تعاقب على حكم المغرب عدة دول في رقعة جغرافية واسعة تمتد إلى الغرب الإفريقي، وخاصة منذ الحكم المرابطي إلى عهد ملوكنا العلويين، ميزتها روابط ثقافية كالبعثات العلمية والمدارس الفقهية والاقتصادية كتجارة القوافل وسياسية الولاء للتاج ودينية وحدة المذهب المالكي بين المغرب الكبير وشعوب منطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي، التي كانت تشكل فيما ما مضى ما يسمى بالغرب الإسلامي، فكانت إمارة المؤمنين والبيعة الشرعية المتأصلة بين سلاطين المغرب وقبائل وشعوب الغرب الإفريقي وكذلك الطرق الصوفية صمام أمان هذه الروابط الوجدانية التي تحدت المخططات الاستعمارية الامبريالية الأوروبية والتي رغم آثارها السلبية، كتجزئة المغرب الكبير إلى دويلات ومحاولة طمس الهوية الدينية الإسلامية بالتبشير وقطع الصلات الديبلوماسية السياسية الدينية بإمارة المؤمنين، ورغم هذا المخطط الإستعماري حافظت الشعوب بهذه المنطقة على الرابط الروحي بين المغرب ودول الساحل الإفريقي الذي لعب فيه ملوك المغرب الدور البارز.. فالسلطان محمد الخامس شخصية متميزة إفريقيا، نظرا لمواقفه الإنسانية والوطنية وللظرفية التاريخية والجيوسياسية التي كان يمر منها كل من المغرب وإفريقيا بشكل عام. فكان بمثابة أب الأمة ، وهي الصورة التي تكرست أكثر بعد حادثة النفي إلى مدغشقر إلى يوم رحيله في شهر رمضان من سنة 1961 عن عمر يناهز الثانية والخمسين عاما. ففي عهد ه كان أول تدخل للمغرب في 1960 بعد الإستقلال، وكان الدولة الافريقية الوحيدة التي بها أسس الدولة الحديثة نظرا لمرجعيتها التاريخية الطويلة في الحكم والتاريخ والعلاقة مع افريقيا، هذا البعد الذي يسمح للمغرب بأن يكون مخاطبا لقادة القارة السمراء ومنهم باتريس لومومبا.
بعدها عرف هذا الإمتداد الإفريقي للمغرب في عهد المغفور له الحسن التاني مدا وجزرا حسب الظروف الدولية، التي ميزتها الصراعات الإقليمية في ظل الحرب الباردة والثنائية القطبية بين أمريكا والإتحاد السوفياتي، لكن في الأخير نجح الملك الحسن التاني في إتمام الوحدة الترابية باسترجاع جزء من المغرب الكبير وذلك بدعم المجموعة الليبيرالية التي تضم فرنساوالسنغال والدول الليبرالية رغم تشويش المجموعة التقدمية، التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي ممثلة في المزمبيق، انغولا، غينيا بيساو اثيوبيا على قضية الصحراء المغربية.
فالمغرب ظل وفيا لدوره الدبلوماسي كضامن استقرار افريقيا من خلال تدخلاته الديبلوماسية والعسكرية الإنسانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر إنشاء جسر جوي لنقل المواطنين وتقديم الدعم الانساني إبان الحرب التي دارت بين الاهالي السينغاليين والموريتانيين بعد استقلال موريتانيا .
تتسم فترة الملك محمد السادس بتغير المعطيات الدولية بسبب انتهاء الحرب الباردة وتوجه المنتظم الدولي نحو العولمة والتحالفات الإقليمية مع إعطاء الاسبقية للاقتصاد والتبادل العادل للربح. فكان البعد الإفريقي من أولويات السياسة الخارجية المولوية لصاحب الجلالة بدعم الحضور المغربي في بلدان غرب الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء سياسيا كقضية مالي حيت لعب ورقة المصالحة الوطنية السياسية والمدنية من أجل تقوية الجبهة الداخلية في هذه البلاد وكذا دعم المسارالديمقراطي بساحل العاج، واقتصاديا من خلال مشاريع استثمارية واتفاقيات التجارة والتعريفات الجمركية الموقعة مع الدول الإفريقية وكذلك تقديم مساعدات إنسانية تضامنية مع هذه الشعوب..
وعلى المستوى الثقافي والديني لعبت إمارة المؤمنين الدور البارز لإعادة أمجاد الروابط الدينية التاريخية بين شعوب الغرب الإفريقي وجنوب الصحراء السنغال والنيجر وما وراءهما، حيت وحدة المذهب المالكي والطريقة التيجانية المرتبطة روحيا بسيدي احمد التيجاني دفين فاس، فكانت هذه العوامل لصالح المغرب رغم المنافسة القوية للسعودية وقطر والكويت وكذلك ليبيا والجزائر وإيران من خلال الإنزال البارز للمراكز الثقافية وبناء المساجد وتقديم المساعدات المهمة بهذه البلدان..
فصاحب الجلالة الملك محمد السادس بحكمته الرشيدة ومرجعيتة الدينية التاريخية وكاريزمته استطاع إعطاء قفزة نوعية ودفئا لهذه الروابط المثينة وإعادة أمجاد الأجداد وأيقونة المغرب الكبير..