يخلد امازيغ الجزائر، ومعهم الأمازيغ بشمال افريقيا(تامازغا) والدياسبورا، يوم الاحد 20 ابريل 2014، الذكرى 34 للربيع الامازيغي التي تصادف هذه السنة مرور 13 سنة على الاحداث المأساوية لما بات يعرف ب"تافسوت تابركانت" او "الربيع الأسود"، التي ذهب ضحيتها 127 من شباب القبائل بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين برصاص النظام العسكراتي بالجزائر.. احتفالات هذه السنة تأتي في سياق خاص إن على المستوى السياسي والوضع العام بالجزائر او على مستوى واقع الامازيغية لغة وثقافة..
فعلى مستوى الوضع العام بالجزائر فإن تخليد ذكرى كل من الربيع الامازيغي و تافسوت تابركانت، تأتي في ظل واقع متأزم إن على المستوى الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي، مما ادى إلى انفجار شعبي تجسد في سلسلة من الاضرابات والمظاهرات والاحتجاجات بمختلف المدن والقرى الجزائرية، والتي جوبهت بقمع عنيف من طرف النظام الجزائري، الذي يعرف تصدعا غير مسبوق في صفوفه عبّر عن نفسه بشكل مفضوح وعلني قبيل بدء المسلسل الانتخابي وأثناءه وتم حسمه مؤقتا لصالح أحد الاطراف التي اعادت بوتفليقة إلى سدة الحكم لخلافة نفسه، بالرغم من حالته الصحية المتدهورة وضدا على ارادة الجزائريين..
اما على مستوى واقع الامازيغية فإن الوضع لم يتغير ولم يحصل اي تقدم في مسار ترسيمها وتمكينها من تبوُّؤ المكانة اللائقة بها كمكون رئيسي للهوية الجزائرية، باستثناء بعض المكتسبات اليتيمة المتمثلة اساسا في انشاء المندوبية السامية للأمازيغية وإدراج تعليم الامازيغية في بعض المدارس بعد اتفاق ابريل 1995 الذي جاء كثمرة لنضالات الحركة الثقاقية الامازيغية بمنطقة القبائل التي توجت بالإضرابات التلاميذية لسنة 1994-1995 ( إضراب المحفظات) الرافضة لسياسة التعريب التي تنهجها الدولة الجزائرية، وكذا اعتراف الدستور الجزائري لأول مرة في نسخته المعدلة سنة 1996 بان "الأمازيغية مكون من مكونات الهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعربية"، قبل ان يُجبر بوتفليقة على الاعتراف بها كلغة وطنية في التعديل الدستوري لسنة 2002، كمحاولة منه للتحايل على المطالب ال15 المتضمنة في "ارضية القصر" التي تقدمت بها تنسيقية العروش خلال المفاوضات مع النظام بعد الاحداث الدامية للربيع الاسود..
ما عدا هذه المكتسبات فإن مطالب الامازيغ لم تجد الآذان الصاغية لها وبقيت أمالهم كما "ارضية القصر" معلقة بين رفض النظام وتعنته من جهة وتشتت الحركة الامازيغية بين ولاءات متعددة (الحركة الثقافية الامازيغية بكل تشعباتها، وتنسيقية العروش والحركة المدنية، وجبهة القوى الاشتراكية ، والتجمع من اجل الثقافة والديمقراطية، والحركة من اجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل (MAK)..).
ويبدو ان هذه المطالب لن تتحقق في المستقبل القريب خاصة في ظل ما اسفرت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية (التي ووجهت بالرفض من طرف اغلبية الجزائريين وخاصة في منطقة القبائل والشاوية ومزاب..) والتي كرست بطريقة سوريالية تنصيب بوتفليقة خلفا لنفسه، وهو ما يؤشر على ان الماسكين بزمام الامور في الجزائر ليست لهم الرغبة في تغيير الوضع وليسوا مستعدين لتلبية مطالب الشعب، ومن ضمنها مطالب الامازيغ مما سيفتح ابواب المستقبل على المجهول..
ومما يرجح احتمالنا هذا، هو ما قاله احمد اويحي، خلال التجمع الذي نشطه بقاعة العروض الكبرى لدار الثقافة مولود معمري بمدينة تيزي وزو، في اطار الحملة الانتخابية لصالح المترشح عبد العزيز بوتفليقة في 11 ابريل 2014، حيث اكد ان أن "مسار ترسيم اللغة الامازيغية كلغة وطنية ثانية سيتواصل مع البرنامج الطموح للمترشح الحر بوتفليقة"، وهو ما يؤكد بالملموس ان سياسة بوتفليقة تجاه الامازيغية لم تتغير وسوف لن يسمح بجعلها لغة رسمية إلى جانب العربية كما يطالب بذلك الامازيغ، وهو استمرار في نهج سياسته العنصرية والاقصائية تجاه الامازيغية لغة وحضارة، وهو ما عبر عنه بوتفليقة في زيارة لمنطقة القبائل في سياق تداعيات الربيع الاسود، عندما رفض مطلب الاعتراف بالامازيغية كلغة رسمية بدعوى أن أمرا كهذا يحتاج إلى "استفتاء شعبي"، ليعود بعد ذلك، يوم 22 شتنبر2005 في مدينة قسنطينة شرق الجزائر، ليقول عكس ذلك ويفصح عن نواياه الحقيقية تجاه الامازيغية حيت قال بالحرف الواحد: "لن تكون هناك لغتان رسميتان في الجزائر، العربية ستبقى اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد"..
