طرحت إقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ل"الرجل الشبح"، الجنرال توفيق، أسئلة كثيرة لدى المتابعين للشأن الجزائري. وتعمقت حالة الترقب في الجزائر وانتظار نهاية الحلقة الأخيرة من مسلسل إقالة قادة المؤسسة العسكرية، والذي بدأ برئيس دائرة الإعلام والتوثيق العقيد فوزي وانتهى الأحد بالجنرال توفيق. واعتبر الضابط الجزائري السابق المقيم حاليا في لندن النقيب أحمد شوشان، إقالة الجنرال توفيق من على رأس جهاز الاستخبارات، في سياق ما أسماه عملية التطهير بغرض "تمدين الحياة العامة في البلاد، وإنهاء سطوة مجموعة من الضباط على مفاصل الدولة، ولجم تغول الجهاز الذي صار منذ مجيء توفيق في عام 1990، بمثابة الحاكم الذي يشتغل خارج الأطر التشريعية للدولة، ولا يخضع لأي مراقبة أو مؤسسة".
وعلل سلسلة التغييرات الجارية على هياكل وضباط جهاز الأمن والاستعلامات، بكون قيادة أركان الجيش بقيادة الجنرال قايد صالح، تريد تخليص المؤسستين العسكرية والأمنية من أشخاص قد يتحولون إلى عبء على كاهل الدولة، وأن بقاءهم سيورطها في مآزق مع شركائها الإقليميين والدوليين في المجالين الأمني والاقتصادي، بالنظر إلى ما أسماه "جملة من الانحرافات والتجاوزات تراكمت على مدار 25 سنة".
وعكس التضارب الذي أحاط بالقرار بين الإقالة أو الإحالة على التقاعد، وبين ما يكون قد سربته أوساط فرنسية عن قبول بوتفليقة لاستقالة قدمها الجنرال منذ عشرة أيام، يؤكد شوشان، العقيد السابق في الجيش الجزائري أن "قيادة الأركان هي التي ضغطت على بوتفليقة لإقالة توفيق".
وأشار إلى أن "قيادة الأركان بقيادة الجنرال قايد صالح هي التي تنفذ عملية التغيير بمعزل عن بوتفليقة"، في إطار ما أسماه ب"اتفاق سري بين أجنحة السلطة أبرم في فال دوغراس الفرنسية حين كان بوتفليقة يعالج هناك من جلطته الدماغية، يقوم بموجبه كل جناح بمهمته لأجل طي صفحة الجمهورية الأولى".
واعتبر الخبير السياسي رشيد غريم أن بوتفليقة "أصبح وحده في الساحة" بعد 16 عاما قضاها في الحكم، وهو "بصدد المرور إلى المرحلة الثانية، أي خلافة الرئيس المنهك".
رحيل حاكم الخفاء يمهد الطريق لهيمنة حكام ظل جدد
وأضاف غريم أن بوتفليقة "يحضر نفسه لترك السلطة مع إشرافه على خلافته" من خلال "سيناريو محكم هو الآن بصدد تنفيذه يتضمن تحويل جهاز المخابرات إلى قوقعة خاوية"، بعد نزع صلاحيات واسعة منه وإسنادها إلى قايد صالح.
وعزا الناشط المعارض أنور مالك، مسألة الإطاحة بالجنرال توفيق، إلى تغول جناح الرئاسة بقيادة رجل الظل الآخر سعيد بوتفليقة، ويعكس التحول بسط نفوذه (جناح الرئاسة) على مؤسسات الدولة والتخلص من ألد خصومه، من أجل ترتيب المرحلة المقبلة مع رئيس لا يخرج عن دائرة العائلة الحاكمة.
وكتبت صحيفة "لوكوتيديان دورون" أمس أن الجزائريين "لا يعرفون إن كانت السلطة ستغير معسكرها قريبا"، لكن "الأكيد أن مرحلة ما بعد بوتفليقة ليست بعيدة حتى وإن كان معسكره وعلى رأسه شقيقه الأصغر السعيد يسيطر حاليا على كل مقاليد الحكم".
لكن رشيد غريم لا يعتقد بإمكانية ترشح شقيق الرئيس، مشيرا إلى أن "بوتفليقة يريد فقط أن يضمن حماية أقاربه من أي تصفية حسابات" بعد رحيله.
وقبل شهر خرج مدير ديوان الرئاسة الرجل القوي في السلطة أحمد أويحيى لينفي أي طموح للسعيد بوتفليقة. وقال "من يعرف السعيد من قريب أو من بعيد يدرك أنه لا يلعب في هذا الاتجاه. الجزائر ليست مصر"، في إشارة إلى الحديث عن توريث الحكم بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وابنه جمال قبل ثورة يناير 2011.
نُشر في 15/09/2015 على موقع صحيفة "العرب" بقلم صابر بليدي