خطى الاتحاد الأوربي خطوات هامة نحو اندماج بلدانه السبعة والعشرين وصار النموذج الأمثل في الاتحاد والتعاون بتحطيم الحواجز بين دوله متجاوزا الاختلاف في اللغة والعرق ...ووصل قمة الاندماج بتوحيد العملة وإن ظلت بعض الدول كابريطانيا والدول اسكندنافية متحفظة في الدخول إلى منطقة الأورو التي اقتنعت بها 17 دولة جاعلة من اليور أهم عملة في الاقتصاد العالمي. مما حدا بعدة اتحادات إقليمية (مجلس التعاون الخليجي مثلا) إلى التفكير في إتباع نهج الاتحاد الأوروبي والسير على سمته والتفكير في عملة موحدة ، وحتم على بعض الدول كالمغرب إعادة النظر في سلة عملتها رابطة اقتصادها بهذه العملة حتى وإن رفض كل وزراء المالية السابقين إعلان هذا الارتباط إلى عهد قريب كان اليور من أقوى العملات،ومع نهاية سنة 2011 وبالضبط يوم الجمعة 31 دجنبر ليلة رأس السنة كان الرئيس الفرنسي يطمئن الفرنسيين بعد تسرب أخبار عن نهاية الأورو بأنه سيقاتل من أجل عدم التخلي عن الأورو معتبرا أن نهايته ستكون نهاية أوروبا رافضا قبول أية فكرة تنادي بالعودة إلى الوراء . . لكن توالي الأزمات المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم وبأوروبا خاصة مطلع سنة 2012، وبعد أن عجزت الدول العظمى في الاتحاد (ألمانيا خاصة) تحمل أزمات الدول الضعيفة (اليونان وإسبانيا والبرتغال ).. وفجأة ودون سابق إنذار قرر زعماء منطقة اليورو إعلان انهيار هذا الصرح العظيم في حدث تاريخي سيزلزل الاقتصاد العالمي في صمت . لقد أعلنت معظم العواصم الأوروبية عن نهاية التعامل بعملة اليور دون أن يلق هذا الإعلان العناية التي يستحق في الإعلام العربي الذي أصبح كل همه تتبع أحداث الربيع العربي وما يجري في سوريا.
إنهاء التعامل باليور وقرار العودة إلى التعامل بالعملات المحلية القديمة سيطرح إشكالات اقتصادية ومالية كثيرة ،وبما أن الاقتصاد المغربي مرتبط بالاقتصاد الفرنسي بدرجة أقوى وبالاقتصاد الإسباني بدرجة أقل، نذكر أن فرنسا قررت العودة إلى الفرنك الفرنسي جاعلة من اليورو مساويا للفرنك تجنبا لأي لبس أو خلط قد يقع فيه الفرنسي ، تاركة مدة ستة أشهر كفرصة لسحب اليورو نهائيا من الأسواق وهي التي بدأت في ضخ أوراق نقدية جديدة للفرنك في الأسواق مخالفة من حيث القيمة والشكل لأوراق الفرنك القديمة التي لم تعد صالحة إلا لهواة جمع العملات القديمة .. وللتخفيف من آثار هذا التحول التاريخي اتخذت فرنسا بعض القرارات للحفاض على اقتصادها ومستوى عيش سكانها أهما : مطالبة البنك الفرنسي بالتكلف بالعملة الجديدة ،وإقفال بورصة فرنسا لمدة ثلاثة أيام ،وتكوين خلية بوزارة المالية تجيب على كل أسئلة المواطنين الفرنسيين ... كل ذلك من أجل التخفيف من صدمة التحول من اليورو إلى الفرنك.
ولعل من أهم الأسئلة التي تفرض نفسها على كل متتبع لهذا التحول الهام في تاريخ الاقتصاد الحديث هي :هل سيستمر الاتحاد الأوربي بعد تخليله عن سياسة العملة الموحدة ؟؟ وهل ستكون نهاية الأورو فعلا إعلانا عن نهاية أوربا مما يكرس الأحادية القطبية بعدما بدأ بعض المتفائلين يؤمنون بتعدد الأقطاب ؟؟ هل ستنهج إسبانيا وإيطاليا نفس النهج وهما اللتان كانتا تعانيان من تدني عملتهما (البسيطة والليرة) مقارنة مع الفرنك والمارك الألماني ؟؟؟ وما تأثير سحب اليورو من التداول على الاقتصاد العالمي والمغربي خاصة ؟؟ وكيف ستتعامل الدول( كالجزائر ) التي لها احتياطي هائل من هذه العملة هل ستحوله كله إلى فرنك أم إلى مارك أم إلى دولار ؟؟؟ ألم يكن تحفض كل من أنجلترا والسويد وغيرهما في الانخراط في منطقة اليورو صائبا ؟ ما تأثير هذا التحول على تحويلات العمال المغاربة بالخارج ؟؟ وكيف ستحاول الدول الغارقة في الأزمة حل أزمتها ؟؟ وهل سيكون هذا التحول سببا في توطيد العلاقة بين المغرب وإسبانيا التي ستبحث عن أي سبيل لإطفاء نار أزمتها الخانقة بعد أن خرجت من جبة أخوتها الكبار ؟؟ ... أسئلة كثير تتناسل والأفق القريب هو الكفيل بالإجابة عنها.