بغض النظر عن خلفيات استناد حزب الاستقلال في قراره القاضي بالانسحاب من الحكومة على الفصل 42 من الدستور وليس مقتضيات الفصل 47 منه، كما يلاحظ بعض المهتمين، عن حق، فإن القرار في حد ذاته لن يخلق ازمة سياسية في المغرب، على اعتبار ان دستور 2011 اوجد مجموعة من المخارج والإجابات عن وضعيات الانسحاب والاستقالة والإقالة وحل البرلمان وسحب الثقة من الحكومة..إلى غير ذلك من الوضعيات التي حاول فقهاء القانون الدستوري وبعض والمحللين والمهتمين بالشأن الحزبي والسياسي بالمغرب ان يقاربوها بعد موقف الاستقلال الاخير.. ومن بين السيناريوهات المحتملة والتي مالت إليها أغلب آراء المحللين السياسيين، هنا ثلاث سيناريوهات مطروحة إما التعديل الحكومي بمشاركة حزب الاستقلال بعد تحكيم ملكي يعيد الامور على نصابها أو البحث عن حلفاء آخرين لتعويض حزب الاستقلال ويتجه اغلب المحللين إلى حزبي التجمع الوطني للأحرار والحزب الدستوري للقيام بهذا الدور، فيما يبقى السيناريو الثالث هو إسقاط الحكومة سواء بتحالف بين الاستقلال وباقي الاحزاب في المعارضة وذلك عن طريق رفع سحب الثقة منها في البرلمان او عن طريق استقالة من طرف رئيس الحكومة..
هذه السيناريوهات وإن كانت وجيهة بالاستناد إلى استنطاق بعض فصول الدستور التي أطرت هكذا وضع دستوري لإنها لم تلامس مجمل الاحتمالات التي يمكن اللجوء إليها سواء من طرف حزب الاستقلال او من طرف أحزاب الاغلبية بزعامة العدالة والتنمية، وفي هذا الاطار يرى بعض المحللين ان رئيس الحكومة اليوم هو أمام أربعة اختيارات، بينما المعارضة هي أمام اختيار واحد في حالة ما إذا انضم لها حزب الاستقلال.. وهو ما ذهب إليه المحامي الاستاذ عبد الكبير طبيح في مقالته التالية:
صادق المجلس الوطني لحزب الاستقلال يوم 11/05/2013 على قرار بالانسحاب من الحكومة, و هو ما يعني أن الحكومة الحالية ستفقد أغلبيتها في البرلمان. و هو ما يطرح على رئيس الحكومة الرجوع الى مستشاريه الدستوريين من أجل رسم الطريق التي يجب سلوكها للتعامل مع هذه المستجد لمعرفة الخيارات التي يعرضها الدستور على رئيس الحكومة لمواجهة هذا الوضع.
و أعتقد أن رئيس الحكومة اليوم هو أمام أربعة اختيارات , بينما المعارضة هي أمام اختيار واحد في حالة ما إذا انضم لها حزب الاستقلال, كما سنرى فيما بعد.
و بخصوص الاختيارات الأربعة التي يعرضها الدستور على رئيس الحكومة ,يمكن إجمالها فيما يلي:
يتمثل الاختيار الأول في الإمكانية التي يعطيها الدستور لرئيس الحكومة وكذا الحكومة, في الاستمرار في تدبير الشأن العام دون ما حاجة لوجود أغلبية في البرلمان, و هي الإمكانية التي يمكن أن تتحقق للأسباب التالية:
السبب الأول : وهو أن البيان الصادر عن المجلس الوطني لحزب الاستقلال نص فقط على جاهزية قرار الانسحاب من الحكومة، لكنه لم يشر هل حزب الاستقلال سينظم للمعارضة و سيصوت معها , علما أنه ليس هناك، لا دستوريا و لا سياسيا، أي تلازم بين عدم التواجد في الحكومة و بين الاصطفاف أوتوماتكيا في صف المعارضة، والتصويت معها . إذ قد يبقى حزب ما خارج الحكومة دون أن يصوت مع المعارضة .
و إذا لم يلتحق حزب الاستقلال بصف المعارضة، فإن الحكومة يمكنها أن تستمر، لأن المعارضة الحالية لا تملك أغلبية أعضاء مجلس النواب التي تمكنها من فرض رأيها على الحكومة أو تمكنها من عرقلة القوانين التي تقدمها هده الأخيرة للبرلمان و على رأسها القانون المالي .
السبب الثاني : وهو أن الدستور يمكن الحكومة من الاستمرار في عملها حتى ولو اصطف حزب الاستقلال مع المعارضة . كيف يمكن ذلك.
