حمى سعار قوية أصابت الصحافة والإعلام الجزائرين هذه الأيام، أين منها حمى الحرب الباردة السيئة الذكر. واضح أن المايسترو والموجه واحد، لكن الجوقة لا تجيد العزف إلا على آلة وحيدة، هي البندير، فأتت المعزوفة ضاجة بالنشاز والتلوث السمعي، والبندير مثقوبة كالغربال لا يرد صدى ضرباته. ما أن رفع الميسترو عصاه، وهي هنا أقرب إلى الهراوة الغليظة منها إلى قضيب الخيزران الذي بين يدي مايسترو حقيقي. فالموقف لا يحتمل الرقة والنعومة، علما أن طباع الشخصية الجزائرية لا صلة لها بالنعومة قدر ترسخ أعراض النرفزة والتوتر والتنطع في جهازها العصبي و نخاعها الشوكي. فسب الذات الإلهية و"التربيب" في قاموس الأشقاء الجيران من الكلام اليومي العادي غير المثير.
لم تتورع بعض الصحف الجزائرية المحسوبة على الجهات الرسمية من خلط شعبان برمضان، وبدل النقاش الهادئ و التنويري للنزاع القائم منذ عقود بين المغرب والجزائر، سارعت إلى شتم الشعب المغربي ورموزه، ووصفت المحتجين أمام الممثلية الدبلوماسية الجزائرية في الرباط ب"البلطجية"، وزادت من حدة لغطها ليصل رذاذ شتائمها إلى الأمين العام لحزب الاستقلال الذي وصفته ب"الوقح".
ويبدو أن هذا المداد الطافح من محبرة المخابرات الجزائرية لن ينضب ويجف قريبا، حتى ولو نفدت كل قواميس الشتائم الفارغة، فإن الأقلام الجزائرية العتيدة قادرة على ابتداع ألفاظ ومعاني جديدة في هذا المجال، بهدف الإساءة والإغاظة وإذكاء الأحقاد والضغائن بين الشعبين الشقيقين، وإنها لمهمة مستحيلة على البلطجية الإعلامية المتمترسة في شارع فريد زويوش بحي القبة في مدينة سيدي عبد الرحمان: الجزائر العاصمة.
العتمة تظل سوداء عطنة حتى لو طليناها وعطرناها بلفظ "الشروق".