يرتقب أن يثير مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة كثيرا من الاعتراضات داخل صفوف القاضيات والقضاة المؤطرين في جمعيات مهنية استنادا إلى مقتضيات دستور 2011، خاصة ما يتعلق بمنع القضاة من الإضراب والتحريض عليه بصريح المادة 121، والحديث غير ما مرة عن "عرقلة السير العادي لعقد الجلسات والمحاكم"، وكذا ما يرتبط بقانون تأسيس الجمعيات لسنة 1958 كما وقع تعديله، لكن تمت الإحالة على القانون التنظيمي للقضاة مع وجوب تقديم تصريح أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية وملاءمة الجمعيات المهنية للقضاة مع أحكام القانون المرتقب داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تنصيب أول مجلس أعلى للسلطة القضائية. ونقدم في هذه الورقة ملاحظات أولية بشأن بعض مواد مسودة مشروع هذا القانون الذي خضع لمجموعة من التعديلات قبل عرضه على الأمانة العامة للحكومة، ثم إعادة الإفراج عنه لإضافة بعض التعديلات قبل إعطاء الضوء الأخضر بتعميمه، ولا نعرف ما إذا كانت النسخة الموجودة بين أيدينا هي آخر تعديل، المؤرخة في 18 سبتمبر2013.
إذا كانت بعض مواد هذا المشروع قد أكدت على حق القضاة في حرية التعبير بما يتلاءم مع "واجب التحفظ"، وانخراطهم في جمعيات مهنية مع احترام "واجبات التجرد واستقلال القضاء وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون"، فإن الفقرة الأخيرة من المادة 103 أكدت على أن "الجمعيات المهنية في جميع الأحوال تحافظ على الأخلاقيات القضائية، مع الالتزام بعدم عرقلة السير العادي لعقد الجلسات والمحاكم" هكذا ، في حين أن المادة 104 أحالت على ظهير تأسيس الجمعيات لسنة 1958 لكنها اشترطت تأسيس الجمعيات المهنية للقضاة ما لم ينص القانون التنظيمي للسلطة القضائية على خلاف ذلك.
كما أوجبت المادة تقديم هذه الجمعيات تصريحا أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا قانونها الأساسي وكل تغيير يطرأ عليه مقابل وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال، حيث تكون قرارات المجلس برفض الطلب قابلة للطعن أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، التي تبقى مختصة للنظر في حل الجمعيات التي توجد في وضعية مخالفة للقانون، وذلك بطلب من المعني بالأمر، أو بمبادرة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية "المادة 108".
من جهة أخرى منعت المادة 113 القضاة من القيام بأي عمل فردي أو جماعي من شأنه أن يؤدي إلى وقف أو عرقلة السير العادي لعقد الجلسات أو المحاكم، وهي الإشارة الواردة أيضا في المادة 103 أعلاه، علما أن المادة 120 تؤكد على أن كل إخلال من القاضي بالواجبات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي يعد خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية، بما في ذلك "المشاركة في الإضراب أو التحريض عليه أو عرقلة السير العادي لعقد الجلسات والمحاكم" - المادة 121-، بل إن المادة 129 أعطت للرئيس المنتدب إمكانية توقيف القاضي المعني مؤقتا عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما، وذلك بعد استشارة لجنة خاصة.
من جهتها أوجبت المادة 143 على الجمعيات المهنية للقضاة القائمة قبل نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية ملائمة وضعيتها مع أحكامه داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تنصيب أول مجلس أعلى للسلطة القضائية.
ويعتبر القاضي في عداد المغادرين للعمل إذا انقطع عن عمله دون مراعاة حالات التغيب المبرر قانونا .
إن مسودة هذا المشروع يرتقب أن تطرح نقاشا على عدة مستويات من قبيل مثلا تعيين المسؤولين في مناصبهم لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد - دون تحديد مدة هذا التجديد - حسب منطوق المادة 34 التي لم تتطرق أيضا إلى كيفية وضع حد لهذا التعيين قبل 5 سنوات ، علما أن قضية المسؤولية على غرار ما سمي ب "تقييم أداء القضاة« يحتاج إلى وضع معايير محددة ترسخ مبادئ الشفافية، والحكامة، والحكامة الجيدة، كشأن مسألة نقل القضاة "المواد 46 إلى 49"، التي كان يستعمل فيها وزير العدل مسطرة الانتداب.
كما يتعين أن تخرج النصوص التنظيمية المشار إليها في مشروع القانون الأساسي للقضاة، بشكل موازي مع هذا القانون ، حيث يفترض فتح نقاش عمومي مع ذوي الاختصاص والمعنيين، الذين منهم من يشتكي من تغييبه في إعداد مشاريع القوانين، باعتبار أن القضاء شأن مجتمعي يهم أساسا صانعي القرارات القضائية دون تمييز وباقي الفاعلين
وللإشارة فإن المادة 43 من نفس المشروع نصت على أنه: " يقبل كل قاض تمت ترقيته في المنصب المعين له في الدرجة الجديدة وإلا أُلغيت ترقيته".
ويتكون مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الذي نتوفر على نسخة منه من 146 مادة موزعة إلى ستة أقسام تهم تأليف السلك القضائي والولوج له، والوضعية المهنية للقضاة وحقوقهم وواجباتهم وأحكام انتقالية.