من المعلوم أن الفصل 90 من الدستور يحصر ممارسة السلطة التنظيمية في رئيس الحكومة و في أعضاء الحكومة بالتفويض، و هي السلطة التي تمكن الحكومة من تدبير الشأن العام بواسطة إصدار المراسيم التي هي آلية لسن قواعد ملزمة في بعض الميادين و التي لا تحتاج فيها الحكومة إلى تصويت من البرلمان.
لكن قد يقال إن الحكومة ملزمة على الأقل مرة كل سنة لطلب تصويت البرلمان، فكيف ستدبر هذه الوضعية و البرلمان سيصبح مكونا من أغلبية معارضة ستوقف أي قانون مالي تقدمه الحكومة.
إن الجواب عن هذا الإشكال يقدمه الدستور الذي مكن الحكومة من تمرير القانون المالي حتى ولم تكن تتوفر على الأغلبية في البرلمان، فكيف يمكن لها ذلك .
من المفيد التذكير بكون الدستور المغربي مثله مثل باقي الدساتير ,مبني على تراتبية، هي سياسية أولا قبل أن تكون قانونية أو دستورية، و تتمثل تلك التراتبية في كون الحكومة تنصب بعد التصويت على برنامجها من قبل البرلمان طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 88 من الدستور، بينما القانون المالي ما هو إلا جزء من آلية تنفيذ البرنامج الذي سبق للبرلمان أن قبل به و صوت عليه.
و ينتج عن هذا التحليل أن الدستور لم يمكن البرلمان من عرقلة عمل الحكومة الرامي الى تنفيذ البرنامج الذي سبق أن قبل به و صوت عليه، لذلك أحدث المشرع الدستوري آلية لحماية الحكومة من أي معارضة لقانونها المالي، حتى و لو كانت تلك المعارضة تتوفر على أغلبية أعضاء مجلس النواب، و هي الآلية المنصوص عليها في الفصل 77 من الدستور و التي تعطي للحكومة الحق في رفض كل اقتراح أو تعديل يقدم على القانون المالي .
و بهذه الآلية ستتمكن الحكومة من تجاوز الاغلبية البرلمانية المعارضة لقانونها المالي، والحكومات التي تستمر في الوجود، بالرغم عن عدم توفرها على أغلبية بالبرلمان، معروفة بحكومة الأقلية هي حكومة شرعية و دستورية و قابلة للحياة.
و هذا الاختيار الأخير هو اختيار صعب بطبيعة الحال لأنه يتطلب جرأة كبير من رئيس الحكومة، ليس في تحدي المعارضة، و لكن في اختيار و عرض البرامج و القوانين التي تجيب عن انتظارات المواطنين ليجد سندا لحكومته لدى الرأي العام، بعدما فقده داخل البرلمان .
ويتمثل في أن يقدم رئيس الحكومة ملتمسا لربط مواصلة الحكومة لعمله بالتصويت بمنحها الثقة، و ذلك في إطار الفصل 103 من الدستور و الذي أصبح حقا للحكومة تتداول بشأنه دون ما حاجة لعرضه على المجلس الوزاري، خلافا لما كان عليه الحال في الدساتير السابقة التي كانت تلزم أن يتم التداول في طلب منح الثقة في المجلس الوزاري .
وهذه الآلية تبقى على حصانة الحكومة ما لم يصوت اغلب أعضاء مجلس النواب على سحب الثقة منها، مما يرجعنا الى ما سبقت الإشارة إليه من كون قرار حزب الاستقلال لم يشر الى انه سيصطف الى جانب المعارضة، مما يبقي السؤال معلقا، لأنه في حالة عدم اصطفاف حزب الاستقلال مع المعارضة، فإن الحكومة ستحتفظ بالثقة، و بالتالي ستحتفظ بشرعيتها و دستوريتها .
و هو أن يقرر رئيس الحكومة اتخاذ قرار بحل البرلمان، هو الحق الذي يخوله له الفصل 104 من الدستور، و إن كان ذلك الفصل حدد الآلية التي يجب على رئيس الحكومة أن يستعملها، وهي أن يكون الحل بواسطة مرسوم.
لكن من الملاحظ أن الدستور وان أعطى لرئيس الحكومة الحق في حل البرلمان بواسطة مرسوم، إلا انه اشترط عليه أن يتخذ ذلك المرسوم في مجلس وزاري .
غير أن هذا الاشتراط يستدعي ملاحظتين:
الاولى : و هي أن الدستور و إن خص رئيس الحكومة وحده بممارسة السلطة التنظيمية وفقا لأحكام الفصل 90 من الدستور، إلا أنه فيما يخص ممارسة الحق في حل البرلمان احدث فيه الدستور رقابة مجلس وزاري على ممارسته، وهي الحالة الوحيدة التي يعرض فيها على مجلس وزاري مرسوم يدخل في المجال الخاص بالسلطة التنظيمية . الثانية: وهي أن الفصل 104 الذي يعطي لرئيس الحكومة حل البرلمان، اشترط أن يتخذ مرسوم الحل في مجلس وزاري و ليس في المجلس الوزاري المعرف.
