الصحافة مهنة التنوير والإخبار والنبل، لكنها أصبحت في زمننا المغربي، الرديء ببعض أهله القائمين على كثير من المؤسسات الإعلامية، وسيلة تعتيم واغتناء وفساد مالي وأخلاقي. وقد حق لنا ولأبناء هذه المهنة وهذا المغرب الحقيقيين أن نتذمر وأن نقول جهارا نهارا "ألا لعنة الله على المفسدين في كل كتاب، بما في ذلك مقررات المرحوم بوكماخ"، التي قرأنا فيها وإياهم نص "الله يرانا" فعملنا به نظريا وتطبيقيا، بينما هم اعتلوا شرفاتهم وابراجهم وطفقوا هازئين من ذوي المروءة والحرقة والصدق وقول الحق بلا رغبة في مكسب ولا عين على مغنم أو رضا أحد الناس. عندما كنا مجرد قراء أبرياء قدشت أبصارنا أسماء ووجوه كثيرة تحت بريق الصورة والإخراج، ولما انغمسنا في الحرفة إلى الجبين وكدنا نغرق فيها عرفنا أن ليس كل ما يلمع ذهبا أو فضة.
الدولة تصرف الملايير على قطاع الصحافة المناسبة شرط.ومناسبة هذا الاحتجاج هو واقع حال صحافتنا والصحافة مثل اللغة بأهلها وليست بذاتها إن فسدوا فسدت وإن صلحوا صلح حالها. إن الدستور المغربي، كأي دستور في اي بلاد، يعد الوثيقة الأسمى والأكثر حكمة. كل سطر فيه وكل كلمة وكل صيغة ليست مجانية بل تخدم هدفا وتحق حقا. ودستورنا المغربي لما ألح على حق الشعب في الوصول إلى المعلومة إنما مكن الناس من حق معلوم هو الأساس في بناء رأي عام واع يمكن أن يقرر على ضوء معطيات صحيحة. ومن باب الذكر فالحامل لهذه المعلومات الأساسية في بناء الرأي العام هي الصحافة بكل تشكيلاتها الورقية والمسموعة والمرئية والرقمية.
في المغرب قطب إعلامي تدبره الدولة وتصرف عليه أموالا طائلة، وليس هذا مقام نقاشه، وفي المغرب صحافة ورقية تموت عناوينها تباعا ولا يكاد يمر عام حتى نشيع مرحومة إلى مثواها الأخير، لكن مقابل هذا القحط في الصحافة الورقية، ثمة صحافة واعدة قوية التأثير هي الصحافة الرقمية التي يسميها الكثيرون "إلكترونية".
يتباكون حول الدعم لا يكاد يمر يوم أو شهر إلا سمعنا أرباب الصحف يتباكون على الدعم ثم الدعم ولا شيء غير الدعم.مالكم يا قوم؟ الجواب: نريد الدعم كي لا تنقرض الصحف. لنفترض أن صحفكم هذه انقرضت فعل ستهوى السماء فوق رؤوسنا أن تميز الأرض تحت أقدامنا؟ الجواب: سيحرم المواطن من حقه في المعلومة. يا سلام، إنهم يا سادة يقصدون وصولهم هم إلى "المعلومة التي ليست على بالكم جميعا" ، ونحاول هنا تقريبكم من قيمتها ألا وهي الملايير التي يحلبها الناشرون الذين يتحدثون لغة المال ولا شيء غيره، ثم يتحدثون لغة الخشب ليضحكوا علينا، وهذا ليس غريبا فهم "ناشرون" وللمنشار علاقة أزلية بالخشب.
في الوثيقة المرفقة بهذا المقال ، يمكنكم بسهولة معرفة كل مؤسسة إعلامية وما توصلت به قبل سنة فقط. إنها كما ترون رساميل كبيرة خارجة من الجيوب التي تتحرق هذه الأيام وهي تستعد لمجازر استنزافية بمناسبة عيد الأضحى والدخول المدرسي ووجع الزيادة الحكومية في كل شيء تقريبا.نعم من جيبك أنك وقوت أبنائك أنت سيدي و سيدتي يخرج هذا المال ليصل إلى أصحاب "النشر" فماذا يصنع به هؤلاء القوم؟؟
لماذا كل هذا الدعم وقبل الغطس في مستنقع هذا الموضوع، فإن الدعم في الوثيقة المرفقة مع المقال كانت برسم سنة 2011 لكن لم يصل إلى المؤسسات المذكورة حتى 2012 ، والغاية كانت فرض تدبيج بلاغ مباشرة بعد تلقيهم الرشوة، عفوا الدعم،بلاغ مقيت يبجلون فيه الوزير الإسلامي جدا ويمتدحون انجازاته التي لم لن ترى النور، وها عيني ها عينكم.
