واصلت المملكة المغربية خلال سنة 2014 تعزيز موقعها كوجهة لاحتضان اللقاءات والتظاهرات الدولية الكبرى في مجالات شديدة الأهمية تتصدر قائمة أولويات المجتمع الدولي، كحقوق الإنسان ومحاربة الارهاب وريادة الأعمال، أو تحظى بتتبع جماهيري عالمي كما هو الشأن بالنسبة لمنافسات كأس الأندية العالمية لكرة القدم أو المهرجان الدولي للفيلم بمراكش. ويجد هذا التوجه سنده في الاختيارات الدبلوماسية للمغرب المبنية على الانفتاح والانخراط الدؤوب في جهود المجتمع الدولي الهادفة إلى تعزيز وتقوية التعاون والإسهام في إرساء الأمن والاستقرار وإغناء الحوار بين الثقافات والنهوض بالقضايا التنموية .
وضمن هذا التوجه، احتضن المغرب الدورة الخامسة للقمة العالمية لريادة الأعمال خلال الفترة ما بين 19 و21 نونبر 2014 بمراكش بمشاركة قياسية وصلت إلى 6800 مشارك، يمثلون 95 بلدا، منهم 35 في المائة من النساء و40 في المائة من الأجانب .
وشهدت الجلسة الافتتاحية لهذه القمة، حضور رئيسي جمهوريتي الغابون وغينيا ونائب الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي ترأس الوفد الأمريكي في القمة، ووزراء وشخصيات رسمية ومقاولين ومسيري مقاولات كبيرة، ومقاولين شباب ونساء، وطلبة وممثلي مؤسسات مالية وشبكات عالمية.
وقام بتغطية مختلف أنشطة هذه القمة العالمية، التي نظمت تحت شعار "تسخير قوة التكنولوجيا لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال"، حوالي 405 صحفيين يمثلون حوالي 300 منبر إعلامي مغربي ودولي.
وفي مجال حقوق الإنسان، شكل احتضان المغرب للمنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان ما بين 27 و 30 نونبر الجاري بمراكش، اعترافا دوليا بتجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية وبالجهود التي بذلها من أجل النهوض بحقوق الإنسان.
ومثل انعقاد هذه التظاهرة بالمغرب، كأول بلد عربي وإفريقي يحظى بشرف تنظيم الدورة الثانية لهذا المنتدى بعد البرازيل، تقديرا للمسار السياسي المتميز الذي نهجه المغرب في سياق إقليمي مضطرب والذي تجسد، على الخصوص، باستباق اعتماد إصلاحات دستورية وسياسية عميقة وبمنهجية تشاورية واسعة أثمرت عبر استفتاء شعبي في 2011 اعتماد دستور متقدم في مجالات أساسية وخاصة في ما يهم تعزيز حقوق الإنسان.
وعرف هذا المنتدى مشاركة نحو سبعة آلاف مشارك من 95 دولة، ومناقشة أكثر من 100 موضوع هم مختلف قضايا حقوق الإنسان، فضلا عن تنظيم 160 نشاطا جمعويا ورياضيا وثقافيا وتكوينيا بمناسبة هذا المحفل العالمي، الذي غطى فعالياته نحو 397 صحافيا يمثلون وسائل إعلام 20 بلدا.
وإلى جانب ذلك، اضطلع المغرب بدور حيوي في كل ما يتعلق بمواجهة التهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود، إذ احتضن العديد من الملتقيات خلال سنة 2014، من بينها الدورة الخامسة لمنتدى مراكش للأمن الذي التأم يومي 24 و25 يناير الماضي في موضوع "الفراغ الأمني وتوسع مناطق الهشاشات بشمال إفريقيا والساحل والصحراء"، وأيضا الدورة 31 لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي انعقد بمراكش في 12 مارس المنصرم وانتهى بتبني "بيان مراكش لمكافحة الإرهاب" وبالموافقة على إنشاء "مكتب عربي للأمن الفكري" سيكون مقره بالرياض.
كما احتضن المغرب الاجتماع الافتتاحي لمجموعة العمل التابعة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب المعنية بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب التي يترأسها المغرب وهولندا، ليؤكد المغرب من جديد انخراطه القوي في جهود المنتظم الدولي لمحاربة هذه الظاهرة.
وقد شكل هذا اللقاء ، الذي عرف مشاركة موظفين سامين وخبراء من حوالي أربعين بلدا والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية والشبه إقليمية، مناسبة بالنسبة للبلدان الأعضاء للتبادل حول مهام وبرنامج عمل المجموعة طبقا لتوصيات مذكرة لاهاي-مراكش المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب.