ذلك اأن الدستور يفرق بين المجلس الوزاري، بالألف و اللام، و بين مجلس وزاري بدون تعريف، إذ الأول يترأسه الملك، بينما الثاني يترأسه رئيس الحكومة، وهو ما يتبين بكل وضوح من مقارنة الفقرة الاولى من الفصل 48 التي تتكلم عن المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك وبين الفقرة الأخيرة من نفس الفصل التي تتكلم عن مجلس وزاري الذي يترأسه رئيس الحكومة. و إذا كان هذا التمييز هو إرادة المشرع الدستوري، فإن قرار حل البرلمان سيتخذ في مجلس وزاري يترأسه رئيس الحكومة، غير أن هذا الاختيار الثالث سيطرح تساؤلا كبيرا حول من سينظم الانتخابات لتجديد البرلمان، هل رئيس الحكومة الذي حل البرلمان، و إذا كان الجواب بالنفي، فمن سينظم تلك الانتخابات أمام سكوت النص الدستوري.
و يتمثل في أن يقدم رئيس الحكومة استقالته طبقا للفقرة 6 من الفصل 47 وهو ما يؤدي الى اعفاء الحكومة بكاملها.
غير أن السؤال الذي يطرحه هذا الاختيار هو كيف سيتم تشكيل الحكومة الجديدة.
من المفيد الإشارة إلى أن الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من الدستور تنص على أن الحكومة المستقيلة تواصل مهام تصريف الامور الجارية الى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يعني أن تشكيل الحكومة الجديدة سيتم في إطار البرلمان الحالي والقائم لأن استقالة رئيس الحكومة و اعفاء اعضائها لا يؤدي دستوريا إلى حل البرلمان، لأن حل البرلمان لا يسمح به الدستور إلا إذا قام به الملك في اطار الفصل 51 او إذا طلبه رئيس الحكومة في إطار الفصل 104 من الدستور. و أمام الصيغة المستعملة في الفصل 47 فإن الملك سيختار رئيس حكومة دون أن يحل البرلمان. لكن كيف يمكن أن يتم ذلك؟
من المعلوم أن التحول التاريخي الذي أحدثه دستور 2011 يتمثل في كون تعيين رئيس الحكومة لم يبق خاضعا لسلطة كاملة للملك، كما كان الأمر في الدساتير السابقة، و إنما أصبح تعيين رئيس الحكومة يتم من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.
و في هذه الحالة، أي حالة استقالة رئيس الحكومة و اعفاء باقي أعضائها، فإن تعيين رئيس الحكومة الجديد سيكون من نفس الحزب الذي تصدر الانتخابات السابقة دون أن يكون في ذلك أي إخلال بالدستور، اللهم من تغيير شخص رئيس الحكومة الحالي بشخص أخر من نفس الحزب. لكن هذا الشخص الاخير يجب ان يحصل برنامجه على أغلبية اعضاء مجلس النواب، وإلا لا يمكن لحكومته أن تنصب طبقا لما ينص عليه الفصل 87 من الدستور.
هذه هي إذن الاختيارات التي يعرضها الدستور على رئيس الحكومة أمام فقده للأغلبية في البرلمان.
بخصوص الخيار الوحيد للمعارضة، في الوضع الحالي يمكن للمعارضة غدا إذا ما انضم إليها حزب الاستقلال لكي تصبح لها أغلبية الأصوات، ان تتقدم بملتمس الرقابة في إطار الفصل 105 من الدستور.
و في هذه الحالة سيؤدي تصويت أغلبية أعضاء مجلس النواب الى إقالة الحكومة ليبقى آنذاك للملك الخيار، إما حل البرلمان و تنظيم انتخابات جديدة وتعيين رئيس حكومة من الحزب الذي سيتصدر الإنتخابات، و إما تعيين رئيس حكومة جديد، لكن من نفس الحزب الذي تصدر الانتخابات السابقة. ومن المفيد الإشارة في الأخير، إلى أن الفصل 47 من الدستور حصر تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخاب مجلس النواب و ليس من الحزب الذي يتوفر على اكبر الأعضاء بمجلس النواب، مما لا يمكن في ظل البرلمان الحالي تعيين رئيس للحكومة من أي حزب آخر غير الحزب الذي تصدر الانتخابات السابقة، وذلك وفقا لصياغة الفصل 47 المذكور.
أمام هذه الاختيارات سننتظر كيف سيتعامل رئيس الحكومة مع ما يقدمه الدستور من اختيارات.