لنعد إلى موضوعنا قبل أن نعرف ما يصنعون به يجب أن نشير إلى أن مقاربة الدولة أرادت أن تكون ديموقراطية من حيث توزيع الدعم على الجميع، لكن للدولة حقا أيضا ككيان له مصالح عليا على رأسها قضية الصحراء وجب على أرباب المؤسسات الإعلامية القيام به فهل يفعلون هذا حقا؟؟ الجواب: بحثنا في أسماء معروفة فلم نجدها دافعت بحرف على قضية الصحراء، بل من بين هذه الأسماء من لو أزلت اسمه لظننت أن انفصاليا أو موظفا بالأمم المتحدة يتكلم في موضوع الصحراء وليس مغربيا لشديد الأسف.
وهنا أطلق سؤالا عله يجد جوابا: ما الذي يجبر الدولة على تقديم هذا الدعم السخي لمقاولات لا تخدم قضية الشعب الأولى ضمن أجندتها المهنية؟؟
سيقول قائل إني أدعو إلى جعل كل خطوط التحرير رسمية..لا لا لا ليس المقصود هذا إطلاقا، فالداعي لكم بالخير وللفساد بالزوال يقدس حرية الإعلام وضرورة أن يكون لكل صحيفة خطها الواضح يعرفه المشتغلون بها والقراء وهذا غير موجود وأتحدى كل المؤسسات القائمة أن توجد خطا تحريريا مكتوبا توزعه على محرريها، بل العكس من هذا تماما ليس في مصلحة أي باطرون إعلامي أن يضع بين أيدي الصحافيين البروليتاريين وثيقة ميثاق تحرير واضحة لأنه يخشى أن يحاسبوه بها.
هل هم نواة للوبيات خطيرة لقضية الدعم منطقيا وجهان إذا: وصول الناس للمعلومة كحق كوني والدفاع عن قضايا الشعب الذي يدفع للصحف من جيبه وقوته وعرقه. ومادام الشرطان مختلين تصبح قضية الدعم باطلة.وبمناسبة الحديث عن الباطل فإني أرى من باب مبطلات المغرب الحداثي ألا تخضع المؤسسات الإعلامية للافتحاص الدقيق كي نعرف اين تذهب أموالنا؟ وهل تصرف في محلها؟ وهل يستفيد منها الصحافيون تكوينا وتعويضا. إن سؤال الافتحاص لا يرهب المؤسسات ذات الشفافية بقدر ما يخيف غاية التخويف من في بطونهم ملاييرنا ريعا وظلما.وهو يعرفون أنفسهم جيدا، و لو كانت لهم الجرأة فليردوا على مقالي حتى أكشفهم بالأرقام والأسماء.والرهان قائم.
لقد أصبح أرباب النشر لا يختلفون كثيرا عن التشكيل العصابي المافيوزي.طغمة متماسكة شرهة وشرسة في لي يد الدولة و لهف الملايير كل عام على حساب الصحافيين الذين يسلطونهم وقتما أرادوا وكيفما شاؤوا على المؤسسات من أجل حلب وليس جلب الاشهار، بالابتزاز في حق السياسيين ورجال الأعمال وحتى أطراف في الدولة.
بالواضح الفاضح، اصبحت الدولة بالنسبة لهم رهينة بل لعبة صغيرة يشتغلون على مصالحها فقط عندما يقترب موعد الدعم، اي "حبيتك من أجل الدعم وهجرتك في الشتي"، مع نغمة حزينة للرائعة فيروز مرفوقة باعتذار لها على تحوير كلامها. المغرب يا سادة لم يعد يتحمل مثل هذه الألاعيب "لي عندو يعري على دراعو ولي ما فيدوش يتسوخر لوووور". حشرات كثيرة امتصت دم المغرب منذ عقود وقد آن الأوان لرش المبيدات.