وعلى المستوى الإفريقي، احتضنت المملكة خلال سنة 2014 العديد من التظاهرات الكبرى همت التعاون جنوب-جنوب ، تماشيا مع الخيار الإستراتيجي للمغرب بجعل هذا النوع من أشكال التعاون في مقدمة الجهود الرامية إلى تنمية القارة. ومن بين هذه التظاهرات، الدورة التاسعة لمنتدى التنمية بإفريقيا، التي شهدت مشاركة حوالي 800 شخصية ضمنهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ومقاولين ورجال أعمال وخبراء وممثلي المجتمع المدني.
وفي المجال الرياضي، كان المغرب محط أنظار العالم من خلال احتضانه، على غرار السنة الماضية، نهائي كأس العالم للأندية 2014 والذي توج بإحراز النادي الملكي ريال مدريد للقب هذه الدورة.
وعلى الواجهة الفنية، رسخت الدورة الرابعة عشر للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش (من 5 الى 13 دجنبر)، الأبعاد الثقافية والحضارية لبلد منفتح على مختلف التعبيرات الفنية ومؤمن بأهمية بناء فضاءات عابرة للحدود للقاء والتبادل الإبداعي والانساني.
واحتفت هذه الدورة بالسينما اليابانية، تقديرا لريادتها في الإنتاج السينمائي وتجدد عطاءاتها وعبقرية صناعها ، كما حفلت بالتفاتات تكريمية لنجوم الفن السابع وطنيا وعربيا وعالميا، ويتعلق الأمر بكل من النجم المصري عادل إمام، والممثل البريطاني الشهير جيرمي آيرونز، والممثل والمخرج الأمريكي فيكو مورتنسن، إضافة إلى المنتجين المغربيين خديجة العلمي وزكرياء العلوي.
وينسجم احتضان المغرب لمختلف هذه الملتقيات الدولية، مع دينامية الاصلاحات الداخلية التي عرفها المغرب في مختلف المجالات. فاحتضان المغرب للقمة العالمية لريادة الاعمال تدعمه الطفرة الاقتصادية الهامة التي عرفها وفرص الاستثمار الواعدة التي يتوفر عليها بفضل سياسة الأوراش والمخططات التي تم اعتمادها في عدد من القطاعات الهامة .
كما أن طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان عبر إحداث هيئة الانصاف والمصالحة والتراكمات التشريعية والمؤسساتية في هذا المجال، كلها عوامل ساهمت بشكل أو بآخر في اختيار المغرب لاحتضان أرقى تظاهرة حقوقية دولية.
وفي هذا الصدد، اعتبر عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المغرب من خلال احتضانه طيلة عام 2014 لعدد من التظاهرات الدولية في مجال الاقتصاد وريادة الاعمال وفي مجال الرياضة والفن وأيضا في مجال القضايا والاشكالات التي تؤرق المجتمع الدولي كقضايا حقوق الإنسان ومواجهة الارهاب، يسعى إلى "تقوية دوره على المستوى الإقليمي والدولي، والتعبير بشكل متجدد عن انخراطه في الدينامية الدولية لمواجهة التحديات ذات الصبغة العالمية".
وذكر بأن احتضان المغرب للدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش شكل فرصة لدول الجنوب لتعبر عن قضايا مجتمعاتها وتشارك في إنتاج وتنمية وتطوير معايير حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وليس فقط استهلاك ومواكبة ما ينتج في مجال حقوق الانسان.
وأضاف أن المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب المنظم بدوره في المغرب يجسد أيضا هذا المنحى في التفاعل ما القضايا ذات الاهتمام الدولي المشترك، كما يعبر عن انفتاح المغرب في التعاطي معها والمساهمة في الجهد والتعبئة الدولية لمواجهتها.
وأشار السيد البلعمشي، من جانب آخر، إلى أن الموقع الجغرافي للمملكة والقضايا الشائكة في شمال إفريقيا وفي دول الصحراء والساحل تدعو المغرب إلى مزيد من اليقظة الأمنية ومزيد من الاصلاحات الديمقراطية والحقوقية دفاعا على المصالح الحيوية من جهة والتقدم في دور الريادة على المستوى الإقليمي.
واعتبر أن قضايا حقوق الإنسان ومحاربة الارهاب لا تهم فقط الدولة والجانب الحكومي الرسمي، موضحا أن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب شكلا مناسبتين مكنتا فعاليات المجتمع المدني والحقوقي والأكاديميين من المساهمة في صنع التصورات حول هذه المواضيع وأيضا فرصة لاكتساب تجارب إضافية للرصيد الوطني.
وخلص إلى أن تنظيم هذا النوع من اللقاءات يساهم في تعزيز الدبلوماسية الموازية ويعزز إشعاع المغرب الثقافي والسياسي والاقتصادي على المستوى الدولي.