقول سيرجيو روسي، خبير مالي وأستاذ الاقتصاد بجامعة فريبورغ "أنا مندهش بشكل إيجابي للسرعة التي جرت بها الأمور. فالبنوك السويسرية، وكذلك الطبقة السياسية، أدركت أنه يتعين القيام بتغيير". فقبل بضع سنوات، كانت سويسرا تراهن على إمكانية الإبقاء على هوية الزبناء الأجانب ومعطياتهم المالية طي الكتمان.
وفي البداية أيد أكبر المدافعين عن السر البنكي جعله أكثر مرونة بشكل تدريجي، قبل أن يوقعوا على إنهائه بشكل تام، ويعود الفضل في ذلك إلى التغيرات العالمية. ويضيف الخبير المالي أن السوق المالية السويسرية لا يمكن أن تضمن استمراريتها دون أن تندمج في السياق العالمي وبالتالي فهي مضطرة للانضباط لمعايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وفي هذا السياق، اضطرت السلطات لنشر، وأحيانا فضح، قوائم الآلاف من أصحاب الحسابات غير المصرح بها في فرنساوالولاياتالمتحدة. وقد تم تغريم البنك الأول في القطاع "أو بي إس" بغرامة قياسية فاقت قيمتها مليار أورو، عقب تحقيق قضائي تم الشروع فيه منذ أشهر بشأن التهرب الضريبي.
كما فرضت على بنك "كريدي سويس" غرامة غير مسبوقة بقيمة 2,6 مليار دولار في الولاياتالمتحدة بتهمة "المساعدة على التهرب الضريبي"، وهي أقسى عقوبة يتعرض لها بنك أجنبي.
وبحسب رئيس هيئة المصرفيين السويسريين، لومبارت أوديي، فليس بإمكان أحد الاعتراض على التبادل الآلي للمعلومات ذات الطابع الجبائي إذا أصبح هذا المعيار دوليا. وقال محذرا "ننتظر من السياسيين أن يدركوا الخطر: إذا لم نقم برد فعل فإن الصفقات المالية ومناصب الشغل سيتم ترحيلها إلى الخارج".
ويطالب أوديي بوضع تصور للسر البنكي من شأنه ضمان السرية ولكن دون تسخيره لأغراض غير قانونية.
ويظل السؤال مطروحا بشأن ما إذا كان السويسريون أنفسهم سيقومون بالضغط من أجل الحفاظ على تقليد السر البنكي من خلال صناديق الاقتراع. إذ أن الكلمة الأخيرة تعود للشعب في حال اللجوء إلى استفتاء بشأن هذا الملف الحساس، كما يقتضي ذلك النظام الديمقراطي المباشر في سويسرا.