من عبد الرزاق طريبق- مدير مكتب و م ع بأثينا ساهمت الأزمة المالية التي تعرفها اليونان منذ العام 2008 في حدوث انهيار شبه كامل في قطاع العقار بالبلاد، مع عدم وجود أية مؤشرات عن انتعاش قريب في ظل إغلاق البنوك المتواصل منذ 26 يونيو الماضي ومشاعر الخوف من المجهول والتي تجعل الملاك يفضلون البيع بأقل الاسعار لتأمين السيولة.
وقال جورج كينتيس مدير مكتب الدراسات اليوناني (ألسيموس) إن قطاع العقارات اليوناني هوى من القمة الى القاع خلال الفترة ما بين 2008-2014 إذ انخفضت أسعار العقارات السكنية ب 8ر38 في المائة حسب مؤشر أسعار المنازل للبنك المركزي اليوناني، وبنسبة 3ر35 في المائة حسب مؤشر (بروب انديكس) للبنوك وبنسبة 50 في المائة حسب وكالات السمسرة.
وأضاف إن الوضع تفاقم منذ مطلع العام 2015 إذ سجل ركود كبير ومزيد من التراجع في الاسعار.
وأضاف كينيتس أن معدل أسعار بيع العقارات في أثينا لا يتجاوز حاليا 1300 أورو للمتر المربع في المتوسط وهي أرقام متدنية بشكل حاد بالمقارنة مع بلدان الجوار في حوض المتوسط، ذلك أن الاسعار في برشلونة هي من 4237 اورو للمتر الربع في المتوسط وفي روما 6124 اورو للمتر المربع ومدريد 4097 اورو للمتر المربع وبيروت 3418 اورو للمتر المربع.
وقال إن الاسعار في المناطق القريبة من البحر وفي الجزر اليونانية لم تعرف تراجعا بأكثر من 30 في المائة، ولذلك تبقى الاسعار مثلا في العاصمة أثينا مرتفعة فقط في أحياء قريبة من البحر مثل غليقادا حيث تراجعت الى 2183 أورو للمتر وفولا ب 2453 اورو للمتر وفولياغميني ب 3299 اورو للمتر المبني.
ووفقا لإحصائيات رسمية حصلت عليها وكالة المغرب العربي للأنباء فخلال الربع الاول من العام الجاري بيع 1800 عقارا في جميع مناطق اليونان بتراجع حاد عن الفترة نفسها من العام الماضي حيث بيع 15 ألف عقارا في حين بيع خلال الفترة نفسها من العام 2004 ما مجموعه 165 الف عقار.
ووفقا للإحصائيات نفسها فهناك ما لا يقل عن 250 ألف عقار في اليونان ينتظر مشترين، إذ رغم التراجع الحاد في الاسعار فإن الطلب ضعيف جدا.
ويثير هذا الوضع شهية الأجانب الراغبين في اقتناء عقارات ثانوية خصوصا في الجزر اليونانية، وحتى داخل المدن الكبرى حيث بإمكانهم شراء الأجمل والارخص.
يقول باتريك . ز مدير مكتب سمسرة في اثينا لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الكثير من السوريين والعراقيين اشتروا خلال السنتين الأخيرتين منازل في أثينا وبدرجة أقل الاردنيين، مستفيدين من قرار الحكومة منح مستثمري القطاع تصاريح إقامة في إطار مساعيها لإنعاش سوق العقارات.
وأضاف أن هؤلاء في غالبيتهم أثرياء فارون من الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وليس باستطاعتهم شراء منازل مماثلة بالاسعار ذاتها في عواصم أوربية أو حتى عربية مجاورة إذ أن الاسعار في أثينا مغرية للغاية.
وأضاف أن فندقا فخما في وسط العاصمة اليونانية طلب من وكالة السمسرة التي يديرها بيع عقار تابع له وسط أثينا مساحته 400 متر بسعر 5ر1 مليون أورو ، مشيرا الى أن الوكالة قومته فقط ب 400 الف أورو أمام استغراب مالكيه غير أنه لم يحظ لأزيد من سنة بفرصة للبيع، ولاحقا أنزل السعر الى 700 الف أورو ولغاية الآن ليس هناك مشتر.