إن ما يميز تخليد ذكرى الربيع الامازيغي و"تافسوت تابركانت" هذه السنة هو ازمة النظام الجزائري إلى جانب التذمر الشعبي، الذي عبر عن نفسه من خلال الاحتجاجات التي اتسمت في الغالب بمواجهة عنيفة من طرف السلطات وكذا بروز حركة "بركات" السلمية والتي بدأت تأخذ مكانتها ضمن الحركات المدنية المؤثرة في رقعة الحراك الاجتماعي والسياسي بالجزائر، إلى جانب الاحداث العنيفة التي شهدتها منطقة الامزاب والتي غدّاها النظام بشكل مكشوف وخاصة في مدينة غرداية التي عرفت تحيزا واضحا لقوات الامن إلى جانب العرب الشعانب المالكيين ضد الامازيغ الامزاب الاباضيين، بالاضافة إلى الحراك الاجتماعي بمنطقة القبائل ومنطقة الشاوية والتي ازدادت حدّة بعد الاهانة التي طالتهم من طرف مدير حملة المرشح بوتفليقة عبد المالك سلال ، عندما اطلق العنان للسانه قائلا "علابالك في قسنطينة واش يقولو؟ شاوي حاشا رزق ربي"، وهو ما اجج غضب اهل الاوراس وتضامن معهم اخوانهم الامازيغ في مختلف المناطق ليزيد من عزلة النظام الجزائري وعُصبة بوتفليقة..
وإذا كان الماسكون بزمام الامور في الجزائر يراهنون على بوتفليقة كواجهة للحفاظ على الوضع كما هو عليه، صونا لمصالحهم ومراكزهم التي تخول لهم عدة امتيازات ومراكمة الثروات من خلال اقتسام كعكة ريع الغاز والنفط في غفلة عن الشعب وعلى حساب بؤسه وشقائه، فإن هذا الاخير ليس له من ملاذ للإنعتاق من ربقة الظلم والاستبداد ونير الطغمة العسكراتية سوى تبني مطالب الامازيغ والالتحاق بحركتهم الاحتجاجية التي تروم تغيير الوضع بالجزائر وبناء دولة ديمقراطية تحترم فيها الحريات الفردية والجماعية وحقوق الانسان بمختلف أصنافها..
ويرى بعض المراقبين والمتتبعين للشأن الجزائري ان مستقبل الجزائر وربيعها اما ان يكون امازيغيا او لن يكون، وذلك بالنظر إلى ان مطالب الامازيغ ترتبط بطبيعة الدولة المنشودة بموازاة المطالب المتعلقة باللغة والثقافة الامازيغيتين اي انها تندرج في إطار مشروع مجتمعي يروم الاجابة عن مطالب وتطلعات كافة الجزائريين.. ملحوظة:
تخليد ذكرى الربيع الامازيغي والربيع الاسود لا تقتصر على منطقة القبائل، حيث منشأ الحدثين، بل اضحت مناسبة تغتنمها الحركة الثقافية الامازيغية بالمغرب وباقي دول تامازغا وفي الدياسبورا للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا هذه الاحداث المأساوية، والتذكير بمطالب الامازيغ المشروعة. وإذا كان امازيغ المغرب قد اعتادوا منذ سنين على تنظيم المسيرات في يوم 20 ابريل من كل سنة للتذكير بمطالبهم التي لاتزال معلقة ومن ضمنها تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية من خلال إخراج القانون التنظيمي الخاص ب"تنزيل" مقتضيات الفصل 5 من الدستور، فإن امازيغ القبائل يغتنمون هذه الفرصة لزيارة قبر ماسينيسا كرماح ب"تيزي هيبل" وباقي شهداء احداث ربيع 2001 او ما يعرف بتافسوت تابركانت(الربيع الاسود) و كذا قبر لونيس معطوب بقرية "تاوريرت موسى" او زيارة قرية "ايت يني" حيث قبر مولود معمري، احد اقطاب الحركة الثقافية الامازيغية والشرارة التي تسببت في اشعال احداث الربيع الامازيغي سنة 1980 بعد منعه من تقديم محاضرة ثقافية بعنوان " أشعار قبائلية(أمازيغية) قديمة"، بالاضافة إلى التذكير بمطالب الحركة الامازيغية ومنها تلك المسطرة ب"ارضية القصر" والتي بقيت معلقة لحد الآن، وأهمها تلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوياتية والحضارية واللغوية والثقافية دون استفتاء ودون شروط، ومطالب أخرى اجتماعية وتعويض أهالي الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن تلك الاحداث..