صرف الملايير في جرائد لها عقلية المافيا قبل أن نعطي لمحة عن أوجه صرف ملايير الدعم المفترى عليه، تعالوا نمنطق الأمور إن كان بقي للمنطق مكان في بلادنا الجميلة رغم الوساخات التي تدعو للاكتئاب فعلا.اي تأثير بقي للصحف الورقية اليوم حتى تنال كل هذا الدعم الباذخ؟ أليست الصحافة الرقمية هي الأجدر به بفضل تأثيريها القوي المتزايد ودخولها البيوت والمقاهي والهواتف؟
رغم الكلام المعسول الذي أتحفنا به الوزير الخلفي في ايام باكوره الأولى من وعود بدعم الصحف الرقمية وأن الدولة تعترف بها فقط في العقوبات وووو..فباطرون الناشرين نور الدين مفتاح الذي أتقن كثيرا اعتمار عمامة الصحافي لا يرى أن "الالكترونيين" يستحقون، بل كل همه وديدنه أن يدافع عن الصحف الورقية البائرة بمناسبة وغيرها. إن الخشية من الانقراض وبالتالي انتهاء موسم حلب بقرة حاحا غير النطاحة يولد العجائب.
لقد صدق صديق لي حينما وصف جماعة الناشرين في المغرب ب "باركينغ السيارات" فعند كل موسم قطف الملايير السخية صار من باب التقليد أن يشتري كل مدير نشر سيارة فارهة "آخر حلاوة" ولتموتوا بغيضكم ايها المشتغلون عبيدا بمؤسساتهم. ومن آخر ما وقع بهذا الصدد أن صاحب مؤسسة معروفة لا يكف عن إعطاء الدروس من أجل صحافة مهنية محايدة بينما لا يتوقف عن التطبيل لجهات داخلية منها رئاسة الحكومة من أجل نيل اشهاراتها وايضا جهات خارجية، فقد اشترى صاحبنا سيارة فارهة لا يقل ثمنها عن خمسة وسبعين مليون سنتيم والغريب العجيب أنه يشكو يوميا من عدم كفاية الدعم...وفي ذمته ملايين الدراهم لمطبعة ماروك سوار. فهمتو شي حاجة بالله عليكم؟
دلوني يا سادة ولست حاسدا أبدا لو تعلق الأمر بمال من كسب حلال دلوني على صاحب أية مؤسسة لا يسكن فيلا ولا يمتطي سيارة فارهة ولا يملك ارصدة خيالية؟؟ من اين لهم كل هذا؟ إن بعضهم لا تحلو لهم الجلسات الخمرية ولا انتشاق السيجار الكوبي إلا في الفنادق المصنفة.كم تكلف الجلسات النواسية هذه طيلة السنة؟ إنها حياتهم الخاصة سيقول بعضهم في نفسه. نعم، احتراماتي للحياة الخاصة لكن فلتكن مصاريفها من مالك الخاص وليس من مال احكل الراس من أشباهنا.
الدعم يتحول الى مشاريع خاصة وسيارات فارهة ويا ليت استثمار ملايير الدعم كان يعود بالربح على الذين يبنون مقاولاتهم ويفنون فيها ومن أجلها أعمارهم من صحافيين وإداريين وتقنيين. لقد وصل السفه في توزيع مال المغرب السائب ببعضهم إلى تحويله نحو مشاريع عقارية و مطاعم و "صناكات" و حتى المحلبات والملبنات و شركات تأجير السيارات وما لا يخطر على بال.
كيف لا يصنعون كل هذا وكبرى المؤسسات خواتم في اصابعهم يبتزونها كي لا يفضحوا أسرارها ووساخاتها؟ إنها تمظهرات الابتزاز المافيوزي الخطير الذي علينا أن نترقب نتائجه الكارثية مستقبلا. انه انهيار المهنة والأخلاق، وإلا ماذا سنسمي أفعال شخص له ازيد من مائتي مليون سنتيم دعما وقرابة مليار ونصف المليار كحصة إشهار سنوي؟؟؟ اشترى بها كل ما تشتهيه النفس غير اللوامة من عقارات وسيارات ومقاه ومطاعم.
بأي وجه حق أو حتى باطل أفيدونا فضحكم الله يصل إلى هذه الأيادي ما يصل، رغم أناملها التي تحنش في لوح مفضوح وتختلق الأخبار، ورغم السقوط المتوالي في امتحان المهنة..بل ورغم حشر المؤسسة الملكية نفسها من طرف البعض في إشاعات مغرضة لا تخفى؟؟ أفيدونا فضحكم الله لم يحدث كل هذا؟ إنهم أبناء البقرة البيضاء كما يقول البدو في قريتي. يلبسون الأمر كله لبوس حرية التعبير بينما هو والله منطق البيع والشراء والابتزاز.
حان الوقت كي تقرع الجرة بالجرة، وها قد اسمعنا الصوت وكشفنا الغطاء عن البئر العفنة، فأينك يا برلمان وأينكم يا نواب الأمة؟ وأينكم يا أدعياء المغرب الحداثي، هل من مجيب أم هي صيحة أخرى مني في واد غير ذي زرع؟؟