وأضاف باتريك أن من يتوفر على السيولة بإمكانه شراء الأفضل والأجمل والارخص فليس العقار ما ينقص في أثينا أو اليونان ولكن السيولة هي ما تفتقده البلاد. وضرب مثلا بسفارات غربية وشركات عالمية عديد اقتنت عقارات ضخمة وسط أثينا وبأسعار جد تنافسية.
وقبل ثلاثة أشهر اقتنت جمعية الصحافيين الأجانب في اليونان عقارا في منطقة راقية وسط أثينا تفوق مساحته 240 مترا ب 144 الف أورو فقط، وقد كان في السابق مقرا لإحدى إدارات الضرائب وستقوم الجمعية بتحويله كمكاتب وفضاء للندوات ولاستقبال الصحافيين الأجانب.
تقول غيليني كوليوبولو الكاتبة العامة للجمعية انه من حسن الحظ انه لم نتسرع حيث كنا سنقتني قبل اشهر من ذلك عقارا آخر مساحته اقل وبسعر أغلى، مضيفة ان فرص الاختيار وافرة وستسعى الجمعية لتجعل منه مركزا للتواصل والتبادلات الثقافية والاعلامية في وسط اثينا.
وعلى صعيد آخر تراجعت الاستثمارات الخاصة في قطاع العقارات اليونانية بشكل حاد فبعد أن كانت تمثل 8ر9 في المائة من الناتج الداخلي الخام في العام 2007 هوت الى 2ر2 في المائة في العام 2013 قبل أن تستقر في 3ر1 في المائة من الناتج الداخلي الخام العام 2014.
وتلقى قطاع العقارات اليوناني ضربة قاسية ابتداء من العام 2007 عندما تراجعت تمويلات البنوك بجميع أشكالها للقطاع بما فيها القروض بنسبة 9ر85 في المائة.
وبالنظر للازمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد منذ عدة سنوات أوقفت الأبناك بشكل شبه مطلق منح القروض الموجهة للقطاع العقاري وغيرها من القطاعات وهو ما ساهم في ركود القطاع الذي ليس له حاليا منفذ للسيولة فهوت العقارات وارتفعت اعداد المباني التي تنتظر المشترين بشكل كبير جدا.
فبحسب دراسة أعدتها (إي ريل ايستييت) المتخصصة ففي الربع الأول من العام الجاري منحت المصارف اليونانية 750 قرضا عقاريا فقط مقارنة ب 2500 خلال الفترة نفسها من العام الماضي و 120 الف خلال الفترة نفسها من العام 2006.
ووفقا لتقرير سنة 2014 لهيئة الإحصاء اليونانية فقد سجل خلال الفترة ما بين يناير ونوفمبر 2014 تراجع في أنشطة قطاع البناء في البلاد ب 3ر10 في المائة على أساس سنوي.
وقالت الهيئة إن إجمالي أنشطة البناء في القطاعين العام والخاص والتي يتم احتسابها على اساس رخص البناء المسلمة بلغت خلال الفترة نفسها 1088 رخصة بتراجع حاد عن السنوات الماضية.
وعلى غرار المبيعات تراجعت أسعار كراء العقارات بدورها بعد الفقاعة العمرانية التي صاحبت الالعاب الاولمبية للعام 2004 التي أدت إلى بناء آلاف الشقق السكنية الفخمة، وأصبحت أسعار كراء المباني السكنية في المدن اليونانية هي الارخص في حوض المتوسط بما في ذلك عواصم بلدان الضفة الجنوبية.
فمن جهة وقع اليونانيون في فخ الاقتراض لشراء المساكن ثم مع الأزمة الاقتصادية وقعت تسريحات كثيرة في العمال وارتفعت معدلات البطالة مع هجرة الاجانب وعشرات الآلاف من اليونانيين الى الخارج ثم ساهمت المخاوف من احتمال خروج البلد من منطقة الاورو في بحث اليونايين عن البيع بأقل الاسعار للحصول على السيولة وتوفيرها أو تحويلها الى الخارج.
وحسب الارقام الرسمية فإن أكثر من 300 ألف عقار في اليونان الموجه للكراء فارغ حاليا من مستأجريه، كما أن 25 في المئة من المساكن و 35 في المئة من المحال التجارية و 65 في المئة من المكاتب فارغة لأشهر طويلة.