تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا، صورا للوحات التشوير المتبثة على طول الطريق السيار الرابط بين مدينتي برشيدوبني ملال، حيث يلاحظ أن الكتابة على هذه اللوحات اقتصرت فقط على الحروف الآرامية وحروف تيفيناغ فيما تم تغييب الحروف اللاتنية لأول مرة.. وقد لقيت هذه المبادرة استحسانا لدى جل المتتبعين خاصة أولئك المتشبعين منهم بثقافة الإختلاف والمدافعين عن الحقوق الثقافية واللغوية، فيما عبر البعض الآخر عن امتعاضه واستهجانه لهذا الإجراء من منطلقات مختلفة..
وإذا كان هذا الإجراء منسجما مع مقتضيات دستور 2011 الذي كرس الامازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، إلا أن الإقتصار على هاتين اللغتين في التشوير الطرقي ستكون له عواقب وخيمة إن على المستوى السياحي أو على مستوى مصالح مستعملي الطريق السيار، وقد تنتج عن ذلك، لا قدر الله، حوادث سير بسبب عدم فهم ما كُتب على اللوحات من طرف العديد من المسافرين..
ولا يمكن لعاقل ان يغفل الدور الهام الذي تلعبه اللغة الفرنسية (أو الحروف اللاتينية على الأقل) في لوحات التشوير بالنسبة للسياح الذين لا يفهمون لا العربية ولا كتابة تيفيناغ، خاصة أن المنطقة تعرف إقبالا كبيرا من طرف السياح الأجانب وكذا المغاربة المقيمين بالخارج والذين سيتسبب لهم هذا الأمر في مشاكل جمّة..
إن الاقدام على هذه الخطوة، غير محسوبة العواقب، لا يعدو أن يكون، في اعتقادنا ، مجرد هدية مسمومة من طرف "العارفين" الذين افتوا بهذا الأمر الذي قد ينقلب وبالاً على تمثل المغاربة والسياح الاجانب للامازيغية ونظرتهم إليها وعلى حقها في التواجد بالفضاءات العمومية، لأن هذا الحضور(أي حضور الامازيغية) وبهذه الطريقة سيعتبر من طرفهم بمثابة "المسؤول" عن إختفاء الحروف اللاتينية (الفرنسية) التي كانت تساعدهم خلال التنقل على طرقات المملكة، وبالتالي سبب مشاكلهم ومعاناتهم خلال ارتياد هذا الطريق السيار..
الذي أفتى بهذا الأمر، يعرف جيدا أنه بقدر ما حرصت وتحرص الحركة الأمازيغية على المطالبة بتبوإ الامازيغية المكانة اللائقة بها في المجتمع وفي مجالات الحياة العامة، بقدر ما حرص مناضلوها أشد الحرص على أن لا يكون ذلك على حساب مكونات الهوية المغربية الأخرى أو الروافد الثقافية واللغوية التي تساهم في إغنائها والتي تعمل على انفتاح المغرب على الثقافات الأخرى في إطار التعايش والتثاقف، كما أنهم ضد أي تقوقع على الذات وتقزيم الهوية بهذا الشكل الذي يسعى إلى تهميش الآخر باسم الخصوصية وفي استغلال مريب لمقتضيات الدستور خاصة في مادته الخامسة..
إن هذا الإجراء يروم، من بين أهداف أخرى، إلى تنفير الناس من الأمازيغية ومن حروفها تيفيناغ، وذلك عبر إقناعهم بأن ترسيم الامازيغية لا يمكن أن يخلق إلا المشاكل وأولى هذه المشاكل هي تلك المرتبطة بلوحات التشوير التي لا يفهمها المسافرون ومستعملو الطرق كما هو الحال على الطريق السيار بين برشيد وخريبكة، والحال أن لا أحد طلب من المسؤولين حذف الكتابة باللاتنية( الفرنسية) وتعويضها بحروف تيفيناغ لان اللوحات تتسع للغة موليير كذلك ما دام الأمر يتعلق بالرغبة في تيسير أمور المسافرين وضمنهم فئة كبيرة من السياح الاجانب والمغاربة الذين لا يقرؤون العربية وما أدراك حروف تيفيناغ، التي لاتزال تبحث عن موطئ قدم على أرضها في فضاء لا يخلو من معيقات ومظاهر الرفض والعرقلة كما هو الشأن بالنسبة للتماطل في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية، وكذا بعض الإجراءات والمبادرات التي تتبدى في الظاهر مدافعة عن مصلحة الامازيغية في حين أنها تخفي من سلبيات ماقد ينقلب ضد هذه المصالح، كما هو الشأن بالنسبة للوحات التشوير على الطريق السيار برشيد-بني ملال، التي كان أحرى بالمسؤولين أن يكتبوها بالحروف الثلاثة وألا يحشروا الامازيغية في معركتهم ضد ما قد يعتبرونه بقايا استعمار وقلعة الفرنكفونيين المستلبين إلى غير ذلك من حجج مردودة، في وقت يعتبر فيه المغاربة المتشبعين بالديمقراطية وثقافة الاختلاف ان "الفرنسية " إضافة وغنى للمشهد المغربي، حتى لا نقول فقط أنها "غنيمة حرب" كما وصفها ذات يوم الكاتب الراحل كاتب ياسين..