أكد الوزير المنتدب المكلف بالشعائر والشؤون الدينية في مالي ثيرنو أمادو عمر هاس ديالو، أن هيكلة الحقل الديني بالمغرب تشكل "تجربة ناجحة ونموذجا يحتذى" لإشاعة الإسلام الوسطي بدول القارة الإفريقية وقطع الطريق على انتشار الفكر الديني المتطرف الذي يعصف باستقرارها. وقال ديالو في مداخلة له خلال حلقة خاصة من برنامج "ملف للنقاش" بثتها قناة "ميدي1 تي في" أمس الأحد، وخصصت للتعاون الدولي للمغرب في المجال الديني، إن "المغرب يمثل نموذجا حقيقيا لنا" في مجال هيكلة الحقل الديني وتقديم صورة الإسلام المعتدل والمنفتح.
وأوضح ديالو أن بلاده سعت لهذا الغرض إلى الاستفادة من التجربة المغربية في المجال الديني، من خلال، على الخصوص، الاستفادة من تكوين 500 إمام مالي بالمغرب، قائلا في هذا الصدد "أتوجه، باسم رئيس جمهورية مالي، بالشكر والامتنان لجلالة الملك لقبوله تكوين أئمتنا في المملكة (..) وتلبيته لهذا الطلب الملح".
وأبرز المسؤول المالي أن اختيار بلاده المغرب للاستفادة من هذا التكوين نابع من طبيعة العلاقات الروحية والدينية التي تربط البلدين، باعتبار أن الإسلام ولج إلى مالي من المغرب عن طريق تمبكتو، و"من سعي بلدنا إلى النأي بالنفس عن مختلف مظاهر التطرف والعنف والظلامية".
وقال ديالو إنه، ومن خلال هذا التكوين، "سنتوفر على أئمة متشربين للدين الإسلامي في صورته الصحيحة سيشكلون النواة الصلبة التي ستعمل على نشر تعاليمه السمحة بمالي" التي تفوق نسبة المسلمين بها 90 بالمائة.
من جانبه، أكد رئيس ديوان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد اللطيف البكدوري الأشقري أن نجاح التجربة المغربية في مجال هيكلة الحقل الديني، ومباشرة تكوين أئمة ماليين أعطيا اقتناعا لدى دول أخرى بأهمية هذه التجربة، وذلك من خلال تقديم طلبات للاستفادة من مثل هذا التكوين، في إشارة إلى طلبات التعاون في الشأن الديني التي قدمتها جمهوريات تونس وليبيا وغينيا (كوناكري)، وأبدى جلالة الملك في بحر الأسبوع المنصرم، الموافقة المبدئية عليها.
وقال البكدوري إن العديد من الدول على مستوى منطقة ترى في المغرب مهدا للثوابت الدينية القائمة على الوسطية والتسامح والاعتدال، والتي أصبحت بحاجة إلى الرجوع للتشبث بها لمواجهة الفكر المتطرف والمتشدد.
وبخصوص التكوين الذي يستفيد منه الأئمة الماليون، أبرز البكدوري أن الأمر يتعلق بتكوين تستفيد منه خمسة أفواج (100 إمام بكل فوج)، حيث يخضع كل فوج، وعلى مدى سنتين، لبرنامج تكوين مضبوط يراعي الخصوصيات بمالي وتم الاتفاق عليه مع السلطات المالية المعنية.
من جهته، أكد رئيس المجلس العلمي المحلي لطنجة محمد كنون الحسني أن الإقبال على الاستفادة من التجربة المغربية في مجال هيكلة الحقل الديني نابع من خصوصية المملكة القائمة على عدد من الثوابت الأساسية في المجال الديني وعلى العمل الميداني المهم المواكب لترسيخها.
وأوضح الحسني أن الأمر يتعلق بخمس ثوابت أساسية تتمثل في الالتزام بمذهب السنة والجماعة، والوحدة في إطار إمارة المؤمنين، والعقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني ، مبرزا أن التشبث بهذه الثوابت جعل المغرب في منأى عن الفتن.
وفي ما يخص العمل الميداني، أبرز السيد الحسني دور سياسة هيكلة الحقل الديني في تكوين الأئمة والمرشدات الذي بلغ اليوم سنته العاشرة، واستفادة ما يزيد عن 45 إماما مرتين في الشهر من تأطير أحد العلماء في مجموعة من القضايا ذات الصلة بالمجال الديني، إضافة إلى السعي الحثيث إلى تحسين الوضعية الاجتماعية للقيمين الدينيين والأئمة والمؤذنين سواء من خلال الزيادة في الأجور أو منح المكافئات أو الاستفادة من التغطية الصحية.
من جانبه، أكد محمد بنحمو رئيس الفدرالية الإفريقية للدراسات الاستراتيجية، أن ما شهدته مالي مؤخرا من نزاع واقتتال يبرز ضرورة إعادة هيكلة الحقل الديني بالبلاد، موضحا أن غياب التأطير الديني ترك فراغا شكل مرتعا للتطرف وفرصة لكل لبروز حركات متشددة كادت تزرع الانشقاق.
وبعدما أكد على أن الفكر المتشدد يجب أن يواجه بفكر معتدل، أبرز السيد بنحمو أهمية التعاون الذي أرساه المغرب مع مالي في هذا المجال الديني، والذي يكرس وفاء المغرب لعمقه الإفريقي، وتحمله لمسؤوليته في تحصين وحماية الأمن الروحي بالدول الإفريقية، وهو التحصين الذي يصب بشكل مباشر في دعم استقرار واستتباب الأمن بها.